المخلاف مؤهل لاحتلال مكانة اقتصادية مرموقة بأراضيه الغنية بمقومات النهوض الزراعي
نظمت مؤسسة بنيان التنموية بالشراكة مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا والسلطات المحلية في محافظات: المحويت وحجة والحديدة وريمة، زيارة توعوية وتفقدية إلى 16 مديرية تم اختيارها مديريات نموذجية ضمن 50 مديرية على مستوى الجمهورية.
إيضاح الخطوط العريضة في موجهات القيادة الثورية المباركة والسياسية العليا نحو إحداث ثورة زراعية تنموية على نطاق واسع من المشاركة المجتمعية مثلت أولويات أهداف الزيارة التي تتخذ من ايحاءات الدروس الرمضانية للسيد العلم عبدالملك الحوثي -رضوان الله- عليه مسارا ومنهجا يهتدى به في تبديد ظلمات ما أوغرته العقود الماضية من المفاهيم المغلوطة والعقائد الفاسدة في المجتمع الريفي سواء عبر الإهمال والفساد الداخلي أو بسياسات التدمير الممنهج عبر المنظمات العاملة تحت ما يسمى بالعمل الإنساني.. “الثورة” شاركت في الفريق الإعلامي للزيارة، ومن عمق الحدث تسرد الحكاية الكاملة للرحلة خطوة بخطوة، فإلى التفاصيل:
الثورة / يحيى الربيعي
في صباح اليوم الثاني 19مايو 2021م، مررنا بالوادي المؤدي إلى الخميس، وفي منتصف الطريق تحولت الوجهة يسارا، لقد دخلنا وادياً فسيحاً يقع بين منطقتين جبليتين تكسوهما خضرة دائمة من أشجار الضهي والضبة والسمر والسلام والسدر والكثير من النباتات العطرية والأعشاب والحشائش، كلها مراع إما لنحل أو أغنام وإبل وبقر وضأن.. الناس هنا يعيشون على قمم التباب وعلى جوانب الجبال في بيوت بدائية إما من الأحجار أو السعف والأعواد، ويندر أن تجد بيتين متجاورين هنا أو هناك.. كل البيوت يبعد بعضها عن البعض الآخر بمسافات.
في وسط الوادي تمر طريق السيارة في ذات مجرى السيل الذي يحيط به من الجانبين أشجار الطنب والسدر الكبير وأخرى لا أعرف أسماءها.. أشجار شاهقة وفيما بينها تنبت أنواعا من النبات المتسلقة والحشائش وأشجار الذرة الكاذبة.
قبل أن أدخل ذلك الوادي، كان في مخيلتي أن مخلاف سارع محصور على ذلك الوادي الذي يقع في وسطه سوق الجمعة وفي جنباته مجموعة من القرى، لكن الحقيقة على الواقع اختلفت تماما، فسارع أرض جبال ووديان مترامية الأطراف ومتعددة المناخات، وما سنزوره اليوم هو الجزء اليسير من هذا المخلاف الكبير الذي يحتوي على أكثر من 4 عزل وينقسم إداريا على مديريتي جبل المحويت في عزلتي الأهوار والمجاديل مقصد زيارتنا، وحوالي عزلتين أو ثلاث تتبع مديرية بني سعد.
أخذ الموكب في السير وسط الوادي عند تمام الساعة الـ 7 صباحا بسرعة تفوق المائة كيلو في الساعة، والأعين شاخصة إلى ما تحمله جنبات الجبال المحيطة بالوادي من مظاهر الحياة من تربة وخضرة وماء ومساكن ومناحل ومراع للمواشي ومزارع، لم تخب النظرات في التقاط العديد من عوامل النجاح والإخفاق بشأن طريقة معيشة سكان هذا الوادي مترامى الأطراف على الهضاب وصدور الجبال المحيطة وحركتهم الدؤوبة في الوادي مشيا على الأقدام أو على ظهور الحمير والجمال أو السيارات يحملون الماء من موارد بعيدة تتواجد في الوادي ليصعدوا بها على ظهور الحمير إلى منازلهم في صدور أو قمم الجبال أو التباب.
