أمريكا .. الخوف من العملاق الصيني وبداية لحرب باردة جديدة

الثورة نت/

يعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على تغيير الأولويات الإستراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة حيث ظهر ذلك جليا في أولى جولاته الأوروبية بعد توليه زمام الرئاسة بتأكيده أن روسيا لم تعد منافسا مباشرا لواشنطن ، معتبرا إياها مجرد لاعب ثانوي بالمقارنة مع العملاق الصيني الذي بات يعتبره قلقا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي.

ولقد وسع جو بايدن القيود المفروضة على الاستثمارات الأمريكية في بعض الشركات الصينية ذات الصلة المزعومة بالجيش، كما وقع بايدن في 17 يونيو المنصرم أمرا تنفيذيا يحظر على الأمريكيين شراء أو بيع أي سندات مالية متداولة علنا من 59 شركة صينية اعتبارًا من 2 أغسطس القادم .

وبذلك أظهر جو بايدن نيته في التأسيس لحرب بادرة جديدة تلعب فيها الصين دور العدو الاستراتيجي ، وبدأ برسم ملامح عالم يقوم على منافسة منهجية بين القوى الغربية الحليفة وجمهورية الصين الاوتوقراطية تحت شعار ” أمريكا عادت ” .

وردت الحكومة الصينية على تلك القرارات بالاحتجاج حتى قبل الإعلان عنها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وين بين : “إن الولايات المتحدة تجاهلت الحقائق ويجب عليها أن “تصحح أخطاءها” و”تتوقف عن إلحاق الضرر بنظام السوق المالي العالمي ومصالح المستثمرين”.

لكن العديد من الشركات المدرجة تضررت بالفعل من الأمر السابق، بما في ذلك شركة هواوي للهواتف الذكية وثالث أكبر شركة نفط صينية “المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري”.

كما أعلنت وزارة التجارة الأمريكية إضافة 7 كيانات صينية متخصصة في أجهزة الحوسبة الفائقة إلى قائمة الشركات الخاضعة للعقوبات، معتبرة إياها تهديدا للأمن القومي الأمريكي .

وتبريرا لتلك العقوبات قالت وزيرة التجارة الامريكية جينا ريموندو إن “العقوبات تهدف إلى منع الصين من الاستفادة من التقنيات الأمريكية لدعم الجهود المزعزعة للاستقرار من خلال التحديث العسكري”.

وبموجب العقوبات، سيتعين على هذه الشركات الحصول على إذن خاص لإقامة علاقات تبادل تجارية مع الشركات الأمريكية.

وأضافت “قدرات الحوسبة الفائقة حيوية لتطوير الكثير، إن لم يكن غالبية، الأسلحة الحديثة وأنظمة الأمن القومي،

وتمثل الصين سوق نمو ضخم بالنسبة لشركات الهندسة الميكانيكية والكيميائية والسيارات ،وتخشى واشنطن هذه القوة الاقتصادية متسارعة الصعود لبكين والتي لم تتأثر كثيرا بتبعات فيروس كورونا ، بينما واشنطن ما زالت لم تلتقط انفاسها الاقتصادية والمالية والنقدية والتشغيلية بسبب الجائحة على غرار الأسلحة النووية والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت”.

وأضافت ريموندو: “وزارة التجارة ستستخدم كل سلطاتها لمنع الصين من الاستفادة من التقنيات الأمريكية في هذا المجال”.

كما أعلن أعضاء حلف شمال الأطلسي في بيان يوم 14 يونيو الماضي إن طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل تشكل تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة أمن الحلف .

غير أن الامين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أكد في الوقت ذاته ” أن الصين ليست خصمنا او عدونا لكن علينا ان نواجه التحديات التي تطرحها الصين على أمننا .

وانتقدت صحيفة يونغه فيلت اليسارية في 16 يونيو التوجه الجديد للسياسة الامريكية.

