عروس فاتنة تحوي كل أوصاف وصفات الجمال رغم أن ميلادها يعود إلى ما قبل مئات السنين ومع هذا العمر الطويل إلا أنها لم تشخ بل إنها ومع مرور الزمن تزداد بهاءً وحسناً مع أن المعروف عنها عداؤها مع كل ما جاءت به الحداثة من وسائل وأساليب التجميل والتطور بل إن هذه الوسائل والأساليب تمثل لها تشويهاً، فإذا ما اقتربت منها تراها وتتأمل كل تفاصيلها تشتم رائحة أصالتهاً وتبحر في أعماق دواخلها فحتماٍ تقع في الأسر إلى الأبد مهما كنت حراً وجبت البلدان وغبت عنها، فكم من أسارى لهذه الفاتنة لم يستطيعوا التخلص من أسرها وقيودها وأغلالها مع أن أياديهم تمتد إلى حيث يشاؤون وأرجلهم تذهب إلى حيث يشاؤون لكن الحواس هي المأسورة والمكبلة بالقيود، أتدرون من هي هذه الفاتنة البالغة من العمر مئات السنين؟، إنها مدينة بكل مكوناتها، حضارة بكاملها شامخة تناطح السحاب مع أنها تقبع في وادٍ ذي مستوى منخفض .. إنها مدينة شبام حضرموت التي مهما تحدثت عنها وعن جمالها وفتنتها فلن تستطيع أن تفيها حقها وتظل الكلمات عاجزة عن وصفها بما تستحق أو بما هو فيها ونظراٍ للقيمة العظيمة لهذه المدينة التاريخية فقد كانت من أوائل المدن والمعالم التاريخية في العالم التي دخلت قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو المعنية بالاهتمام والعناية بالتراث في سائر البلدان عام 1986م وبهذا أصبحت مدينة شبام حضرموت تراثاً إنسانياً يهم البشرية جمعاء ماضيها وحاضرها ومستقبلها وليست وحدها شبام حضرموت من دخلت في هذه القائمة العالمية بل دخلت إلى جانبها مدينة صنعاء القديمة وتلتهما بسنوات قليلة مدينة زبيد.
ولا تزال هناك مدن ومعالم يمنية كثيرة تنتظر أن يأتي دورها لتنضم إلى القائمة كونها تستحق، لكن للأسف الشديد المدن والمعالم اليمنية التي تنتظر أن تضم إلى القائمة باتت هناك مدن يمنية تنتظر أن تخرج من هذه القائمة وبالتالي قد تشكل هذه الخطوة إن حدثت لا قدر الله خيبة أمل لهذه المدن والمعالم المنتظرة، وقد يشكل الطريق إلى القائمة أكثر وعورة ومشقة فالمجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو سينظرون إلى اليمن على أنه بلد لا يهتم بالتراث ولا يحترمه وقد تكون هذه حقيقة والدليل على ذلك أن مدينة زبيد التاريخية تنتهك حرمتها التاريخية والحضارية منذ سنوات عديدة وربما منذ إعلانها في قائمة التراث العالمي في العام 1993م، وبرغم الصيحات والنداءات التي أطلقتها اليونسكو ووضعها للمدينة في قائمة الخطر وتهديدها بشطبها نهائياً من قائمة التراث العالمي جراء الخراب والدمار الذي يطال مكوناتها التراثية التي لأجلها دخلت المدينة ضمن التراث العالمي، هاهي تمضي سنوات إحدى عشرة بعد إعلان اليونسكو وتهديداتها ودعواتها للجهات المسؤولة باليمن إلى الحفاظ على المدينة ومعالجة الاختلالات التي تستهدف تراثها إلا أن الجهات المعنية في اليمن تعاملت بلا مبالاة وتساهل بل وشاركت في هدم وخراب هذه المدينة.
البساطة والفخامة
تتميز شبام بالبساطة والفخامة، وتتجلى الميزة الأولى في استخدام المواد المحلية في البناء مثل الحجر والطين والخشب، كما كانت بساطة مقرونة بعلم واسع بالفطرة والتجربة في هندسة البناء ووضع نماذج فريدة ومميزة تضمن عناصر وظيفية تلبي حاجة البيئة والظروف المناخية والعادات والتقاليد الاجتماعية.