ما يلفت النظر إليه ويدعو إلى التساؤل أن أغلب المناحل التي كانت متناثرة على صدور الجبال هنا وهناك محمية بخيام عدا النادر منها، ما يعني أن أهل المنطقة لا يهتمون كثيرا بتربية النحل وأن المراعي يستثمرها مهاجرون من مناطق أخرى، كما تلاحظ أن مظاهر الحياة ليست معتمدة كثيرا على الزراعة ولا الرعي رغم توافر مقوماتهما في المنطقة بشكل ملحوظ، رغم ذلك فإن أكثر ذكور هذا الوادي مهاجرون إما إلى السعودية أو صنعاء والمدن الحضرية الأخرى، ومن تبقى منهم في الوادي يعتمدون على ما تجود به المنظمات من إعانات مالية وسلال غذائية.
انتهى بنا السير عند الساعة الـ 9 صباحا إلى مفرق صعود جبلي نحو العزلتين مقصدنا من الزيارة، هناك نكتشف أن إطار السيارة التي تقل طاقم قناة المسيرة قد تسرب منه الهواء، تم معالجة الإشكالية مؤقتا بمولد الهواء السفري، وصعدنا على الفور طريقاً متوسط الوعورة، شديد المنحنيات وكثير الملفات، وخلال الصعود لم يتوقف النظر عن ملاحظة جنبات الطريق على مد البصر، وأنت ترى قرى صغيرة متناثرة على صدور الجبال، ومدرجات أكثرها مهمل، والنادر منها محروث، حركة الناس ضعيفة جدا، فنادرا ما ترى من يرعى أغناماً، أو إبلا.. وهكذا كلما صعدنا إلى الأعلى كلما بدت الحركة ومظاهر الحياة في الضعف في مكان والظهور في آخر.
وصلنا قمة الجبل لنطل على قاع مترامي الأطراف في اتجاهات ثلاثة، وعند المفرق سار الموكب إلى اليسار نحو مركز عزلة المجاديل، وبنفس نمط حركة ومظاهر الحياة مع زيادة أننا الآن نسير في وسط قاع متنوع التضاريس بين التباب والأراضي الزراعية الخصبة ما بين تلك التباب الصغيرة، وفي الجوانب الثلاثة البعيدة ترسو جبال ترابية كبيرة كلها مكسوة بأشجار السمر والسلام والضهية والضبة وقليل من السدر ونبات الرعي.
في اتجاه الشمال
ما شد الانتباه هو انتشار الآبار المكشوفة في أراض زراعية.. لم تكن الفرصة سانحة للتوقف ولا أحد يمكن أن نسأله، فالأجواء خالية من الحركة البشرية إلا من بعض النساء اللاتي يعملن في رعي الأغنام والضأن أو بعض الدراجات النارية التي تمر بجوارنا مسرعة.. للأسف، ليس ثمة نشاط زراعي في القاع إلا في النادر الذي لا حكم له، لماذا؟
يجيب علينا أحد المواطنين الذي التقيناه بالصدفة على طريق العودة فنزل من على دراجته النارية عندما رأى الوفد يستطلع إحدى الآبار، ليجيب على مجموعة من الأسئلة التي طرحها رئيس الزراعية العليا عن عمق البئر؟ وعلى كم متر توجد المياه؟ بأن المياه تظهر في بعض الأماكن على عمق 8 أمتار، وفي البعض الآخر على عمق 15 مترا في الأقصى.
وعن أسباب اختفاء مظاهر الزراعة رغم أننا نقف على أرض قاع مترامي الأطراف وكل أراضيه زراعية 100%، أجاب ذلك المواطن قائلا بالنص، كما جاء على لسانه، وبلا تعليق “الأراضي قد هي صالبة، نشتي شيول لتوصيل الطرق، وبعد ذلك نؤهلها من جديد ونبنيها.. هذه أماكن بعيدة عن الماء، لا يوجد ما يزرعون، والأماكن التي يوجد فيها الماء ما يستغرقوا إلا حاجة بسيطة جدا، حتى في الوديان لا يوجد استغلال للموارد المائية، نجد الماء في الوادي يجري في السائلة، وكل الأراضي من حولها صالبة.. هذا هو الحال هنا أو في الوادي، حتى وادي لاعة، كل الأودية هكذا، على العكس من ذلك تجد السكان في المناطق الجبلية لا يزالون يحافظون على الزراعة رغم أنهم معتمدون على مواسم الأمطار”.
