الغرف بوادي حضرموت .. كنوز أثرية تعكس تاريخا عريقا

منطقة الغرف في حضرموت الوادي والصحراء موقع تاريخي هام جداٍ يمثل ثراءٍ كبيراٍ يضاف إلى سجل المحافظة بشكل خاص واليمن بشكل عام.
وحقيقةٍ, من يتجول في مناطق ومدن حضرموت الوادي والصحراء يدرك جيداٍ مدى الثراء التاريخي والحضاري لهذه البقعة الجغرافية من اليمن فهذه البقعة تحوي بين ثناياها حواضر تاريخية أدهشت المهتمين في كافة أنحاء العالم ففيها مدينة سجلت السبق العالمي في معانقة منازلها الطينية للسماء وناطحات السحاب في تناغم وتحدُ كبير.

إنها شبام حضرموت تلك المدينة الفاتنة التي صنفت بأنها أول مدينة بنيت فيها ناطحات السحاب بل ومن ضمن أسمائها «ناطحة السحاب» وفي حضرموت الوادي والصحراء توجد مدينة أخرى اشتهرت بقصورها الطينية الفاخرة والضخمة ذات المعمار والزخارف البديعة مدينة علم وعلماء لا تزال شامخة ولا يزال علماؤها يروون بعلمهم عقول وأفئدة المتعطشين ليس في اليمن وحسب بل وفي دول إسلامية عديدة وهي على هذه الحالة منذ قرون من الزمن وإلى علمائها ينسب الفضل في نشر الإسلام في أفريقيا ودول البلقان وشرق آسيا وغيرها إنها مدينة تريم التي احتفلت في العام 2009م بتتويجها عاصمة للثقافة الإسلامية.
وثالث هذه المدن في حضرموت الوادي والصحراء مدينة سيئون بقصرها الشهير والضخم ومدن أخرى لا يتسع المجال لذكرها, مثل الهجرين التي كانت الاستعدادات تجرى لطلب دخولها في قائمة التراث العالمي حسب ما قال رئيس هيئة الحفاظ على المدن التاريخية السابق الدكتور عبداللِه زيد عيسى.
وبين هذه المدن الحضارية ذات التاريخ العريق توجد مناطق وقرى ومواقع أثرية تدل مآثرها وبقاياها على عظمة تاريخ هذه المنطقة وثرائها الحضاري ولعل أبرز تلك المواقع التي برزت مؤخراٍ منطقة «الغرف» الواقعة بين مدينتي سيئون وتريم حيث تبعد حوالي (17) كيلو متراٍ من مدينة سيئون وفيها تمت العديد من التنقيبات الأثرية والمسوحات التي أظهرت العديد من الاكتشافات الأثرية التي تدل على مكانة هذه المنطقة تاريخياٍ فقد تم اكتشاف بقايا سور قديم وبقايا مبانُ مدفونة في أعلى هضبة ويعتقد أن هذه الهضبة كانت عبارة عن حصن منيع كما تم العثور على مجموعة من القطع الأثرية الهامة والنادرة وأيضاٍ عدد من اللقى والأواني الفخارية المنقوشة.
ووفقاٍ للتنقيبات الأثرية التي نفذت في الغرف ولثلاثة مواسم فإن منطقة «الغرف» يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي حيث تم العثور على الكثير من الأواني والأشكال الفخارية التي تعود للقرن الأول الميلادي وهذه الأشكال والقطع تشبه إلى حد كبير أشكالاٍ وقطعاٍ تم اكتشافها في مواقع تاريخية أخرى في اليمن كذلك تم اكتشاف أشكال يعتقد أنها كانت قطعاٍ للزينة والتجميل للمباني «ديكور وبلاطات» كما تم التعرف على نمط وطريقة البناء بطريقة القوالب المرافقة للخشب وهي طريقة كانت سائدة في القرن الأول.
وأوضحت التنقيبات الأثرية أو بمعنى أصح المسوحات الأثرية أن أعمال المسح دائماٍ ما كانت لا تكتمل بسبب قلة الإمكانيات المتاحة التي تضمن استمرار العمل حتى نهايته وبالتالي الوصول إلى نتائج نهائية ولو كانت تمت هذه المسوحات أو التنقيبات إلى نهايتها لكان تم اكتشاف المزيد من المعلومات المثيرة عن هذه المواقع قد تساهم في الكشف عن معلومات تضيف المزيد من المكانة لتاريخ اليمن بشكل عام وتعطي للباحثين دلالات هم بحاجة إليها.