وكتبت الصحيفة ” لا يمكن للأمر أن يكون غير ذلك ” امريكا اولا ” ليس شعار تحتكره الأوليغارشيو الرجعية فقط ،وإنما هو شعار قوة عظمى تحاول وقف اندحارها ، إذ قال بايدن قبل بضعة أيام ” نحن في منافسة من أجل النصر في القرن الحادي والعشرين “، وقد تم بالفعل إطلاق الشرارة الاولى لهذه المنافسة (..) ان التنافس المتصاعد على النفوذ العالمي لا يترك مجالا لتقديم تنازلات لحلفاء الولايات المتحدة و تأثر المصالح الامريكية ولو بشكل طفيف (..) الوحدة موجودة فقط على شكل تحالف مفتوح ضد الصين ، وبشروط القوة العظمى التي بدأت في التراجع هذا هو أساس التحالف عبر الأطلسي اليوم ” .

وسارعت بكين في ردة فعلها تجاه تصنيفها كتحدي استراتيجي للناتو واتهمت دول حلف شمال الأطلسي بنهج عقلية ” الحرب الباردة وسياسة التكتل ” على حد تعبير البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل .

وأكدت بكين ” أن الصين ملتزمة بسياسة عسكرية ذات طبيعة دفاعية . وسعينا للتحديث الدفاعي والعسكري مبرر ومعقول ومنفتح وشفاف ” .

ودعت بكين دول التحالف إلى التوقف عن المبالغة ” في نظرية التهديد الصيني ” .

وأعربت وزارة الخارجية الصينية عن عدم فهمها لذلك التهويل واتهت حلف الناتو بتطبيق ” معايير مزدوجة ” من حيث مطالبة الدول الأعضاء في الحلف زيادة إنفاقها العسكري . ومع ذلك أشارت الخارجية إلى أن الصين تتعرض لانتقادات بسبب إنفاقها العسكري الذي لا تتجاوز 1.3 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي .

وأضافت أن الصين لا تمثل تحديا ممنهجا لأحد إلا أنها مصممة على حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية .

لكن الغرب بات يرى أن الصين تعمل على إعادة تشكيل النظام العالمي بأسلوب من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الحيوية للقوى الغربية وقد يعزز ذلك نموذج الدولة المستبدة ويضر بالديمقراطيات وطورها في العالم .

وبدا التكتل الاوروبي سواء من حيث الثقل البشري والعسكري والسياسي الحليف الأقرب الذي يتقاسم مع الولايات المتحدة نفس القيم .

وفي مقابل ذلك تسعى الصين بدورها لبناء تكتل اجتذبت إليه روسيا وإيران .

وعلى المستوى العسكري تحول بحر الصين الجنوبي إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وبكين ، حيث تدعي الاخيرة سيادتها البحرية عليه .

وقد تعهدت ألمانيا وفرنسا بدعم الامريكيين لضمان حرية الملاحة البحرية هناك كما تعمل واشنطن على دعم حلفائها في المنطقة ” استراليا والهند واليابان ” أما على الصعيد الاقتصادي فالعنصر الأساسي للتحالف الامريكي الاوروبي في مواجهة الصين يرتبط بمدى قدرة كل من الولايات المتحدة وأوروبا على تنسيق مواقفهما بشأن التجارة والتكنولوجيا .

وقامت وزارة التجارة الأمريكية بتحديث قائمة الشركات الصينية التي تعمل في مجال الصناعات الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر فائقة القوة وضمتها إلى قائمة الكيانات الصينية المحظورة تصدير المنتجات الامريكية إليها بدعوى أن انشطة هذه الشركات تمثل تهديدا للأمن القومي الامريكي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويحظر أي تعامل مع هذه الشركات دون الحصول على ترخيص من الحكومة الأمريكية .

وتدعي الإدارة الأمريكية أن تلك الشركات الصينية تساهم في تطوير قدرات الجيش الصيني أو في تطوير اسلحة الدمار الشامل .

وأكدت وزارة التجارة الأمريكية أنها تستخدم كل ما لديها من صلاحيات لمنع الصين من استغلال التكنولوجيا الامريكية لدعم جهودها للتحديث العسكري التي تثير الاضطرابات .

يذكر ان البيت الابيض أقر في أبريل الماضي حزمة استثمارات في البنية التحتية التي اقترحها الرئيس جو بايدن والبالغة تريليوني دولار تتضمن 50 مليار دولار لإنتاج وبحوث الرقائق الإلكترونية الذي تعتبره واشنطن قطاعا استراتيجيا للحفاظ على سبقها التكنولوجي .