ويتساءل مع نفسه: ما هو السبب الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟ ليجيب هو: السيل يأتي إلى الوديان يشل جداول الماء والسواقي حق الماء، وذاك البدوي ما يقدر يسوي شيء، يقف عاجزاً، مفيش معه إمكانية، ولا معه شيء، ولا معين له.. مرة بعد مرة وصل الكثيرون إلى قناعة.. يقل لك: أرسل ابني يرعى في السعودية ولو تهريب وإلا يسرح يغترب بفيزه ولا التعب بلاش في زراعة يشلها السيل أو تجي تاكلها الرباح (القرود)” انتهي كلام المواطن.
أحد أعضاء الفريق علَّق: لماذا أبناء المنطقة لا يشكلون جمعية زراعية تعاونية متعددة الأغراض تنظم لهم عملية الاقتراض بدون أرباح، وتضع لهم خططاً لمواجهة كوارث السيول، وأخرى لتحسين الزراعة واستغلال مصادر المياه بطرق ري حديثة واقتصادية، وتعمل على نشر الوعي بالأساليب الحديثة في الزراعة والتقليل من كلفة الإنتاج، وكيفية تربية المواشي وتسمينها، وكذلك تعلمهم أساليب تربية الدجاج البلدي؟!
المواطن يرد: لن تنجح الجمعية إلا إذا كان هناك نموذج صادق يعمل على كسب ثقة الناس، ويحدث عملية تنافس حقيقية، هنا ستنجح الجمعية.. مكتفيا بالإشارة إلى أن مقر الجمعية التعاونية لمنتجي الحبوب يقع في مجمع المديرية، ثم شغل دراجته النارية وانطلق.
استمر سيرنا نحو المجاديل في اتجاه الشمال، وبدأت مظاهر الحياة القروية تظهر على هيئة تجمعات تزيد في عدد البيوت من قرية إلى أخرى كلما اتجهنا شمالا.. وصلنا منعطفاً يشرف على واد عميق كثيف بأشجاره كالغابة يقع بين جبلين شاهقين سندخل من صدر أحدهما.
مشينا على ضفة الوادي الذي يتراجع عمقه كلما اتجهنا شمالا حتى وصلنا إلى مضيق في مستوى يرتفع قليلا عن مستوى القاع الذي جئنا منه، وهنا وجدنا تجمعا كبيرا من المواطنين احتشدوا للمشاركة في مبادرة رص طريق يربط قرى عزلة المجاديل بمركز محافظة المحويت بطول حوالي 20 كيلو متراً.. وهو طريق جبلي وعر بصعود مخيف شاهق.
استقبل المواطنون الفريق بحفاوة اليمني المعروف بأصالته في استقبال ضيوفه، وهناك اطلع الفريق على عظمة الإنسان اليمني في مواجهة التحديات وقهر الصعوبات، فهؤلاء الرجال أنجزوا بأدوات بدائية تقليدية وبجهود عضلية وإمكانات ذاتية مشروعا عظيما يحتاج تنفيذه إلى معدات كبيرة من بكلينات وشيولات، وتقدر كلفته بقرابة مائة مليون ريال بمبادرة مجتمعية خالصة.
امتنان وانبهار
هنا تجسدت معاني ودلالات المثل الشعبي “غرامة ولا ملك”، “ما شلته اكتاف الرجال خف”.. هنا رأينا قوة وصلابة إرادة الإنسان اليمني في القدرة على تحويل التحديات إلى فرص.
لم يسع رئيس الزراعية العليا إبراهيم المداني ورفيقه المدير التنفيذي/ بنيان المهندس محمد المداني إلا أن يعبرا عن بالغ الامتنان والابنهار بهذا الإنجاز العظيم، مشيدين بالجهود الجبارة التي بذلها المبادرون في إنجاز هذا الشريان المهم الذي سيربط قرى عزلة المجاديل بمركز مدينة المحويت، والذي من شأنه التخفيف من عناء السفر عبر طريقي الخميس أو الخبت.
وخلال اللقاء الذي جمع الفريق بأعضاء السلطة المحلية وفرسان التنمية واللجان الزراعية نقل رئيس الزراعية العليا تحيات القائد العلم السيد عبدالملك الحوثي إلى مواطني مخلاف سارع، مشيرا إلى الاهتمام الذي توليه القيادة الحكيمة بالمخلاف، واستمع إلى شروح عن خطوات إنجاز المشروع من قبل فرسان التنمية والسلطة المحلية.
