منذ بدأ صوت الخطاب ” القومي العربي” يختفي رويدا.. رويدا حتى تلاشى واختفى حد الانقراض، وأن بدا من هنا أو هناك يردد، أصبح مجرد سماعه أو سماع بعض من مفرداته، فعلاً من اكتشاف أثري، كأن تجد بقايا من «ديناصور» أو ما شابه ذاك..!!
طبول الهوية «القُطْرية بمفرداتها الانعزالية» دوت منذ أربعة عقود، وراحت تصم الأذان بضجيجها، فبدا حالنا العربي وكأننا في «حفلة زار» الكل فيها دائخ، والكل لا يعرف من حوله، وماذا يجري حوله..!
«دخان حملت المباخر” غطى سماء الأمكنة، واختلطت الجموع ببعضها، وتسلل “المتحرشون”، وبدأت حفلات “الخيانة المبررة” بـ” الحماية”، وإلى “مخادع الحكام” وصل طابور “التحرش” متعددي الأطياف والمهمات والأهداف والغايات..!
في “بئر الخيانة” سقط الحكام، وسقطت الأنظمة، وسقطت” فلسطين “وقضيتها من حساباتهم، كما سقطت الكرامة، والسيادة، والشرف، والنخوة، وكل القيم العربية، سقطت من أجندة الأنظمة، التي انغمست في بحر ملذاتها، وسلمت نفسها” للأوصياء” القادمين من خلف المحيط الذين سرعان ما أصبحوا” أولياء “لهؤلاء الحكام الذين لا يقدمون على فعل شيء دون استئذان من هؤلاء “ الأوصياء والأولياء” القادمين من “واشنطن، ولندن” وصنعوا من “بدو الصحراء” شيوخا وأمراء وملوكاً، وبدلا من حياة الترحل بحثا عن « الماء والكلأ» بنوا لهم مدناً فارهة، وبدلا عن الخيمة المصنوعة من» جلود الماعز» شيدوا لهم قصورا فارهة ببقايا «الفراطة» من عائدات « كنوز الصحراء «..؟!
تمكن» المتحرشون» الأوصياء من إعادة إنتاج قيم وثقافة «تغلب» وجعلوا «كليبا» ملكا هنا، و»جساس» أميرا «هناك..!
فبدت «العروبة» كفراً وعنصرية وفعلاً من» شوفونية « حرمها» الإسلام «..!
فيما «الوحدة «حيلة ابتكرها» الفقراء» لمقاسمة الأغنياء أرزاقهم التي منحهم الله..؟!
« الإسلام” رويدا.. رويدا بدأ فعلاً من» تطرف «و» إرهاب»، قبل أن يقرر هؤلاء الحكام مع فقهائهم تخصيص» دين» لكل قطر..؟!
بدأت «خيانة الحكام» حكمة وتعقلاً وحرصاً على الشعوب، من أجل امنها واستقرارها وسكينتها..!!
وارتفع شعار «السيادة الوطنية والأمن الوطني» في خطاب الحكام رغم أنهم جميعا يتحدثون عن قيم لا يعرفونها، بل جميعهم يفتقدون السيادة والكرامة والشجاعة والقرار، ويعملون كما يريد منهم» الأوصياء «الذين تحولوا إلى «أسياد» لهؤلاء الحكام..؟!
نخب حاولت في بداية شبابها أن تراهق نضاليا، وهم قلة واصلوا نضالهم رغم الجوع، والفقر، والقهر، والحسرة، فيما الغالبية هرولوا راكعين نحو « مائدة طويل العمر»، فبدأ المشهد وكأن «معاوية» يجدد نفسه، أو تم استنساخه عبر تقنية ثلاثية الأبعاد..!
لذة « موائد طويل العمر» لم تغر «النخب» التي التفت حولها في البقاء عند تخومها، بل ذهبت تلك النخب تغازل «أسياد أسيادها» وهكذا أصبحت «الخيانة» وجهة نظر، انغمس بها الحكام ضد الشعوب، والنخب ضد الأوطان..؟!
فعاد «حصان طروادة» ولكن بشكل جديد ومحدث، الحصان لم يعد يكفي، فتم استبداله بالسفن واليخوت والطائرات والسيارات المتعددة الأشكال والأحجام..!
أنظمة « خائنة» أمامها ترويكا نخبوية «خائنة» والجميع «يخونون» والراعي لخيانتهم ومستثمرها واحد إليه يتوجه الكل بالولاء والطاعة، يأمرهم فيطيعون وينفذون كل ما يأمرهم به..!!
لم يعد هنا ثمة إمكانية للحديث عن قضايا استراتيجية لا من قبل الأنظمة التي تعمل كل ما يطلب منها مقابل بقائها حاكمة..؟!
ولا من قبل «النخب «التي تعمل وتنفذ كل ما يطلب منها، مقابل الحفاظ على مكتسبات حققتها بفضل «الخيانة» ليس ماديا وحسب، بل وشهرة ودعوات لحفلات ومنتديات، وضيافات في أرقى فنادق العالم، وتنقل من بلد إلى آخر وأحاديث مباشرة ومتلفزة عن أهمية التعايش والسلام ونبذ العنف وإدانة الحروب والجهاد، ولو كان الثمن ضياع فلسطين وحقوق الأمة، « اليهود» «أيضاً « عيال عمنا «..؟!
يرافق كل هذا حملات إعلامية مهمتها استلاب الوعي، وحملات ثقافية وفكرية، عبر مسلسلات وأفلام وإعلانات وكل ما يساهم في « مسخ الأجيال» حتى أصبحنا في زمن جيله يعرف «محمد رمضان» ولا يدري من هو «صلاح الدين»..؟!
جيل يعرف مشاهير لعبة كرة القدم، ولا يعرف» العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة» بل فيهم من يجهل اسم رسول الله ووالده، صل الله عليه وعلى آله وسلم..؟!
فلسطين ليست حاضرة في ذاكرة هؤلاء، والمقاومة عنف وعبث، والكرامة مسألة نسبية، والسيادة فعل عنصري وانتقاص من إنسانية الأخر، والمستوطنون الذين يحتلون فلسطين بشر لهم الحق في العيش والحياة والدفاع عن أنفسهم..؟!
نعم أصبحنا أمة تعيش أنظمة ونخباً في مستنقع «الخيانة» وأصبحت «الخيانة» وجهة نظر وفعل من حكمة وتعقل وحصافة..؟!
فيما الشعوب تائهة تبحث عن بقايا «رغيف» يسد جوعها، وتكتوي بسياط القهر والحسرة على أمجاد كانت وزالت ..؟!