في الطريق إلى الله، جعل لنا سبحانه وتعالى محطات نتزود فيها من التقوى والأعمال الصالحة التي تقربنا منه جل شأنه، نعمة منه منحنا إياها لصلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
فكما وهبنا يوماً في الأسبوع هو يوم الجمعة، خير الأيام والأجر فيه مضاعف على أداء الأعمال الصالحة، وفيه ساعة كذلك تجاب فيها الدعوات؛ وهبنا أيضاً محطة تربوية إيمانية كل عام، محطة تُعتبر غنيمة لمن يسعى لاغتنامها بالقيام بالأعمال الصالحة ليرتقي في إيمانه وزكاء نفسه، مع أنّها محطة قصيرة ما هي إلا أيام وتنقضي (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)، إلا أنها تجعل من تلك النفوس التي تلتزم بتوجيهات الحق جل وعلا أكثر قوة وصلابة، وأكثر سعياً لنيل رضوانه تعالى، وأكثر عملاً لنصرة دينه وإعلاء كلمته.
لكن خطورة هذه المحطة على المشاريع الشيطانية جعلت أعداء الله يعملون بكل ما يستطيعون لإبعادنا عنها، لتصبح وكأنها مناسبة عابرة تُؤدى فيها بعض الطقوس الدينية التي قد لا يكون لها أيّ تأثير إيجابي على من يقوم بها. فهم يحرصون كل الحرص على بث سمومهم بشكل أكبر في رمضان من خلال الإعلام العربي المنحرف الذي يبث تلك البرامج والمسلسلات التي يتم الترويج لها بشكل مغر وجذاب، ليفقد الناس روحانية هذه المحطة ويخسرون إيمانهم وزكاء نفوسهم؛ لأنّ أعداءنا يدركون جيداً التأثير السلبي الذي تتركه تلك البرامج والمسلسلات؛ فهم يسعون بكل جد واهتمام لصبغها بالصبغة العربية والإسلامية لتكون مغرية أكثر، ولينجر وراءها السذج والأغبياء وقاصرو الوعي، ليصبحوا أكثر بعداً عن الله ومنهجه وتوجيهاته.
عمل دؤوب طيلة العام لإنجاز مثل هذه البرامج وإخراجها الإخراج الذي يبدو أكثر إغراءً وجاذبية، أو بالأصح أكثر هدماً للدين والقيم والمبادئ، ومع وجود الكثير ممن وقعوا ضحيتها؛ لا نجد للكثير من الناس دوراً في مواجهتها، حتى أصبحت الساحة الإسلامية أرضية خصبة للترويج لها ونشرها.
كما أصبحت هذه المحطة الإيمانية بالنسبة للكثير من الناس وللأسف موسماً للنوم والأكل والقعود عن القيام بالكثير من الأعمال التي تصب في مصلحة هذه الأمة، لأننا جهلنا أو تجاهلنا الغاية الأساسية منها، وابتعدنا عن قدوتنا وحبيب قلوبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كان في هذا الشهر معلماً ومربياً ومجاهداً وفاتحاً، يسعى لإصلاح هذه الأرض وإعمارها وإقامة دولة الحق كما أراد لها المولى عز وجل.
كما جهلنا أنّ هذا الشهر شهر عمل سنحظى فيه بتوفيق الله وتأييده عندما نستعين به ونتوكل عليه في أداء أعمالنا، عندما تكون تلك الأعمال لصالح الأمة وإصلاح واقعها المتردي مقرونة بالعبادات والطاعات التي تزيدنا قرباً منه تعالى.
فإن كنا حريصين بالفعل على نيل العون والتأييد الإلهي؛ فلا بد أن يترافق مع الطاعات الجد والاهتمام بأمور الأمة والعمل على نهضتها وعزتها وكرامتها، وألا نجعل من هذا الشهر الذي هو خير الشهور إما مسرحاً للمشاريع الشيطانية، أو تكاسلاً عن مواجهتها. بل يكون عملاً جاداً للنهوض بهذا الواقع إلى واقع أسمى وأرقى؛ لأننا ننتمي إلى أكمل وأرقى دين على هذه الأرض، وأن نغتنم ما تبقى منه، خاصة وأنّ الله منّ علينا بنعمة عظيمة جداً وهي نعمة أعلام الهدى، وقرناء القرآن، أحرص الناس على صلاح الناس وهدايتهم، فتبدو توجيهاتهم في هذا الشهر الكريم هي النور والبصيرة والمنهج القويم الذي يعلمنا ويهدينا للسعادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.