15 يوماً في ربوع السعيدة.. في ورش توعوية بمستبأ وخيران المحرق وقفل شمر بحجة..(الحلقة السادسة): تشكيل الجمعيات خطوة محورية في الثورة الزراعية

 

نظمت مؤسسة بنيان التنموية بالشراكة مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا والسلطات المحلية في محافظات: المحويت وحجة والحديدة وريمة، زيارة توعوية وتفقدية إلى 16 مديرية تم اختيارها مديريات نموذجية ضمن 50 مديرية على مستوى الجمهورية.
إيضاح الخطوط العريضة في موجهات القيادة الثورية المباركة والسياسية العليا نحو إحداث ثورة زراعية تنموية على نطاق واسع من المشاركة المجتمعية، مثل أولويات أهداف الزيارة التي تتخذ من ايحاءات الدروس الرمضانية للسيد العلم عبدالملك الحوثي -رضوان الله- عليه مسارا ومنهجا يهتدى به في تبديد ظلمات ما أوغرته العقود الماضية من المفاهيم المغلوطة والعقائد الفاسدة في المجتمع الريفي سواء عبر الإهمال والفساد الداخلي أو بسياسات التدمير الممنهج عبر المنظمات العاملة تحت ما يسمى بـ «العمل الإنساني».. “الثورة” شاركت ضمن الفريق الإعلامي للزيارة، ومن عمق الحدث تسرد الحكاية الكاملة للرحلة خطوة بخطوة، فإلى التفاصيل:
الثورة / يحيى الربيعي

في اليومين الخامس والسادس اتخذت الزيارة مسارا جديدا، في مديريات (مستبأ، خيران المحرق، قفل شمر -محافظة حجة)، المديريات السباقة في تدشين العمل الطوعي وتفعيل المشاركة المجتمعية على مستوى اليمن، لذلك كان لا بد من توزيع الأدوار بما يتلاءم وحجم الأنشطة والفعاليات وبما يتناسب مع ضيق الوقت المحدد في جدول الزيارة بيومي السبت والأحد 21، 22 مايو 2021م.
تم تقسيم أعضاء الفريق إلى فرقة تتجه للمشاركة في أنشطة وفعاليات إطلاق وتدشين العديد من المبادرات المجتمعية في صيانة وإعادة تأهيل عدد من السدود والحواجز المائية وإنشاء قنوات ري وكرفانات وبرك وأحواض لحصاد مياه الأمطار، وبناء جابيونات مكونة من الأسلاك الحديدية والأحجار على شكل مربعات عملاقة ترص على جوانب مجاري السيول لحماية الأراضي الزراعية من أخطار الفيضانات على مستوى المديريات الثلاث.
وفي مديريتي مستبأ وخيران المحرق دشنت مبادرة زراعة خمسة ملايين شتلة من الأشجار الاقتصادية ضمن المبادرة الوطنية الكبرى لزراعة 100 مليون شتلة التي أطلقتها اللجنة الزراعية والسمكية العليا، نفذ المبادرة جموع غفيرة من مواطني المديريتين يتقدمهم فرسان التنمية واللجان الزراعية والسلطات المحلية، بالإضافة إلى تنفيذ أكثر من مائة مبادرة مجتمعية لتصفية آبار وشق ورص طرق وإصلاح جابيونات لمنع السيول وإصلاح قنوات ري على مستوى المديريات.
كما تم تدشين مبادرة علاج ما يقرب من 130 ألف رأس من الماشية على مستوى المديريات الثلاث+ الشاهل ضمن المبادرة الوطنية لعلاج 10ملايين رأس من الماشية أطلقتها مؤسسة بنيان التنموية، المبادرة دشنها مجاميع طوعية من المواطنين تلقوا تدريبات بيطرية على أيدي أطباء متخصصين من فرسان التنمية واللجان الزراعية بالشراكة مع السلطات المحلية والوجاهات الفاعلة بالمديريات الأربع كل في نطاقه.
من جهة أخرى عقدت ثلاث ورش توعوية ميدانية في مديريات مستبأ وخيران المحرق وقفل شمر، الورش ناقشت عوامل النهوض الزراعي في المديريات والمعوقات التي تواجه مزارعي الحبوب خاصة والمنتجات الزراعية الأخرى بصورة عامة.