وقال المدير التنفيذي/ بينان المهندس محمد المداني “في الوقت الذي الناس فيه نائمون أنتم يا أبناء مجاديل سارع تشقون الجبل وترصون طريقا بسواعدكم السمراء وبإمكاناتكم البسيطة، أنتم الآن تصنعون المستحيل، تحية لفرسان التنمية واللجان الزراعية ومدير المديرية والمشرف وكل مشائخ وأعيان هذه العزلة المبادرة، تحية للجميع على هذا الإنجاز وغيره من المبادرات التي تشهد على عطاءات هذا المجتمع العظيم والمقدام الذي يقف في الصفوف الأولى في جبهات العزة والكرامة، وهو اليوم في ميدان التنمية رائد عملاق في جهده وعطائه، فخورون أننا اليوم نشارككم هذه النجاحات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على قوة الإرادة في قهر الصعوبات وتحويل التحديات إلى فرص”.
أعضاء السلطة المحلية وفرسان التنمية في العزلة عقبوا على ذلك الثناء بكلمات أكدت في مجملها أن ما ينقص المخلاف هو توفر الوعي، ذلك أن مخلاف سارع مؤهل لأن يحتل مكانة اقتصادية مرموقة كونه منطقة غنية بالموارد الطبيعية من الماء والتربة والثروة البشرية، مؤكدين أن المخلاف مؤهل أيضا لأن يكون منطقة زراعية منافسة بمنتجاتها، بالإضافة إلى ما يمتلكه المخلاف من ثروة معدنية وحمامات الاستجمام الطبيعية في وادي سردود، مشيرين إلى أن المخلاف لديه عوامل نهوض غير عادية، وكل ما ينقص أهل سارع هو الوعي بكيفية استغلال هذه الموارد، وأنه بمساعدة اللجنة الفنية في مؤسسة بنيان التنموية وبما يتلقاه الفرسان من تدريب وتأهيل على كيفية تحريك المجتمع واستنهاض الهمم وبناء الإرادة في النفوس نحو التغيير لا شك سنصل إلى الهدف المنشود.
وادي الأهوار
عقب المشاركة عاد الفريق إلى مفرق “الأحد” ومنه واصل المسير نحو عزلة وادي الأهوار جنوبا.
لا يتسع المجال لبيان تفاصيل ما رأته العين من كنوز القيعان الخصبة ووديان المياه العذبة، ولا وصف ما تتمتع به هذه العزلة من تعدد التضاريس والمناخات الصالحة لزراعة أنواع من المحاصيل الزراعية وتربية وتسمين الماشية، فضلا عن تربية النحل كون سارع تعد من أغنى مناطق الأحواز؛ مناطق المناحل الدائمة في اليمن.
ساعتان من السير على الطريق بسرعة 100 كيلو في الساعة والمشاهد الخلابة لا تتوقف عن يمين ولا عن يسار، لكن ما يؤسف له أن كل هذه الكنوز من الأرض يقطنها أناس فقراء يرثى لحالهم إلا اليسير ممن رأيناهم يعملون على حراثة الأرض أو في رعي الأغنام والأبقار والإبل أو في النحالة.
مؤسف ذلك جدا، لقد رأيت بعيني مصداق القول بأن إنسان هذا المخلاف لا يقدر عظمة ما تحت قدميه من الكنوز والدرر التي لا تحتاج منه إلا القليل من الاهتمام كي تعطيه الكثير ويصير وضعه أفضل مما هو عليه من العوز والفاقة.
على أي حال، وصلنا المكان المراد التوقف عنده على مجرى من وادي الأهوار عند الساعة 2.30 عصرا، على الفور كان الفريق اللوجستي قد سبقنا إلى المكان بقيادة العم محمد الغرباني والشاب الخلوق مصطفى المداني والطباخ الطيب صدام الريمي، وعلى الفور تناول الفريق وجبة الغذاء، ثم أدينا الصلاة، لننتقل إلى مكان في ذات الوادي أعد للقاء.
وفي ورشة مفتوحة عقدت بمقيل على شاطئ وادي الأهوار أمام مجرى السيل ناقش الفريق مع أعضاء السلطة المحلية في المديرية وفرسان التنمية واللجان الزراعية بالعزلة وحضور كثيف لأعيان ووجهاء المنطقة عدداً من معوقات النهوض الزراعي في العزلة خاصة وعلى مستوى المخلاف بصورة عامة، وقد خلص الحضور إلى أن أكبر المعوقات التي تواجه النهوض الزراعي في المخلاف تكمن في وعورة الطرق الموجودة وانعدامها في أكثر مناطق المخلاف، ومشكلة التسويق، والهجرة الداخلية والخارجية لشباب المخلاف.
