قواعد اللعبة في النظام العالمي ومتغيرات الواقع المتجدد

لطف لطف قشاشة

 

شكلت نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية نظاما عالميا تتحكم فيه الدول المنتصرة فيهما في تفاصيل تتعلق بتوجهات الشعوب السياسية والاقتصادية بشكل كامل وتوسع هذا التحكم تدريجيا بتوسع التطور التكنولوجي والذي جعل العالم كما يقولون قرية صغيرة ..
بالتأكيد مضى التحالف المنتصر الذي تتزعمه أمريكا وبريطانيا والدول الغربية في تثبيت هيمنته على الدول المنهزمة في الحربين عبر آليات وتكوينات وتحالفات عززت من هيمنته بشكل واسع ومتواصل بداية بتحكمه في سياسات المنظمات الأممية لمجلس الأمن والجمعية العامة وغيرها واستقوائه عسكريا عبر حلف الناتو الذي تمتلك الدول الأعضاء فيه قدرات عسكرية كما ونوعا خاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ( حلف وارسو ) وانتقال العالم إلى مربع القطب الواحد وكذلك تحكمه الاقتصادي بتشكيلة لمجموعة الدول السبع الصناعية ودول الثمان التي تتحكم في اقتصاديات العالم خاصة في مصادر الطاقة إضافة إلى هيمنة هذا التحالف على قرارات الدول العشرين كمجموعة اقتصادية تضم الدول الغنية والصناعية والتجارية في العالم وغيرها من التكوينات والتي ثبتت عرفا دوليا يؤكد ديمومة هذه الدول في التحكم في النظام العالمي برمته ..
استمرت هذه الهيمنة بوتيرة تصاعدية وبانفراد لاحق ابتدأ عقب سقوط الاتحاد السوفيتي والذي سقط معها ما عرف بالحرب الباردة التي كانت تحد من هيمنة الدول الغربية وإن كان في الحدود التي لا تلحق بمصالح الصين وروسيا أي ضرر مباشر وبشكل واسع فيما دون هاتين الدولتين وهو ما لمسناه في منطقتنا العربية بشكل مباشر والذي يهمنا الحديث عنها هنا عندما وصل النظام العالمي إلى واحدية القطب المتحكم وما لحق بتركيبتنا وهويتنا الوطنية والدينية والثقافية من انهيار بفعل الهيمنة المطلقة من قبل أمريكا في قرارات الدول العربية والإسلامية والتي سلبت بالكامل من حريتها وما نتج عنه من محاولة تصفية القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية ( فلسطين ) واستغلال الدول الغربية لمقدرات وثروات العالم العربي والإسلامي ..
وصل النظام العالمي ذو القطب الواحد إلى ذروة كماله خاصة مع بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن هذه الذروة لم تكن سيطرتها بالمطلق إلا على الدول العربية المنبطحة العميلة التي عرفت بدول الاعتدال العربي إلا أنها لم تستطع بسط النفوذ على دول الممانعة والتي بدأت تتشكل وقادتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي في المنطقة بعد نجاح ثورة الإمام الخميني هذا المحور استطاع بفعل تماسكه وتضحياته أن يغير من معادلات النظام العالمي الواحد ليفتح المجال أمام روسيا والصين اللتين تنامت قدراتهما للدخول في صراع جديد على النفوذ في المنطقة ومنافسة أمريكا والغرب فيها ..
ساعدت الجمهورية الإسلامية دولا ومكونات ثورية في المنطقة على مقاومة الهيمنة الأمريكية وحليفتها إسرائيل واللتين لحقت بهما هزائم متوالية ابتدأت بهزيمة إسرائيل في لبنان عام 2000 و 2006 وفي فلسطين عام 2008. و 2014 وأخيرا عام 2021 عسكريا، كما شكلت هزيمة أمريكا في أفغانستان وفي العراق ضربة موجعة جعلتها في وضعية خائرة ومتراجعة كما أن هزيمة أدوات أمريكا المعروفة بالجماعات المتشددة التكفيرية في المنطقة قد خلطت كثيرا من الأوراق على أمريكا وحلفائها ففي الوقت الذي تتراجع أمريكا في المنطقة وتضعف بنفسها وبأدواتها بدأت دول الممانعة وعلى رأسها إيران في تثبيت مكانتها وفرض قوتها ووجودها على الأرض ساعدها في ذلك ثبات وعدالة مشروعها إضافة إلى تغير النظام العالمي الواحد وتنامي قوة التنين الصيني العملاق وروسيا القوية ..