مرحلة جديدة
وفي الورش التي خلصت إلى ضرورة تكاتف وتكامل وتنسيق الجهود الرسمية والمجتمعية في سبيل تجاوز العقبات التي تقف أمام عجلة الثورة الزراعية على كافة المستويات وفي مقدمتها إشكالية التسويق المعوق الأكبر أمام المنتج المحلي دعا رئيس الزراعية العليا ابراهيم المداني، والمدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية المهندس محمد المداني في محاضرتين منفصلتين أبناء المديريات الثلاث وفي مقدمتهم المزارعون إلى ضرورة الانتقال بالثورة الزراعية من مرحلة التوعية والإرشاد إلى مرحلة توحيد الجهود وتحديد المسارات الإنتاجية، مؤكدين أن: من يزرع الأرض هم أهلها، ولكن لا بد أن يكون هناك من يعمل كحلقة وصل بين أهل القرى وبين مؤسسات الدولة ويربطهم بها، وفائدة الجمعية أنها تربط ما بين المزارعين في الوديان والشعوب والقيعان والهضاب وتنظر شؤونهم مع رأس الهرم في الدولة وتعيد إليهم السياسات الزراعية والخطط الاستراتيجية بعد أن تستوعبها وتهضم طرق وأساليب التعامل مع ما فيها من الفرص واللوائح التنظيمية المنفذة لها.
من هنا تنطلق الأهمية القصوى لإنشاء الجمعيات الزراعية، وهي عبارة عن كيان محلي يتكون من أكفأ المزارعين والمهتمين بالشأن الزراعي في المنطقة ومن يسير على الخطى الزراعية من فرسان التنمية واللجان الزراعية والمجتهدين من فنيين وإرشاديين ومحاسبين وأطباء بيطريين ومسوقين وأصحاب وسائل النقل والتبريد والتغليف والتعليب وبائعي المدخلات الزراعية ومختصين في عالم المبيدات والأسمدة والباحثين الذين يقومون بإجراء الدراسات والبحوث الزراعية والمسوح وكل من له علاقة تفيد العملية الزراعية وتعمل على إحداث النهوض بها، وكي تتمكن الجمعية من تقديم الخدمة المتكاملة للمزارع والمستهلك والتاجر والدولة كونها ستمثل حلقة الوصل التي من خلالها سيتعامل الجميع مع بعضهم البعض وتتم إجراءات التسهيلات وتوفير المعلومات ورسم السياسات ومتابعتها بناء على ما ستقدمه الجمعية من مسوحات وبيانات، وكذلك المزارع.
الجمعية مهمتها الانتباه لشؤون المزارعين ومعاونتهم على تسهيل وصول ما يحتاجونه من المدخلات الزراعية بقيمة ميسرة ومنخفضة وبمواصفات جودة عالية ومضمونة كي تحدث عملية زراعية سليمة وذات عائد ربحي يدر على المزارع دخلا مستقرا وغير متذبذب، فالجمعيات عليها مسؤولية تأمين السوق المجزي لمنتجات المزارعين المنخرطين في عضويتها بناء على المعلومات المسبقة التي سيتحصل عليها المزارع من الجمعية عن المحاصيل المطلوب توفيرها للسوق خلال فترة معينة كي تباع بثمن معين، فيعلم المزارع مصير منتجاته قبل أن يقبل على زراعة محصول لا يعرف ماهي عوائد زراعته من الربح أو الخسارة.
الزراعة الموجهة طريق رائع ومضمون النتائج بين أطراف العملية الزراعية، فالتاجر يعلم الجمعية باحتياج السوق من مادة القمح- مثلا- إلى 50 ألف طن لهذا العام، الجمعية تأخذ هذه المعلومات وبناء عليها ترسم خطة متكاملة لتأمين زراعتها بدءاً من توفير المدخلات اللازمة من بذور وأسمدة ومبيدات ومتطلبات حصاد وتعبئة ونقل وخلافه، ثم تقوم بتوزيع هذه المدخلات على عدد المزارعين المنخرطين في عضويتها كل حسب قدرته، بعد أن تبرم مع التاجر عقدا ببنود ملزمة له بتقديم دفعة من قيمة العقد، وضمان استيعاب الكمية وشروط جزائية على الطرفين في حال مخالفة أي منهما لبند من بنود العقد.
