مشروعا الشرق الأوسط الكبير، وصفقة القرن، مشروعان استعماريان يستهدفان المنطقة العربية ودول غرب آسيا . كلا المشروعين يجري التخطيط له وتنفيذه منذ عقود، والمستفيد الأول من هذين المشروعين هما دولة الكيان الإسرائيلي، الكيان الذي لا زالت الشعوب العربية والإسلامية تنظر إليه كجسم غريب في قلب المنطقة، ولم تفلح موجات التطبيع مع العديد من الأنظمة الحاكمة في المنطقة في تغيير نظرة الشعوب لهذا الكيان.
وقد كان قادة المشروع الصهيوني يستشعرون هذه المشكلة كعقبة في طريق مشروعهم، لذلك وضعوا المخططات لتذليل هذه العقبات منذ وقت مبكر، وكان مشروع الشرق الأوسط الكبير، هو المخطط المثالي والوصفة الناجعة من وجهة نظرهم والذي بواسطته سيندمج كيانهم الغاصب بين دول المنطقة وستعمل شبكة من المصالح الاقتصادية على إدماج اليهود، شعب دولة الاحتلال بين شعوب المنطقة.
مصطلح ” الشرق الأوسط ” برز مع ظهور الصـهيونية كحركـة سياسـية عالمية منظمة، ويشمل منطقة تشكل امتـداداً للشـرقين الأدنـى والأقصى، وهي أغنى المناطق في العـالم بـالنفط والمعـادن، وتتمتع بمركز استراتيجي هام بين القارات الثلاث أوروبا وآسـيا وإفريقيا، وتشمل بلدان شبه الجزيرة العربية والعراق وإيـران وأفغانستان، وعرّفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1989 بأنه المنطقة الممتدة من ليبيا غرباً إلى إيران شـرقاً، ومـن سـورية شمالاً إلى اليمن جنوباً.
لا يهدف الصهاينة من هذا المشروع إلى مجرد اندماجهم ضمن شعوب المنطقة فحسب، بل يطمحون إلى الاضطلاع بدور قيادي ومهيمن في المنطقة .
وفي هذا السياق، كتب تيودور هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية العالمية عام 1897، أي قبل إعلان دولة الكيان الإسرائيلي بنصف قرن، يقول:
“يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادي قائـد، وتكـون المركـز لجلـب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية”.
أفكار هرتزل ومخططه لم تظل حبراً على ورق، أو مجرد أحلام، بل عمل الصهاينة منذ تأسيس كيانهم على بلورة تلك المخططات وتجسيدها على أرض الواقع .
وفي كتابه، الشرق الأوسط الجديد، وضع شمعون بيرس، الرئيس الأسبق لحكومة الاحتلال، مخططات حزب العمل “الشرق أوسطية” في كتـابه الذي صدر في نهاية عام 1993، تحت عنوان “الشرق الأوسـط الجديـد ” وطالب بيريس بنسيان الماضي، وضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، وبناء شرق أوسط جديد وسوق شرق أوسطية، وإنشاء كونفدرالية “إسـرائيلية ـ أردنيـة فلسطينية”.
مناخ مناسب
ويمكن القول إن النظام الإقليمي في المنطقة يقـود إلـى سـيطرة “إسرائيل” الاقتصادية والعسكرية والسياسية على المنطقة في غياب اسـتراتيجية عربية واحدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تمكّن من رسم الخارطة الجديدة للوطن العربي في ظل الأوضاع العربية والإقليمية الدولية الراهنة .
وقد وجد الصهاينة والغرب الاستعماري مناخاً مناسباً لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد باستثناء عقبات قليلة تمثلت في عدد محدود من الأنظمة والتيارات العربية قبل بزوغ الثورة الإسلامية في إيران والتي لعبت دوراً هاماً وأساسياً في تشكيل محور المقاومة .
تؤكد جميع مواقف وتصريحات الإمام الخميني أن الثورة الإسلامية في إيران لا تعني الشعب الإيراني وحسب، إنما ثورة تعني كل مستضعف ومظلوم في هذا العالم.
