أظهر استهداف إحدى أهمّ القواعد الأمريكية في سوريا، قدرةَ محور المقاومة وجدّيته في الردّ على أيّ اعتداء يطال أهداف تابعة له، مع إمكانية تطوير ذلك إلى «مقاومة شعبية» موسّعة، تكون مهمّتها استهداف الوجود الأجنبي على الأراضي السورية، في منطقة شرقي الفرات تحديداً.
وبرغم عدم صدور أيّ بيان عن الجيش السوري، أو القوات الحليفة له في دير الزور، حول حادثة إطلاق الصواريخ على القاعدة الأمريكية في حقل العمر، إلّا أن هدف الضربة كان واضحاً: الردّ على أيّ استهداف يطال قوى محور المقاومة، كما حدث الأحد الماضي، حين استهدفت المقاتلات الأمريكية قوات “الحشد الشعبي” على الحدود السورية ــــ العراقية، وأعطى استخدام راجمات الصواريخ المحدودة المدى دون سواها، في عملية الاستهداف، وإصابة القاعدة إصابة مؤكدة، صورة واضحة عن دقّة المعلومات الموجودة في حوزة الجيش السوري وحلفائه حول القواعد الأمريكية غير الشرعية، وعن القدرة على استخدام أسلحة محدودة لإصابة أهداف كبيرة.
وربّما عبّرت حالة الإرباك التي عاشها جنود “التحالف الدولي”، وعناصر “قسد”، خلال فترة الهجوم القصيرة زمنياً، وما تلاها، عن انعدام القدرة على التعامل مع هكذا نوع من الهجمات؛ إذ توحي كلّ المؤشرات بأن الهجوم أربك بشكل واضح الأمريكيين، الذين استنفروا قواتهم، فيما استمرّ تحليق الطائرات المسيّرة والمروحية في المنطقة، مع نشر دوريات في محيط الحقل حتى ساعات متأخرة من مساء يوم الاثنين الماضي.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر ميدانية، لـ”الأخبار”، عن “حالة من الرعب عاشتها القوات الموجودة في القاعدة الأمريكية في العمر”، وعن تنفيذ هذه القوات “إعادة انتشار خشيةَ موجة هجوم جديدة”.
وأفادت المصادر بأن “التحالف استخدم سلاح المدفعية لقصف أهداف عشوائية في الضفة الغربية من النهر، وسقطت جميعها في الأحراج الزراعية المجاورة لنهر الفرات، من دون وقوع أيّ أضرار مادية أو بشرية”.
وقالت المصادر: “على الأرجح، لم يتوقّعوا أن يتم شنّ هجوم علني على قواتهم الموجودة في المنطقة منذ عدة سنوات، في وقت لم تشهد فيه القاعدة أيّ هجمات حقيقية من قَبل”.
ورجّحت المصادر أن “القصف تمّ براجمة صواريخ وقذائف مدفعية، لإيقاع أضرار واضحة في القاعدة”.
بدورها، كشفت وسائل إعلام محلية مقرّبة من “التحالف”، نقلاً عن مصدر من داخل حقل العمر، أن “الأضرار الناتجة عن القصف عبارة عن أضرار مادية في المدينة السكنية، وأحد مستودعات الذخيرة”.
كما أظهرت مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي استمرار اشتعال الحرائق داخل الحقل لساعات متأخرة من ليل يوم الاثنين الماضي، نتيجة احتراق مستودعات أسلحة وذخيرة.
وأجبر وضوح الهجوم وتوقيته الأمريكيين على الإقرار بوجود هجمات طالت أهدافاً تابعة لهم، في أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا.
وجاء الإقرار على لسان الناطق باسم “التحالف الدولي”، واين ماروتو، الذي أكد، في تغريده عبر “تويتر”، “تعرّض القوات الأمريكية في سوريا لهجمات بصواريخ متعدّدة، من دون وقوع إصابات”، لافتاً إلى أن “مدفعيتنا قصفت مواقع إطلاق الصواريخ في إطار الدفاع عن النفس”، فيما غاب أيّ تصريح رسمي لقوات “قسد” التي تسيطر على المنطقة، باستثناء صدور بيان محدود للمركز الإعلامي التابع لها تحدّث عن حيثيات الهجوم ونتائجه.
وأكد البيان أن “قواعد عسكرية تابعة لقواتنا لمحاربة داعش في منطقة حقل العمر، تعرّضت لهجمات صاروخية خطيرة، اقتصرت فيها الأضرار على الماديات”.
وأضاف أن “قواتنا نفّذت عمليات احترازية في المناطق المحيطة، منعاً لأيّ تحركات قد تقوم بها خلايا تنظيم داعش الإرهابي”.
وتعدّ هذه المرّة الأولى التي تتعرّض فيها المواقع الأمريكية في سوريا لقصف صاروخي ومدفعي حقيقي، لتشكّل أوّل تهديد مباشر للوجود الأمريكي في البلاد. وعليه، يتّضح أن حلف المقاومة أراد، من خلال هذا الاستهداف غير المعلن صراحةً، توجيه رسائل إلى الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تقرّر بعد شكل سياستها في سوريا، مفادها أن وجود قوات محور المقاومة في سوريا والعراق هو وجود شرعي وثابت، بخلاف الوجود الأمريكي.
كما يُعتبر هذا القصف بمثابة إثبات قدرة حلف المقاومة العملياتية على الردّ على أيّ هجوم يستهدف قواته في المنطقة، كالقصف الأخير في المنطقة الحدودية.