وربط موقع “شبيغل أونلاين ” الألماني في 10 يونيو الماضي بين البعدين التكنولوجي والعسكري في الاستراتيجية الأمريكية ضد الصين على ضوء الأمر التوجيهي الذي أصدر وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن إلى البنتاغون طالبهم في بتكثيف تركيزهم على الصين .

ورغم قيادة واشنطن للاقتصاد العالمي فان الصين اتبعت خلال العقدين الماضيين الطريق الاسرع لكسب ود الدول الضعيفة اقتصاديا من خلال مشاريع مشتركة حسنت من وضعيتها كمنافس قوي للولايات المتحدة .

كما نجحت الصين في تحقيق مبدأ ” رابح ـ رابح ” في مشروعها الضخم ” الحزام والطريق ” من خلال مشاركة المكاسب مع كافة الدول التي يمر منها طريق الحرير الصيني وعددها 60 دولة .

وتظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي للصين أن اخر مرة سجلت فيها نموا أقل من 5 بالمئة كان عام 1990 بينما ظلت نسب النمو تتراوح بين 6 الى 13 بالمئة طيلة العقود الثلاثة الماضية حتى نهاية 2019 .

بينما الناتج المحلي الإجمالي من حيث القيمة ، بلغت نسبته بنهاية 2019 نحو 14.3 تريليون دولار امريكي مقارنة مع 360.5 مليار دولار امريكي بنهاية عام 1990 وفق أرقام البنك الدولي .

مقابل ذلك آخر مرة سجلت فيها الولايات المتحدة نموا فوق 5 بالمائة كان في عام 1984 لكنها منذ ذلك التاريخ سجلت تذبذبات حادة في النمو والانكماش بمتوسط نمو سنوي يبلغ 2.3 بالمائة .

ومن حيث القيمة بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنهاية 2019 نحو 21.8 تريليون دولار ، مقارنة مع 5.96 تريليون دولار بنهاية 1990 ، أي أن اقتصاد امريكا يفوق بسبعة أضعاف اقتصاد الصين في 1990 .

وبذلك تحتاج اليوم الصين وفق نسب النمو المتوقعة البالغة من 5 – 6 بالمائة إلى 6 سنوات للتفوق على الاقتصاد الامريكي ، وتصبح أكبر اقتصاد في العالم من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي .

وبينما لا تزال الولايات المتحدة متخلفة في بناء شبكات الجيل الخامس إلا أن الصين تملك شركة هواوي المتخصصة في بناء هذا النوع من الشبكات إلى جانب وصولها لمستويات متقدمة في أبحاث شبكات الجيل السادس .

وفي نوفمبر الماضي أرسلت الصين بنجاح أول قمر صناعي تجريبي بتقنية الجيل السادس ( جي 6) في العالم إلى مداره ، ضمن 12 قمرا صناعيا تم إرسالها إلى المدار من مركز تايوان لإطلاق الاقمار الصناعية .

وحظرت الولايات المتحدة استخدام المكونات الامريكية في منتجات شركة هاواي الصينية العام الماضي ثم أقرت بإمكانية استخدامها فقط في الهواتف الذكية للشركة ولكن ليس في الانشطة المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس .

وبسبب مخاوف أمريكا من منافسة العملاق الصيني لها في هيمنها الاقتصادية والتجارية على العالم .

و أصبحت العقوبات إحدى أدوات السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها هنا وهناك، بدلا عن الانخراط في حملات عسكرية مكلفة وغير مضمونة العواقب.

كما أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول أخرى كانت جميعها خارج نطاق القانون الدولي، ومن بينها ما فرضته على إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا من عقوبات اقتصادية خانقة.

وهذا ما يثبت أن العقوبات سواء كانت اقتصادية أو عزلاً دبلوماسيا لم تعد مقدمات تُمهد لحروب، بقدر ما أصبحت بديلة للحروب، وفلسفة لهذا النمط من الحرب الباردة بطبعتها الجديدة، خاصة في ظل حكم ترامب السابق والذي كان يعتمد على استراتيجية العقوبات الاقتصادية عوضا من عامل الردع العسكري المكلف.

المصدر: وكالة سباء

قد يعجبك ايضا