القضية الفلسطينية كانت من أولى اهتمامات الإمام الخميني، ومع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1978، أكد على أهمية فلسطين وضرورة مساندة شعبها، وقال: ” إن من أسباب ثورة الشعب في إيران ضد الشاه هو حمايته اللامحدودة لإسرائيل وتأمينه لاحتياجاتها النفطية، ولأنه جعل إيران سوقاً للبضائع الإسرائيلية، إضافةً إلى دعم الشاه المعنوي لإسرائيل مع أنه يتظاهر بإدانتها كي يخدع العالم”، من ذلك نلحظ أن القضية الفلسطينية من الثوابت التي لم تحد عنها الثورة الإيرانية حتى الآن .
بعد عام واحد من قيام الثورة ، بدأ الدعم بزرع مقاومة مباركة في جنوب لبنان ، أثمرت تحريراً ناجزاً للأراضي اللبنانية عام 2000 ، بقيادة حزب الله الذي بات يشكل كابوساً لدولة الكيان الإسرائيلي ومبعث فخر واعتزاز للعرب والمسلمين بعد عقود من الذل واليأس والخنوع .
ومع تجذر العلاقات بين طهران ودمشق ، تحولت سوريا معها إلى جسر بين إيران وحزب الله، ولاحقًا مع كافة حركات المقاومة التي راحت تمدّها إيران بالمال والسلاح عن طريق سورية طبعًا، أمثال حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وغيرهما.
وما أحداث ونتائج معركة ” سيف القدس ” عنا ببعيد .
اليمن جزء من المعادلة
انضمام اليمن إلى محور المقاومة ، لم يكن قراراً ارتجالياً عاطفياً، ولا سياسياً تكتيكياً، بل قراراً استراتيجياً حكيماً، له أبعاده الإيمانية كالتزام ديني عقائدي ، بالإضافة إلى أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية ، والتي تهدف إلى حماية اليمن ومصالح شعبه وأجياله المستقبلية، ومصلحة الشعب اليمني لا يمكن تحقيقها بمعزل عن مصلحة الأمة العربية والإسلامية ، فلا يمكن لأي شعب في دول المنطقة أن يكون بمنأى عن هذا الصراع أو تداعياته .
فاليمن بموقعه الاستراتيجي وثرواته المتعددة محط أطماع القوى الصهيونية والاستعمارية، ويشكل مضيق باب المندب ذروة الصراع والأطماع .
محور المقاومة الذي بدأ هلالاً ممتداً من طهران إلى بيروت ، مروراً ببغداد ودمشق ، صار قمراً بتمدده جنوباً إلى اليمن .
القدس هي البوصلة لمحور المقاومة الذي بات قادراً على فرض القواعد والمعادلات السياسية والعسكرية في مواجهة المشروعات الاستعمارية .
يدرك كيان الاحتلال وداعموه في الغرب مدى القوة التي وصل إليها محور المقاومة ، ولذلك سعى قادة الاحتلال منذ اليوم الثاني لمعركة سيف القدس لوقف المعركة والتوصل إلى هدنة ، فقد كان يدرك أن الأصابع على الزناد ، في لبنان وسوريا وصنعاء وبغداد وطهران ، وأن معركة ” هرمجدون ” عربية إسلامية ، تختلف عن تلك المدونة في أساطيرهم ، و كان لها أن تشتعل بتطاير شرارة من معركة سيف القدس .
لقد كان اتفاق الهدنة مع الفصائل الفلسطينية ، بمثابة حبل نجاة مدد عمر هذا الكيان إلى حين .
ومع ذلك، استطاع محور المقاومة ترسيخ معادلة جديدة أفصح عنها السيد حسن نصرالله في كلمته بذكرى التحرير ، حيث قال : ” إن على الإسرائيليين أن يفهموا أن المس بالمسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة والمقدسات، مختلف عن أي اعتداء آخر يقومون به، فالرد على ذلك لن يقف عند حدود المقاومة في قطاع غزة. ” . وهي إشارة واضحة إلى اشتراك محور المقاومة بالكامل في أي مواجهة قادمة مع كيان الاحتلال .
المعادلة الجديدة أكدها السيد القائد عبدالملك الحوثي أمس الأول في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة.. وجميعنا يعرف أن الصرخة .. ليست سوى تمهيد لهذه المواجهة، ويبدو أن هذا التمهيد قد أخذ مداه .