وعلى مستوى الجمهورية لا بد أن يكون هناك اتحاد عام للتعاونيات يتولى تجميع احتياجات السوق من المحاصيل الزراعية بناء على المعلومات التي سيقدمها التاجر ومتعهدي الأسواق المركزية وبموجبها يقوم الاتحاد بإعداد خطة استراتيجية على مستوى الجمهورية يوضح فيها أنواع المحاصيل والكميات المطلوب زراعتها وتحديد المدخلات اللازم توافرها بناء على معلومات تقدمها الجمعيات الزراعية إلى الاتحاد.
وبحسب عدد المزارعين لكل محصول وظروف المناطق الزراعية يقوم الاتحاد بالتنسيق مع الجمعيات هناك بتوزيع حصص كل مزارع وتتكفل الجمعية بضمان توفير معلومات عن الكميات للاتحاد الذي بدوره سيقوم بإبرام عقود التنفيذ مع التجار ومتعهدي الأسواق وبينه وبين الجمعيات الزراعية بحيث تصبح العملية مضبوطة وغير قابلة لحدوث خلل في السوق.
وهذه استراتيجية وطنية تتطلب- بالضرورة- تقييد حركة السوق المحلية بالكثير من الضوابط المانعة لترويج تسويق أي منتج زراعي يأتي عن طريق آخرين غير الاتحاد التعاوني الزراعي والجمعيات المنضوية تحت عضويته على مستوى الجمهورية سواء جاء ذلك من منتجين محليين أو مستوردين من الخارج.
وهذا متطلب لن يكون نافذا ما لم يكن كل المزارعين ومنتجي المدخلات الزراعية والتجار منضوين تحت راية الجمعيات الزراعية كي يتم التحكم بحركة السوق وضبطها داخل قاعدة بيانات موحدة تحدد أولويات زراعة المحاصيل حسب احتياجات المستهلك ومنع حدوث أي تلاعب بجودة المحاصيل أو دخول أي منتجات من الخارج وهناك إمكانية لزراعتها محليا، كما تضمن قاعدة البيانات الموحدة ضمان إمكانية تصريف أي فائض في منتجات المحاصيل عن متطلب الاستهلاك المحلي من خلال توفير سوق مع الخارج وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار في مسائل تبادل المنتجات بين اليمن وبلدان العالم.
وفي الجمعيات مميزات عديدة من أهمها أن تقوم بعمليات التنسيق بين المنتجات وإعادة توزيع تسويقها وفق احتياجات كل منطقة، فمثلا في تهامة ووادي مور يوجد موسم فائض في الأعلاف وفي المناطق الجبلية يوجد احتياج خانق في هذه المواد لقلة الرعي في أيام الشتاء وبواسطة الجمعيات يتم منع عمليات الاستغلال غير المبررة التي يقوم بها بعض منعدمي الضمير من السماسرة الذين يستغلون بورة الأعلاف في تهامة ووادي مور فيتلاعبون بأسعاره إلى درجة يضطر فيها المزارع هناك إلى بيع “المحزم” بخمسين ريالاً، وفي نفس الوقت يستغلون حاجة الجبلي للأعلاف فيبيعون له ذات “المحزم” بثمانمائة إلى ألف ريال.
وفي إطار الجمعيات يجب أن يتمكن الجانب الرسمي في اللجنة الزراعية أو الوزارة والهيئات والمؤسسات التابعة لهما ومؤسسة بنيان التنموية من توفير القروض البيضاء للمزارعين المعسرين بضمانة عضويتهم في الجمعيات الزراعية، وكذلك توفير معدات ومستلزمات العملية الزراعية بالتقسيط المريح والخالي من الربا والاستغلال الذي يتجرعه المعسرون مع التجار وبنوك التمويل الربوية.