فاجعة مؤلمة
في الختام ألقى رئيس الزراعية العليا إبراهيم المداني كلمة قال فيها “إلى متى سنظل نعتمد على الخارج في لقمة عيشنا؟ خير الله كثير، الآباء هنا يعرفون كيف كان الأجداد يتوكلون على الله، وحتى لو ما جاءهم مطر، كانوا يخرجون للاستقساء ويسوقون أمامهم هدياً يذبحونه ويقسّمون لحمه على الفقراء والمساكين وما يعودوا إلا بين المطر، هذا كلام مشهود في تاريخ اليمن..
ويواصل : إنها فاجعة مؤلمة أن نرى مخلاف سارع في بعد وخصام عن زراعة الأرض، رغم أن عوامل النهوض الزراعي من الماء والتربة والرجال متوافرة هنا بشكل كبير، ما ينقص سارع هو تشمير السواعد ومباشرة حرث هذه الجرب والقيعان وضفاف الأودية والمدرجات، ما هو المطلوب فعله أكثر مما كان آباؤنا والأجداد يفعلونه، كانوا يصفون التربة، ويذبلوها، ويحرثوها.
اليوم الجيل الجديد، يريد الأرض أن تكون مثل الجنة تؤتي أكلها من ذات نفسها، هكذا من دون أن يبذل أي جهد، لا حراثة، ولا صيب، ويريد منها حباً وإلا فإنها كسولة.. لا، والله ما هي كسولة، ولكننا نحن المهملون.. الأرض تريد اهتماما من الجميع وتحركاً من الجميع، ما تريد دعاية وإعلاناً فقط، الأرض واعدة بالخير، ومواسم الأمطار قادمة بإذن الله..
نتساءل: ما لكم يا رجال، أرضكم صالبة، وهذه الأنهار تجري من تحتها، تقولون: ليس لدينا طاقة شمسية.. طيب، وهذا المعراج؟ قالوا: مفجور، ما لكم يا كبار القوم ما ترشدوا الشباب إلى كيف يعالجون مثل هذه الإشكاليات البسيطة؟ اجابوا: عيالنا مخزنين، مكيفين ما هم في وادي الزراعة!
مشيراً إلى أن المزارع بالأمس كان يشبع أهله، ويشبع جيرانه، ويشبع كل من قصده، ويملأ المدفن، لسنة والبعض يمليه لسنين قادمة، اليوم، نحن لا نملك شيئاً من ذلك الخير، ومن ذلك الوعي ولا من تلك الحمية، لماذا؟ هل الله سبحانه وتعالى منع عنا عطاءه أم نحن تغيرت طباعنا، أكيد، نحن من تغيرنا، وليس الله، حاشاه سبحانه الذي لن يغير على قوم نعمة أنعمها عليهم حتى يغيروا هم ما في أنفسهم.. سننه سبحانه وتعالى ثابتة ما تتغير، نحن من نتغير..
ويضيف: هناك من يقول إن المطر قل، لأن الطبيعة تغيرت، تغير المناخ، الأرض فقرت؛ فقدت بركتها، حتى إذا ما سألت مزارع اليوم: مالك تركت جربتك، أجاب: والله ما عاد به بركة، ويحلف يمين.. أكيد، وعي هذا القائل قاصر، الحقيقة أن البركة لم تعد فينا نحن، وليس في الأرض، وإلا كيف يعقل أن هنا من يريد طاقة شمسية، والمعراج موجود أمامه.
وأكد: نحن اليوم في ثورة، وبهذه الثورة نريد تغييراً بالموجود، من الحاصل، من الممكن والمتاح، لا داعي للبحث عن العناقيد الحامضة، لا يأتي من يقول يريد أن يحفر بئراً ارتوازية، وهو على غيل جار، ولا يقل لنا يريد يزرع في الجوف، وهو ما زرع جربته أمام بيته.. يا أخي: اسق من الغيل الذي جنبك، اشترك مع جارك في بئره وتساعدا على تكاليف الديزل، واستخدم حراثته وشاركه في إصلاحها وصيانتها، وإذا لم توجد لديكم سجل في وحدة الحرثة المجتمعية.
