ونحن في هذا الشهر شهر رمضان الكريم، تتجسد كل معاني الألفة والسكينة، وتغوص النفس في ملكوت ربها.. وتسكن الجوارح لخالقها بالطاعات، وتزهد القلوب إليه بالقربات.
إنه شهر الخيرات من رب السماوات وفضائل الحسنات لتتقرب بها ونيل أعلى الدرجات.
حيث قال رسولنا الكريم فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي (إن الصوم لي وأنا أجزي به إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح وإذا لقي الله عز وجل فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) رواه مسلم ٢/٣٤٨.
ما أكرمك وما أرحمك يا الله وأي جزاء أعظم من جزاء الكريم العظيم.. عطاء لاينفذ.. ونعيم لا ينتهي..
ولقد أكرم الله عباده في شهر رمضان بأن جعل أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
ونحن نودع هذا الشهر حريٌ بنا أن نلوذ إليه بالإخلاص في العبادات والإكثار من الصدقات.. وترك المحرمات..
عندها ننتظر الثواب بلا عقاب ولا سابق حساب.. فالتقوى والصلاح طريق الخير والفلاح والرزق والنجاح.
قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق ٢
وكذلك كلما جادت النفس بالخير والعطاء وذلك بالإنفاق في سبيل الله وبذل الصدقات للفقراء والمساكين.. أتاها الله بضعف الجزاء والغفران من الذنوب والرضا.
قال الله عزوجل في محكم كتابه (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)التغابن آية ١٧ فالنسارع في هذا الشهر الكريم بالتوبة والرجوع لله والخضوع بين يديه..والتذلل له بقبول توبتنا لكل مابدر منا من معاصي صغيرة كانت أو كبيرة فالله يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور والله يحب عباده التوابين ويفرح بتوبة عبده ويأمرنا بالتوبة والخنوع لله عزوجل حيث قال جلّ في علاه (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ.)التحريم8.
ويأتي بعد التوبة الندم على ذاك الذنب الذي جعلك أيها الإنسان تتمرغ في وحل المعاصي..وتتخبط في براثين السيئات..وتشقى بين شتات الفكر وضياع القلب الذي أبعدته عن ذكر الله قال الجليل الكريم (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)طه١٢٤.
فالسعادة لا تكون إلا مع الله وفي معية الله محققين ثوابت وقواعد هذا الدين القويم الذي يقودنا إلى الطريق الصحيح والذي ينظم للإنسان حياته مع خالقه ومع نفسه ومع الآخرين من حوله.
ثم يأتي بعد الندم على المعصية العزم على عدم الرجوع لتلك المعصية والثبات على تحقيق أوامر الله وجهاد النفس لعدم الرجوع لكل ما يُغضب الله ويكون سببا في هلاكك وكذا عدم اليأس من رحمة الله مهما بلغت ذنوبك.. أو داهمتك ظنونك بالحسرات.. فبعد الذل لله مسرات وبعد الخضوع لله نجاة وجنات.
حيث قال الله الجليل المتعال (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر ٥٣
ولنا في رسول الله عليه وآله الصلاة والتسليم أسوة حسنة فكان يستغفر الله في اليوم مائة مرة وقيل سبعين مرة.
من أجل ذلك وجب علينا المسارعة إلى الله بفضائل الأعمال.. والتقرب إليه بخير الخصال.. وطلب رضاه بالليل والنهار.. وطلب الغفران في خير شهر انزل فيه القرآن شهر رمضان.
قال الرحيم الرحمن (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الحديد ٢١ فحقيقٌ علينا استغلال أوقات العبادات في هذه الأيام المباركة التي أجزل الله فيها بالعطاء وأكرم عباده بالثناء… ومنّ عليهم بالمحبة والإخاء.. ليتراحموا فيما بينهم ويسعوا لمراغمة النفس على الزهد والتقى والابتعاد عن الهوى وطلب الغفران للفوز بالجنان.
عائشة محسن شروان
قد يعجبك ايضا