كما يمكن للجمعية أن تربط بين أصحاب الخضروات والفواكه وأصحاب معامل التعليب والصناعات التحويلية وبين منتجي الحليب ومعامل التعليب والتجفيف وصناعة الجبن ومشتقات الحليب كالزبادي والحقين والسمن والزيوت.
ولدينا “الحازة” جاهزة لمراعي النحل وهناك من يمكنهم استثمارها في مجال رعي الماشية أو مجال تجميع وتجفيف أوراق الأعشاب الطبية والعطرية وبيعها لمصانع الأدوية والعطور ومستحضرات التجميل، بل هناك من يمكنه استثمارها في سوق التحطيب.
وفي كل الحالات، فإن “الحازة” ستكون معرَّضة للفناء فيما إذا لم يتم التدخل المبكر من قبل الجمعيات الزراعية وعمل قاعدة بيانات موحدة لهذه المهن وتعمل استراتيجية وطنية لحماية الحازة من الفوضى بحيث يتم تنظيم عملية الاستغلال وفق سياسات التعويض البيئي بما يتناسب ومعدل الاستهلاك.
ومن خلال الجمعيات الزراعية- أيضا- يمكن تنظيم عملية المراعي بين نحالي تهامة الذين يقدمون لنحلهم السكر وبين نحالي الجبل الذين لا يقدمون السكر لنحلهم ما يؤدي إلى موت نحل أصحاب الجبل لأنها غير متعودة على أكل السكر، بحيث تكون هناك أعراف ملزمة تضمن تنفيذ بنودها الجمعية بحيث تسمح لأصحاب النحل التهامي بأن يقدموا السكر، ولكن داخل الأجباح، وبالتالي ستتوفر ضمانات لإنتاج عسل مراع وعسل مخلوط، وكل منتج سيمكن بيعه بالثمن الذي يستحقه.
هذه بعض مميزات الانضمام في أطر الجمعيات الزراعية، وهناك الكثير من المميزات والتسهيلات التي بإمكان الجمعية توفيرها فيما إذا أحسن اختيار الهيئة الإدارية النشطة والفاعلة وهذا ما سيتم التركيز عليه، فالجمعية التي لن تكون فاعلة ونشطة سيتم التغيير الفوري لهيئتها حتى نحصل على الإدارة ذات الكفاءة الكافية لخدمة المزارع بالصورة المرضية.

إمكانات مكنوزة
وكيل محافظة حجة، رئيس اللجنة الزراعية في المحافظة إبراهيم عامر بدوره أكد في محاضرتين له ضمن ورشتي مديريتي خيران المحرق وقفل شمر على: ((أن في المشاركة المجتمعية ما يسر القلوب ويدخل إلى النفوس العزة والفخر بأن هذه العادات والأعراف القيمة يعاد إحياؤها من جديد في وجدان الشعب اليمني الذي عُرف بأصالته وامتازت هذه الأصالة بهذه الروح التكافلية، ما نراه اليوم في العانة أو الجايش شيء عظيم يبعث في النفوس الأمل بأن هذا الشعب لديه مدخر إمكانات مكنوزة في صدور الوديان والتهايم والجبال ما يؤكد أن دعوة السيد القائد إلى الثورة الزراعية لم تأت من فراغ، وإنما انطلقت من واقع معرفة أكيدة بأن هذا الشعب قادر على تفعيل المشاركة المجتمعية من خلال المبادرات الذاتية الساعية إلى إعادة الوجه الحضاري لهذا البلد الطيب والخيرة أرضه..
إن هذه المسيرة جاءت لإحياء الموروث الشعبي الأصيل في وجدان الشعب اليمني الذي فقد الكثير من القيم والأعراف والعادات والخصال الطيبة التي كانت تميزه عن غيره من شعوب العالم في مجال التكافل والتعاون المجتمعي، ولم يصدق الشعراء الذين حضروا في ذات مرة وهم يرون مبادرة الحراثة بالأثوار..