ونوه: نسمع شكوى الكثير من المزارعين عن ضعف التسويق، وصعوبة النقل، وخلافه من المبررات، مع أن المشكلة بسيطة ولو بحثناها بقليل من التأمل سنجد أن الناس كلهم يقومون يزرعون طماط، أو خضروات، والكل يريد يسوق منتجاته في نفس الوقت.. لن نناقش هذه السالفة كثيراً، فقط، لدي سوق مفتوح، وبقيمة مدفوعة ومضمونة.. ازرعوا قمحاً، حبوباً بأنواعها ونحن في اللجنة الزراعية مستعدون للشراء منكم مباشرة، وإلزام مستوردي القمح بأن يشتروا منتجاتكم بنفس سعر ما يدفعون للخارج.. ولدينا أيضا زراعة تعاقدية، نلزم التاجر بأن يتعاقد معكم على زراعة كمية معينة من القمح، ونلزمه أيضا بأن يقدم لكم العون في المدخلات.. فهيا إلى العمل.
وقال: أما إذا استمرينا في الاعتماد على المنظمات والدعم الذي يأتينا من الغير، أو تبقى لقمة عيشنا من الغير، فإن هذا الغير يقدر يغلق علينا الاستيراد في أي لحظة، لا بد من رفع الهمم من قبل الجميع.؛ سلطة محلية، فرسان تنمية، لجان زراعية، وجهاء وأعيان، مواطنين.. يا ناس، أقلها كانت احتياجات الأسرة اليمنية من أرضها.. حليبها وسمنها من بقرتها.. وبيضها من دجاجها، وخضرتها من حوشها.
واختتم: أنتم في وادي هوار، لما تحصلوا على الخضرة، هل تزرعونها على هذه المياه أم أنكم تشترونها من السوق.. طبعا، حسب ما جاء في النقاش الآن، من السوق؟ بالله عليكم، ما هنا فضيحة أعظم من هذه؟ إنها فضيحة كبيرة أن تكون حاجاتنا كلها من السوق، حتى الحليب والزبادي.. أعتقد أننا سنكتفي بالتوقف عند هذا في هذه الزيارة، وإن شاء الله نزوركم مرة أخرى وقد تغيرت الكثير من المفاهيم المثبطة، وقد وجدت العزائم الفاعلة والعاملة والبحث عن الحلول، وقد تم القضاء على مفاهيم العجز والتواكل”.
فاصل
على إثر ذلك، أقفل محضر اليوم الثاني، وانطلق الفريق من فوره نحو هدف تنموي توعوي جديد مع منطقة أخرى، كانت الوجهة حينها محصورة على القيادة والدليل من المخلاف، وفي طريق العودة وصلنا مرة أخرى مفرق “الأحد”، ومن هناك توقفت الرؤية، فالغدرة اطبقت ستارها، والوجهة كانت في علم القيادة، انطلقت سيارات الفريق في اتجاه مجهول عبر طريق وعرة وبسرعة فاقت المائة، طال أمد الوصول إلى السجادة السوداء إن لم يكن اليأس قد دب في قلوب البعض من أعضاء الفريق، على حين غفلة لم نلتفت إلا ونحن أمام ساحة مسجد في قلب مديرية الخبت حيث كان المبيت، وذلك عند الساعة الـ 11 ليلا.
دور بارز ومشكور
مدير عام مكتب الزراعة والري في المحويت محمد الجرادي، ومدير عام مديرية جبل المحويت خماش حبيش كان لهما الدور البارز والمشكور في مرافقة الفريق والمشاركة الفاعلة عن الجانب الرسمي في لقاء المجاديل وورشة الاهوار.
المقلب لوث المياه
يطالب أهالي عزلة المجاديل بمخلاف سارع السلطة المحلية في محافظة المحويت بأن تعمل على نقل مقلب القمامة التابع لمديرية المدينة ويدبروا له مقلباً بعيداً، فقد لوث المزارع، والناس بطلوا يزرعوا، ولوث المياه إلى درجة أن الماشية تشرب منه ويحصل لها انتفاخ وتموت، والناس الذين يغتسلون منه يصابون بحكة، مؤكدين أنهم قدموا الكثير من الأوراق والشكاوى، وأن لهم 15عاما على هذه الحال “نتابع إزالة هذا المقلب.. تكلمنا كثيرا: الماء تلوث، وفي الحاجز الماء أصبح لونه أسود، الشجر والدواب والناس تأثروا، لم نعد قادرين حتى على زراعة الخضروات.. ما هو الحل، أسعفونا به ينالكم ثواب من الله؟”.
* لقاؤنا يتجدد مع “الحازة ومراعي النحل” غربي الخبت