وعلى مدى التاريخ فإن شبام ترتبط بشكل وثيق بتاريخ جنوب الجزيرة العربية، حيث كانت عاصمة دولة حضرموت القديمة بموقعها المهم في منتصف وادي حضرموت، ونقطة التقاء معظم الوديان الفرعية، وساعد ذلك في أن تكون نقطة مهمة ومحطة أساسية في طريق القوافل التجارية المحملة بالبهارات والبخور والحبوب والتمور في جنوب شبه الجزيرة العربية”.
من أهم المدن التاريخية عالمياً
شبام حضرموت المدينة التي أطلق عليها اسم أول ناطحات سحاب في العالم وذلك بسبب أن معظم منازلها يتراوح عدد طوابقها ما بين “7– 8” طوابق ومبنية من الطين الخالص حيث يستخدم الُّلبن في عملية البناء وتحوي الكثير من الخصائص والمميزات التي تنفرد بها عن سائر المدن التاريخية في اليمن فمدينتا صنعاء القديمة وزبيد اللتان تندرجان معها في قائمة التراث العالمي مبنيتان من الأحجار والياجور بينما شبام حضرموت لا تستخدم الأحجار إلا في الأساسات فقط ولا تهتم كثيراً بها فهي تستخدم أي أحجار..
وتعتبر مدينة شبام حضرموت واحدة من أهم وأثرى المدن التاريخية، ليس على مستوى اليمن فحسب، بل وعلى مستوى العالم كله ولهذا تعتبر من أوائل المدن التاريخية في العالم التي ادرجت في قائمة التراث العالمي في العام 1986م وتعتبر ذات ميزة خاصة لأسباب تتعلق بطابعها المعماري ومنها أن البناء فيما يرتكز على مادتين أساسيتين هما الطين والخشب وهي مبنية بالَّلبن، بينما في صعدة ومدن تاريخية أخرى وكذا سور صنعاء نلاحظ أن نمط البناء مختلف مع أنه يستخدم الطين إلا أن هذا البناء في صعدة وغيرها يسمى بالزابور أو نظام المداميك وهو عبارة عن كتل طينية يتم وضعها فوق بعضها البعض وتكون الكتلة الواحدة ذات ارتفاع ٥ سم وطولها يمتد على طول المبنى وهذه الطريقة في البناء قوية جداً وتستهلك الكثير من الوقت والجهد، أما بالنسبة للُّبن المستخدم في مدينة شبام حضرموت فهو يحتاج إلى حزمة أكثر من الزابور، فاللُّبن عبارة عن قوالب مستطيلة يتم عملها من الطين بعد تخميره وخلطه جيداً بمادة التبن هذه المادة التي تعمل على تماسك وتداخل المادة الطينية ويتم بعدها وضع القوالب أو الُّلبن والتي يتم بناؤها بطريقة فريدة حيث يكون عرض المبنى من الأسفل كبيراٍ ويقل هذا العرض كلما زاد الارتفاع حيث يصل في المتوسط إلى قرابة “50” سم في الأسفل وفي نهاية المبنى يقل إلى “25” سم تقريباً ولهذا يلاحظ أن معظم المباني الطينية في شبام ذات ميلان كبير إلى الداخل وكلما زاد الارتفاع زاد الميلان..
سد الموزع
“ليس غريباً أن تبقى مدينة شبام عاصمة لوادي حضرموت ردحاً من الزمن حتى عام 1365ﮪ، وهي من حيث المساحة ورقعة المباني كانت متسعة أكثر مما هي عليه الآن، إذ هدمتها السيول وجارت عليها الحروب بالويل والخراب، وللتغلب على هذا الخطر توصل معماريوها إلى فكرة بناء سد (موزّع) غربي المدينة عند ملتقى مياه السيول، والذي شُيِّد من الحجر مع إضافة مواد محلية أولية إلى سطحه، وتم عمل ذلك بفكر هندسي سليم وأياد فنية خبيرة منذ القرن العاشر الهجري، ولا يزال السد صامداً حتى اليوم كآية من آيات العمارة الطينية الشبامية، فهو يحمي المدينة من السيول وينظم في الوقت ذاته عملية الري الزراعي بطريقة مدروسة، ولهذا سُمِّي (الموزّع)”.
كما أنه “يحيط بالمدينة سور قديم من الطوب الطيني، يعتبر وسيلة مهمة للدفاع عنها، وفيه مدخل واحد رئيسي للمدينة يُسمى (السدة) – أي البوابة الكبيرة، كما أن شبام تقع على كتلة صخرية تحيط بها أراض زراعية من كل الجهات تقريباً، ونظراً لضيق المساحة الأفقية انطلق بناؤها إلى عنان السماء حتى وصل في بعض البيوت إلى تسعة طوابق من الطين.