التغير في معادلات ومواقع النظام العالمي المتجدد جعل من دول التحالف الغربي وعلى رأسها أمريكا تشعر بالقلق على هذا التغير الذي اثر على ما كانت قد ثبتته من عرف دولي بضرورة أن تظل الدول المنتصرة في الحربين العالميتين هي المتحكم والمهيمن على النظام العالمي برمته ..
لم تستطع هذه الدول تحمل تنامي قوة إيران في المنطقة ومن معها في محور المقاومة وإن كانت ترى على مضض إمكانية إدارة الصراع وتقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط مع الصين وروسيا إلا أن ظهور وتنامي قوة الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها وانتصاراتها المتوالية والتي فتحت وبقوة المجال وعبر المعاهدات الاستراتيجية للصين وروسيا أن يكون لهما حضورا منافسا للغرب وأمريكا في المنطقة بشروط الندية والمصالح المشتركة قد ازعج دول التحالف الغربي إلى حد كبير خاصة أن في ذلك تدهور وانهيار مصالحها بشكل نهائي خاصة وان القوة الممانعة في المنطقة لن ترضى بتجدد هيمنة تلك الدول والتي أثبتت انتهازيتها المدمرة للقيم والنظم في المنطقة بالعودة مجددا للعب هذا الدور الخبيث مهما كان الثمن ..
اليوم يحدث في منطقتنا تغيرا جذريا في معادلات النظام العالمي برمته والتي فيه سيسقط بشكل واسع هيمنة أمريكا والغرب على المنطقة وبالطبع ستسقط معه جميع أدوات هذه الدول وعلى رأسها الغدة السرطانية إسرائيل ومشيخات ودول الاعتدال العربي إلى الأبد ..
من هنا نرى كيف أن جميع ما خططت له ونفذته وبنته الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لتتحكم في العالم ستزول وتتبدد فبعد تغير النظام العالمي ستتغير تأثيرات المنظمات الدولية التي لن يسمح لها مجددا أن تظل أداة بيد الغرب لفرض هيمنتهم ولن يبقى للدول السبع ولا الثمان ولا لحلف الناتو ذلك التأثير في مسار النظام العالمي الجديد الذي ستتشكل معه تحالفات جديدة ومغايرة للسابق وان كنا سنعيش ولفترات قد تمتد إلى عشرين عاما قادمة حربا باردة تنتهي إلى توافقات دولية تعالج إخفاقات نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية خاصة وان الذهاب إلى حرب عالمية ثالثة قد ترتكبها أمريكا وحلفاءها بحماقة تحت قاعدة تدمير المعبد على الجميع لن تكون مجدية ولن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء ..
لذلك علينا نحن العرب والمسلمين أن نستعد لنكون رقما في المعادلة الدولية خاصة نحن محور المقاومة الذين عجلنا بسقوط هيمنة أمريكا وحلفائها بعد أن الحقنا بهم هزائم مدوية في سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين فهذا وحده كاف لان نشكل رقما صعبا في مستقبل النظام العالمي المتجدد خاصة أننا نمتلك التاريخ والحضارة والموقع والقيم الدينية والإنسانية ولسنا وحوشا بشرية شاهدنا نماذجها في التوحش الغربي الصليبي الإمبريالي الصهيوني الماسوني الخبيث الذي حكم وتحكم في العالم خلال القرن الماضي ..
والله الموفق والمعين..

قد يعجبك ايضا