هذا الفريق بقيادة السيد إبراهيم المداني والمهندس محمد المداني تحملوا مشاق السفر، وحضروا إلينا كي يوصلوا إلينا رسالة من السيد القائد رضوان الله عليه مفادها دعوة خالصة كي نبي بلادنا ونستنهض قدراتنا في معركة المواجهة الحقيقية المعركة الاقتصادية معركة لقمة العيش التي لا تزال في يد الغير الذي يمكنه في أي لحظة أن يحظر دخولها إلينا ونصبح في ليلة وضحاها بلا غذاء، بلا دواء، بلا كساء، وهذا عار كبير إذا وقع علينا..
إن استقلال الشعوب بقراراتها وسيادتها على وجودها يتوقف على قدرة الشعوب على أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، ونحن وعلى مدار عقود سلَّمنا زمام هذا القرار للغير الذي تمكن من التحكم في قرارات سيادية لفترة من الزمن، ونحن الآن معنيون كأمة بأن نشحذ الهمم ونستجمع الإمكانات المتاحة وهي كثيرة ولكننا لا نراها، نستجمع قدراتنا ونوحد وجهتنا نحو إحداث ثورة تنموية شاملة تنتشل الأمة من الواقع المستهلك إلى واقع المنتج..
الحقيقة تقول صراحة إن الإنسان لا يمكن أن يضع حبه ومؤنته في متناول عدو يحاربه، ونحن للأسف الشديد نستورد قرابة 95 % من غذائنا من أيدي أعدائنا، وما يجب علينا هو أن ندرك أهمية أن يكون لنا من الإنتاج المحلي ما يكفينا من الغذاء خاصة ونحن الآن نمر بعدوان وحصار يأكل الأخضر واليابس ولا يتورع أن يتخذ ضدنا أي إجراء من شأنه تركعينا وإخضاعنا لإرادته الاستعمارية..
العدو يضخ إلينا سلال الغذاء والمعونات ليس من أجل خاطر أعيننا، وإنما لهدف مستقبلي هو أن نرقد وتسترخي أجسامنا وأفكارنا عن الزراعة وعن العمل، وعندما يصل إلى هدفه بالتأكيد أن ثمة غايات له سيكون حينها قادرا على تحقيقها..
أنتم اليوم يا أبناء حجة في القفل والمحرق ومستبأ بمبادرة إعادة تأهيل هذا الحاجز المائي أو بشق هذه القناة بالوسائل الممكنة بالأثوار والفؤوس غيرتم مفاهيم كثيرة، فصرتم بهذه المبادرة مدرسة لأولئك الذين جعلوا من انعدام مادة الديزل أو غياب الحراثة والشيول مبررا للاستسلام وإظهار العجز، أنتم اليوم تحيون قيم العانة والفزعة ونداء النكف، وأثبتم بالأفعال على الواقع لا بالأقوال أن الأمة قادرة بتضافر جهود أبنائها على أن تصنع ما لا تقدر عليه الدولة بما تمتلك من إمكانات..
هذه المبادرة لا شك أنها ستتحول إلى درس يعمم على كل مديريات الجمهورية، ومنطلق قوة تنكسر أمامه كل رهانات العدو في حصاره، هذه المبادرات تجعلنا نفتخر بأننا ننتسب إلى تاريخ عظيم، إلى أمة عظيمة ذات قوة وبأس شديد، هذا الداعي الذي استوجب أن يتعاون الناس جميعا معه كأنهم بنيان مرصوص هو ذاته الذي حقق الانتصار على العدو في جبهات العزة والكرامة رغم ما يمتلكه العدو من العدة والعتاد والعدد، لكنه لا يملك روح التضافر والتكاتف المجتمعية النابعة من حماسة الغيرة والحمية القبلية التي تستند إلى بركة العمل الجماعي..
هذا التنظيم عندما يتم تعميمه عند الفزعة إلى أي مشروع، مثلا عندنا مشاكل ما تقوم به السيول من جرف للأراضي الزراعية، إذا كلنا تعاونا وقمنا بعمل حملة شاملة لتركيب “جابيونات” على أطراف الوديان ومساقي السيول تمنع هذه الكارثة، بالتأكيد النجاح مضمون، وهذا ما لمسناه مع المبادرات العظيمة السابقة، وبالتالي سنكون قد صدينا بهذا الجيش الوطني ثغرة من ثغور الهلاك الزراعي الذي يقضي على الكثير من محاصيل مزارعي المنطقة أثناء موسم الأمطار، بالإضافة إلى أننا سنكون قادرين على إحياء هذه الروح التعاونية فينا، على أن نستفيد من هذه السيول ونحولها من تحديات وهلاك إلى فرص ووفره مائية عندما ننشئ حواجز وسدود لحصاد مياه الأمطار لنستفيد منها في مواسم الجدب والجفاف، وبدلا من أن كان السيل يحرمنا من حصاد واحد في العام بإمكاننا أن نجعل من السيل وسيلة إرواء لأكثر من حصاد..
