بين يدي رئيس المنظومة العدلية

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

 

من المفيد أن تتعاقب اجتماعات ما يُسمى بالمنظومة العدلية، والتي تضم القضاء والأمن والإدارة المحلية، وكلها جهات معنية بالحكم، وبيدها الحل والعقد، لكن ما هي نتيجة هذه الاجتماعات؟! وكيف يتم مناقشة القضايا أو بحث سبل تصحيح المسار ؟! كما يقال في المثل (فاقد الشيء لا يعطيه) و(تجريب المجرب خطأ)، هناك قضية أساسية تم التطرق إليها في اجتماع الأمس القريب تتعلق بالاعتداء على الأراضي وإقدام أصحاب النفوذ على الحجز والتسوير لأراضي الغير بالقوة، كما تعوّد الناس على ذلك في العقود الماضية، حيث سُلبت أراضي المساكين ومن ليس لهم ظهر يحميهم بهذا الأسلوب، والقضاء غارق في جلسات لا جدوى منها، قُلنا أكثر من مرة هذا الأسلوب ممقوت، متى ترتقي أجهزة الأمن والنيابة إلى مستوى فهم الحقيقة؟! وتعتبر أن هذا الاعتداء اعتداء على هيبة الدولة ومكانتها وكسر لإرادة القضاء، مع ذلك لم يستوعب أحد هذه الحقيقة، وتظل القضايا معلقة والأراضي معرضة للنهب والسلب من قبل أصحاب النفوذ والنفوس المجبولة على الطمع، في غياب التدخل القضائي الحاسم، إذ سرعان ما تنتقل أي قضية من جنائية جسيمة باعتبارها اعتداء إلى مدنية، ويغوص القاضي في الأخذ والرد، وتمضي الأعوام ليكون المعتدي قد أنجز كل شيء، وأحياناً أقام بناء في الأرض المغصوبة، وأصحاب الشأن يترددون على المحاكم بلا جدوى، هل آن لهذه المشاهد أن تنتهي من حياتنا؟! وأن نسمع فعلاً بوجود دولة وقضاء حازم وأمن قادر على إحقاق الحق، بحيث تقوم النيابة المعنية بإزالة الاعتداء فوراً ومعاقبة المعتدي واعتباره كما قلنا اعتداء على النظام والقانون، وأن يعود الوضع إلى ما كان عليه، بعد ذلك ينظر الحاكم المعني في الموضوع ويُقر لمن الملكية، وتتأكد الملكية بحسب الأوراق الثبوتية، هذا هو الأمر الذي بدأ الآخرون يأخذون به حتى الإخوة في مصر الذين أخذنا منهم معظم قوانيننا وتأثرنا بهم، فلماذا لا نتأثر بهم إلا في السلبيات ولا نستفيد من الإيجابيات!!
هذا الموضوع إذا تم حله ونوقش برؤية وطنية صادقة فإنه سيتجاوز 75 % من العثرات في الجانب القضائي، فهو سبب وأساس الفوضى والعبث الذي يجري ويكون سبباً في نهب الحقوق ومصادرة الممتلكات، الأمر بسيط إذا وجدت النية الصادقة والرجال الأكفاء القادرين على ترجمة القضاء كما أراده الله سبحانه وتعالى لا كما يريده البشر، أو تفرضه الرغبات غير السوية، فالقضاء هو أساس الحكم ومعيار سلامة الدولة إذا صلح صلح كل شيء وإذا فسد فسد كل شيء.
الإشكالية نقولها بصراحة أن الخلل تسرب من وقت مبكر إلى المحكمة العليا أعلى هرم في القضاء، كما يقول المثل (إذا بيت الله بيوطل أين سيكون الكنان) المحكمة العليا بدأت تخضع لعملية السمسرة وكشف الأوراق والمتاجرة بالقضايا، وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع من مجلس القضاء، إذاً فأي إصلاح للخلل لا بد أن يشمل كل القنوات القضائية، لا بطريقة التدوير والتحوير ووضع هذا محل هذا، ولكن بأسلوب المحاسبة والبحث عن الأفضل، لأن هذا قضاء يتصل بالحقوق وبالدماء والأعراض، والمطلوب أن يكون الاهتمام منصباً على كافة الجوانب، لا كما حدث في موضوع الأمناء وكُتاب المحررات الشرعية، فلقد تحول الأمر إلى مهزلة وتم اعتماد أشخاص لهم باع طويل في التلاعب وكتابة المحررات بأسلوب انتهازي، والمطلوب أن يتفهم هذا الأمر رئيس المنظومة العدلية ويُعيد النظر في الآلية، لأن هُناك كلاماً كثيراً بأن البيع والشراء أصبح هو السائد في نهاية الأمر، ولا أجزم في هذا الجانب لكنها إشاعة والإشاعة لا تأتي من فراغ، وعلى من يُريد الإصلاح أن يتحرى، فأنا شخصياً أعرف أن أحدهم متهم بالتزوير مع ذلك تم اعتماده بطريقة مضحكة، حيث قيل له: احلف أنك لم تزور، فحلف – كما يقال للسارق احلف، وهذا ما حدث تمهيداً لاعتماده، ويبدو أن حق ابن هادي سبق اليمين، يا إخوة هذا قضاء وهذه شريعة الله لا تتحمل كل هذا الإسفاف، فالبصر غلب البصيرة والأمور تتعقد من يوم إلى آخر، وأعمال الرشاوى بدأت تتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع، والمنظومة تراوح في مكانها، أنصح رئيس المنظومة بأن يستعين بمستشارين لهم قدرة ولهم دراية بما يجري خلف الكواليس، حتى يصل إلى أعماق المشكلة، بالذات في جانب التفتيش القضائي لا بد أن تتحرر هذه الهيئة من الروتين الذي ساد في عملها منذ سنوات طويلة وأن تعرف أنها كما قلنا في موضوع سابق “عقل القضاء” وأن بيدها الإصلاح الحقيقي إذا خلصت النوايا ووجد الرجال القادرين على النفاذ إلى عمق المشاكل وتحرير العقول الصدئة من عقدة “حق إبن هادي” لأن ابن هادي مات وتحول إلى ذكرى ومَثَلٌ يتردد، فلماذا لا ينتهي الفعل؟! إذا كان الأمر قد انتهى من حيث الاسم والشكل، هذا ما نأمله، ونتمنى أن يتم في القريب العاجل حتى نضمن للمجاهدين الأبطال في جبهات القتال النصر، وكما قال الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام ( التباطؤ في العدل ظلم ) فتعالوا انظروا اليوم ماذا يحدث في أروقة المحاكم، وكيف يتفنن القاضي أحياناً في اختيار أوقات النظر في القضايا، فلقد تجاوز الأمر في إحدى القضايا الخمسة شهور، قلنا على الهيئة أن تحاسب القاضي في هذا الجانب وأن تعرف كم قضايا يناقشها في اليوم، وكم مستوى الدوام ومستوى الغياب في الأسبوع، فأنا أعرف أن قضية أصبحت منظورة أمام المحكمة العليا ظلت في أروقة المحاكم 23سنة ولا يزال الحبل على الغارب، فأي قضاء هذا وماذا يُرتجى منه؟! السؤال مطروح على رئيس المنظومة العدلية، وكان الله في عونه، والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا