في الخطاب الذي ألقاه قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة يوم القدس العالمی، أشار سماحته فيه إلى نقاط في غاية الأهمية تستدعي أن نتوقف أمامها قليلا، لمعرفة جذور المشاكل المزمنة التي تعاني منها منطقتنا، ولنستشرف من خلالها مستقبلنا.
أشار قائد الثورة الإسلامية إلى حقيقة تاريخية مُرة، تأكد فيها أن الشرق والغرب – قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ورغم كل الخلاف الذي كان قائما بينهما – إلا انهما كانا على اتفاق تام في معاداة الإسلام ومحاربة المسلمين، وساهما وبشكل مؤثر في زرع الغدة السرطانية المعروفة بـ”إسرائيل” في قلب العالم الإسلامي. وهذه الحقيقة، وصفها سماحته بـ”العبرة”، وقال :”إنّها لعِبرة أنّ نرى في تلك الفترة المعسكرين الرأسمالي والشيوعي كلاهما يعقدان صفقة تكامل مع القارون الصهيوني، بريطانيا خططت لأصل المؤامرة وتابعتها، والرأسماليون الصهاينة قد تولّوا تنفيذها بالمال والسلاح، والاتحاد السوفيتي كان أول دولة اعترفت رسمياً بهذا الكيان اللاشرعي، ودفعت نحوه بحشود اليهود”.
كان واضحا ان المعسكرين الغربي والشرقي، كانا على وئام تام في موضوع زرع “إسرائيل” في فلسطين، التي حولها الصهاينة، كما جاء في خطاب القائد إلى “قاعدة للإرهاب. إسرائيل، ليست دولة، بل معسكراً إرهابياً ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المسلمة الأخرى”.
أما لماذا اختلف الشرق والغرب في كل شيء، إلا في دعم الصهاينة، وزرع “إسرائيل” في قلب العالم الإسلامي؟. من المؤكد ان السبب يجب ان يكون خطيرا وهاما جدا، وهو بالفعل كذلك، فالموقع الجغرافي لفلسطين، التي تعتبر الرابط الذي يربط شرق العالم الإسلامي بغربه، وكذلك لوجود المسجد الأقصى المبارك الذي يعتبر الرمز الإسلامي الكبير، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فباغتصاب فلسطين وتهويد القدس، يكون الشرق والغرب ، لم يحاولا أن يئدا وإلى الأبد فكرة قيام تكتل إسلامي عربي في المستقبل فحسب، بل سيجعلان من الدول العربية والإسلامية، دولا مُستنزفة وضعيفة، وهو هدف مشترك للرأسمالية والشيوعية، على حد سواء.
الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كان مدركا بحكمته وبحنكته، أنه ومن أجل منع تحقيق هذا الهدف المشترك للمعسكرين الغربي والشرقي، لابد من جعل القدس الشريف، الرمز الإسلامي الكبير، هدف لكل تحرك عربي وإسلامي، وأن تكون القدس هي بوصلة لكل المجاهدين والأحرار في العالمين الإسلامي. ومن أجل ذلك، كما أشار قائد الثورة الإسلامية في خطابه، إلى أن “المستقبل المبارك يتطلب أن يكون التكامل بين البلدان الإسلامية هدفاً محوريّاً وأساسياً، ولا يبدو ذلك بعيد المنال، ومحور هذا التكامل قضيّة فلسطين كلّ فلسطين، ومصير القدس الشريف. وهذه هي الحقيقة نفسها التي هَدَت القلب المنير للإمام الخميني العظيم (رضوان الله تعالى عليه) ليُعلن اليوم العالمي للقدس في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك”، هذا اليوم الذي تحول إلى كابوس ينغص أحلام الصهاينة وحماتهم، منذ ان أعلن عنه الامام الخميني عليه قبل 42 عاما.
إدراك الامام الخميني (ره)، ان “إسرائيل” ما كانت لتُزرع في قلب العالم الإسلامي و ان تبقى كل هذه الفترة، لولا ضعف الأمة الإسلامية، وهو ضعف يمكن تجاوزه عبر الالتفاف حول القدس وإحياء يومها العالمي، فلا تكامل للمسلمين ولا وحدة بينهم ، من دون التمحور حول القدس. هذه الحقيقة باتت تؤرق الصهاينة وحماتهم الأمريكيين والأوروبيين، لذلك حاولوا من خلال الترويج لمخططهم المعروف بـ”صفقة القرن”، الذي كان هدفه الأول والأخير، سلب المسلمين أخطر سلاح من أيديهم وهو سلاح القدس والتمحور حول القدس، بعد أن تواطأت معهم بعض الأنظمة العربية، التي حاولت من خلال التطبيع مع “إسرائيل” الإيحاء، بأن القدس باتت من الماضي، وعلى المسلمين محوها من ذاكرتهم، إلا أن القدس كانت أقوى، فبقيت القدس هي البوصلة والمحور، بينما كان مصير “صفقة القرن”، في مزبلة التاريخ ، كمصير عرّابها.
لولا القدس لما تحولت حجارة المقاومين إلى صواريخ دقيقة، تُقهر “الجيش الذي كان لا يقهر” وتذله، ولولا القدس لما باءت كل مخططات أمريكا والصهيونية والرجعية العربية بالفشل، بل نقول كما قال قائد الثورة الإسلامية: “أقولها وبشكل قاطع: سوف تبوء هذه المساعي بالفشل، وإن الخط البياني الانحداري باتجاه زوال العدو الصهيوني قد بدأ ولن يتوقف”.
لم تستقطب قضية في العالم الإسلامي، المجاهدين والمقاومين والأحرار، بغض النظر عن قومياتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم ، كما استقطبت قضية القدس، التي ينتصر المسلمون والعرب والأحرار لها في أرجاء المعمورة، في يوم جمعة من شهر رمضان من كل عام، وكان أشار سماحة القائد الخامنئي إلى هذه الحقيقة، عندم قال:”السلام على أحرار العرب جميعاً وخاصة الشباب منهم، والسلام على الشعب الفلسطيني المقاوم، وعلى المقدسيين المرابطين في المسجد الأقصى. السلام على شهداء المقاومة وعلى رعيل المجاهدين الذين ضحّوا بحياتهم على هذا الطريق، وأخصّ بالذكر الشهيد أحمد ياسين، والشهيد السيد عباس الموسوي، والشهيد فتحي الشقاقي، والشهيد عماد مغنية، والشهيد عبد العزيز الرنتيسي، والشهيد أبا مهدي المهندس، ثم القامة الرفيعة لشهداء المقاومة الشهيد قاسم سليماني… فكلّ واحد من هؤلاء بعد حياتهم المعطاءة المباركة قد ترك بشهادته آثاراً مهمة في بيئة المقاومة”.
هذه الثلة الطاهرة من الشهداء، سقطت من اجل أن تبقى القدس شامخة، سقطت من أجل أن تبقى القدس بوصلة، سقطت من اجل ان تبقى القدس عاصمة المسلمين. سقطت من اجل أن ينهض الملايين من أبناء الأمة ويسيروا على نهجهم، وعيونهم نحو القدس.. القدس اليوم باتت أقرب.