ولا ننسى أن العمل الزراعي رأس ماله الحراثة الجيدة والعناية الممتازة بالأرض، قيل في المثل “زدني عملة أزيدك حملة”، “أين الغيل؟ قال في طرف الميقار”؛ كلما عاملت الأرض ارتوت، وكلما ارتوت زاد خيرها، الزراعة المتأنية وعلى أصولها تعطي خيرا كثيرا، أما أننا “نخربش” في سطح الأرض ونطالبها بخير وفير، فهذا ما هو سابر في أي عمل، فعلى قدر ما نعطي من جودة الحراثة نحصل على خير الأرض. ليس مهما أن نتمدد في مساحات زراعية، بل خير لنا أن نعطي الأرض قبالا ومن هو قادر على زراعتها بربع المحصول خير لنا من أن نزرعها بنظام الخربشة ولا نحصل منها على شيء سوى التعب..
المتخوفون من الجمعيات التعاونية أنها يمكن أن تصير مثل التجربة السابقة، عليهم أن يطمئنوا أن المسارات تغيرات، وأن الأمور لن تكون “سدح مدح”، الجمعيات في هذه المرحلة ستخضع لرقابة مشددة ومتابعة غير عادية، لا يتوقع أحد أن بإمكانه اليوم أن يتلاعب بمصالح الناس على الإطلاق، نحن اليوم أمام تحد يفرض علينا أن نكون جميعا في موقع المسؤولية، الجمعيات أمامها مهام كبيرة وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع..
رسالتي في الأخير لأصحاب القات والموز والمانجو، أعرف أن الناس يتخوفون من أن يجربوا البدائل، هناك بدائل كثيرة للقات وتدر عوائد ممكن أن تكون أكثر مما يعطيه القات أو الموز أو المانجو، ولكن في قلوبنا تخوف من المجهول وتمسك بالمعلوم، ولدينا عن المبررات الكثير من الأمثلة (عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة) و(جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه) و(قليل دائم ولا كثير منقطع)، والكثير من الحزاوي والحكايات المثبطة عن ريادة التغيير، لكن يا خبرة، نحن الآن نواجه عدواناً، ومن الممكن في أي وقت أن يغلق باب الاستيراد، وقتها هل يمكن أن يشبع الناس إذا أكلوا موزا أو قاتا أو مانجو أو بطاط أو طماطم أو بسباس، لا أعتقد أن هذا هو الخبر “ما هو سابر” ولا مقبول عند الأمعاء، المعدة ما تشبع إلا من الحبوب..
الحبوب لدينا فاتورة استيراد قيمتها تفوق 5 مليارات دولار سنويا، ما يقارب 3000 مليار يمني، كل هذه المبالغ يمكن عكسها نحو المزارع اليمني إذا ما قام وشمر السواعد وعمل على زراعة هذه المادة المهمة والرئيسية في القوت اليومي لكل إنسان، أليست هذه مبالغ مضمونة وجاهزة وبسهولة يمكن أن نغلق حنفية الاستيراد على التجار ونأمرهم أن يشتروا من المزارع اليمني بنفس السعر الذي يدفعونه للمزارع الأجنبي، ألستم كمزارعين أولى بهذه المبالغ من غيركم الأجنبي؟
وهناك الكثير من الفواتير التي يمكن عكس قيمتها من حساب المزارع الأجنبي لحسابات المزارعين اليمنيين، المطلوب فقط هو التوجه الجاد والعملي نحو الزراعة والعمل الجمعي وتشكيل الجمعيات الزراعية وتنظيم حركة العمل الزراعي في استراتيجية منظمة، وبذلك فإن كل ما يدفع الآن للمزارع الأجنبي سيعود إلى جيب المزارع اليمني..