وكما سبق فقد تم التنقيب والمسح لهذا الموقع ثلاث مرات الأولى كانت في العام 1981م والثانية في العام 2006م أما الثالثة فكانت في العام 2007م ولم تستمر أعمال المسح منذ ذلك الحين الأمر الذي يمثل خطورة على الموقع ويجعله عرضة للتخريب أو العبث بفعل عوامل طبيعية مثل الأمطار وغيرها فقد كان الموقع مدفوناٍ في معظمه وبالتالي كان في مأمن وها هو الآن مكشوف ومعرض لعوامل الطبيعة وتغيراتها وأيضاٍ يكون الموقع عرضة لعبث العابثين والباحثين عن كنوز التاريخ, وبالتالي يعمدون إلى نبش ما لم يتم نبشه ويدمرون ما يصادفهم وبحسب المصادر التاريخية والأثرية فقد حدث التنقيب الأثري لهذه المنطقة في وقت مبكر وتحديداٍ في العالم 1973م من قبل البعثة الأثرية القادمة من العراق آنذاك والتي زارت العديد من المناطق كانت الغرف من بينها وما يدعو إلى الأسف أن النتائج التي خرجت بها البعثة العراقية لم تعط معلومات كافية أو ربما أنها أعطت نتائج أولية ولم تتم متابعة الحصول على النتائج النهائية من هذه البعثة أيضاٍ كل الوثائق التي خرج بها المسح الأول في العام 1981م فقدت ولا يْعرف عنها شيء باستثناء القليل من المعلومات التي لا يزال فرع هيئة الآثار بالوادي والصحراء يحتفظ بها, وتبقى هذه الوثائق المفقودة هامة كونها أول مسح أثري يتم لهذه المنطقة بأسلوب أثري حديث.
منطقة الغرف في وادي حضرموت لا تزال مليئة بالكثير من الأسرار والخفايا التاريخية التي لا تزال تنتظر من يكتشفها ومع هذا وبموجب المعلومات والاكتشافات التي أظهرتها المسوحات الأثرية فإن هذا الموقع يمثل إضافة هامة تدلل على الأهمية التاريخية لمنطقة وادي حضرموت ناهيك عن التقارب بين الغرف ومدن حضارية تمثل أبرز معالم وادي حضرموت التاريخية بل واليمن بشكل عام «شبام حضرموت سيئون تريم» وهذه المناطق والمدن التاريخية تمثل جميعها أبرز المزارات السياحية التي تحتويها برامج السياحة للوافدين إلى اليمن قبل أن تصاب حركة السياحة بشلل تام خلال السنوات القليلة القادمة لكن هذا الشلل لن يستمر طويلاٍ ولا بد أن تعود السياحة القادمة من خارج الحدود إلى اليمن وبشكل أفضل مما كانت عليه قبل الأحداث والمتغيرات الأخيرة في اليمن حسب ما يقوله الكثير من المعنيين والمهتمين بالشأن السياحي وكما كان لمناطق وادي حضرموت نصيب الأسد من حركة القدوم السياحي في سنوات ما قبل الركود سيكون لها نصيب الأسد من حركة الازدهار القادمة للسياحة اليمنية ومن هنا ستعمل «الغرف» إلى جانب شقيقاتها شبام حضرموت وتريم وسيئون وغيرها من المناطق التاريخية والأثرية في الوادي على المساهمة في هذا النشاط وسيكون للغرف خصوصية كونها تاريخية وأيضاٍ بحكم قربها من المدن الثلاث التاريخية الأكثر جذباٍ للسياحة ولكن عملية إكمال أعمال التنقيبات والمسوحات تمثل أهمية سواءٍ للكشف عن المزيد من خفايا وأسرار هذا الموقع أو في الحفاظ عليه وإبراز ملامحه المتكاملة.

قد يعجبك ايضا