من موقع المسؤولية نعرض عليكم أن تزرعوا الذرة الشامية بأي كمية، واستلموا قيمتها مقدما، ازرعوا أي كمية قمح واستلموا قيمتها مقدما، إذا ودكم “نتراقم” الكيس بعشرين ألف ريال، فنحن جاهزون، ودكم “نتراقم” معكم في أن نضمن لكم عوائد أفضل من زراعة الموز تراقمنا، ونحن جاهزون نبصم لكم على ما توردوا، فقط شمروا السواعد نحو زراعة القمح والذرة الشامية والحبوب بأشكالها المختلفة، الناس ما عزفوا عن شراء الحب اليمني إلا لأنه انعدم من السوق وغلا ثمنه، وحضر الحب الخارجي ورخص ثمنه..
الموز والمانجو يسيطران على الغيول ومجاري المياه وأثرا على احتياطي مخزون المياه في المنطقة، بينما يمكننا زراعة محاصيل أتل كلفة وجهداً وأفضل عائداً وفائدة غذائية، سمعنا آباءنا يقولون زمان “كنز الحب ولا كنز الذهب”. معروف لدى الجميع أن الماء الذي تستهلكه مزرعة موز صغيرة كاف لعشر مزارع قمح أو ذرة شامية، ولو حسبنا عائد محصول الموز بالمقابل مع عوائد القمح والذرة الشامية لوجدنا عوائد القمح والذرة أكثر بكثير، أما القات فحدث عنه ولا حرج..
ومع ذلك، يمكن للقات والموز أن يستمرا على حالهما، فقط نتوقف عن التوسع في زراعتهما في مقابل الاتجاه نحو زراعة الحبوب والمحاصيل الغذائية، ونعطيها شيئا من الاهتمام الذي نعطيه لهذه المحاصيل.. أرضنا واعدة بكل خير، وكنوزها تحتاج منا إلى تشمير السواعد وتنظيم المسارات ولن تخيب آمالنا في عطائها أبدا..
مزارعو القات والموز والمانجو معنيون بأن يزرعوا مثلها قمحاً وذرة شامية، والذي ما معه أرض نوفر له الأرض ونقرَّب منه الحراثة، والمرشدين الزراعيين ونعلمه كيف يزرع ويحصد ونسوِّق له منتجاته، هذا واجب وطني ولا يحتمل التأخير، الفزعة واجبة من كل قادر بل واجب، كل يمني أن يساهم بما يستطيع، لأن خيارنا في الثورة الزراعية هو أن نزرع أو نزرع)).

خطط استراتيجية
من جانبها أكدت السلطات المحلية في المديريات ممثلة بمدراء عموم المديريات ومشرفو المديريات ومكاتب الزراعة استمرار العمل في النهج الثوري في مجال استنهاض القدرات المجتمعية نحو إحداث ثورة زراعية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وقهر رهانات الأعداء على الحصار والتجويع، مشيرين إلى تجاوب منقطع النظير من قبل مواطني المديريات من خلال الإقبال المتزايد نحو استصلاح الأراضي والتوسع في زراعة الحبوب والمحاصيل الأخرى.
فرسان التنمية واللجان الزراعية في كلمة عن بيوت المبادرات قدموا شرحا تفصيليا عن ما قامت به بيوت المبادرة من إسهامات في رفع مستوى الوعي لدى المواطنين بأهمية الاتجاه نحو الزراعة، وكذلك توضيح أهمية إنشاء الجمعيات، والجهود التي كان من ثمارها إعلان عدد من جمعيات الحبوب في المديريات، كما أكد الفرسان واللجان الزراعية المضي على خطى توجيهات السيد القائد العلم السيد عبدالملك الحوثي واعتبار ما تلقوه من إيضاحات وبيان لهذه التوجهات من قبل الأخوة رئيس الزراعية العليا ووكيل المحافظة والمدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية خطوطا عريضة بإذن الله في طريقها إلى التحول على ارض الواقع إلى خطط استراتيجية.

قد يعجبك ايضا