مفاوضات مسقط

عبدالرحمن مراد

 

خلال ما سلف من أيام كانت هناك مفاوضات احتضنتها عاصمة سلطنة عمان مسقط تحركت فيها أمريكا مع المبعوث الأممي، لم تأت هده المفاوضات بجديد ولكنها كانت تكرر ما تم طرحه ورفضه في السابق، وقد أعلن المبعوث الأممي فشل المفاوضات، وقال وفدنا المفاوض المتواجد في مسقط إنها لم تأت بجديد، وجل غايتها هو أن تحقق نصراً سياسياً بعد أن قامت بتشديد الضغط في الجوانب الإنسانية على المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وهما السلاحان اللذان يخضعان الحكومات والشعوب بهما وفق أبرز تجليات النظام العالمي الجديد..
غابت عن المفاوض السعودي والأمريكي وحتى المفاوض الذي يتقمص القناع الأممي ولكنه يدير الشأن البريطاني في اليمن الحقائق الموضوعية، وربما لم يفهموا الإشارات والرموز التي يبعثها الواقع في اليمن منذ بدأ العدوان وحتى اللحظة التي أعلنوا فيها فشل مفاوضات مسقط، أن الفصل بين النشاط العسكري والقضايا الإنسانية من الحقائق التي لا جدال فيها في القانون الدولي، ولذلك فاستخدام الورقة الإنسانية لتحقيق ما عجزت عنه الآلة العسكرية سقوط أخلاقي، وهزيمة نفسية وسياسية، ولن يصلوا إلى غايتهم مطلقا بمثل هذه الوسائل القذرة، فالشعب الذي يخوض معركة الحرية والكرامة منذ ستة أعوام سلفت وهو على مشارف عامه السابع ليس على استعداد لأن يفرط بالتضحيات الجسام التي بذلها في سبيل حريته وكرامته، ولن يذله التحالف ولا أدواته في الداخل ولا الخارج، وهو قد اختار طريق الحرية والاستقلال والكرامة وقد كان يعي تماما الثمن الباهض الذي سوف يدفعه في سبيل الوصول إلى الحرية والاستقلال والكرامة ولم يكن ذلك بالأمر الغائب عن باله، ولذلك لن ينجح أي مسعى لا يراعي تلك المحددات مطلقاً..
حين بدأت مفاوضات مسقط صاحبها ترويج إعلامي عن رغبة النظام الدولي في إنهاء المأساة في اليمن والوصول إلى حل سياسي بين الأطراف، على اعتبار أن ما يحدث صراع يمني/ يمني، في حين أن حقيقة الصراع وجوهره بين اليمن والتحالف الدولي الذي تقوده السعودية ومن ورائها أمريكا وإسرائيل، وهو صراع له أوجه متعددة وتتشابك فيه مصالح دولية، فالمجتمع الدولي يخوض صراعاً مع الصين التي بدأت تشكل تهديدا قد يحدث متغيرا في شكل النظام الدولي وفي أدواته وآلياته، وقد تفقد الدول الصناعية الكبرى بعض مصالحها وقد تداعت من كل حدب وصوب لدراسة الظاهرة الصينية في اجتماعات متعددة، ولن تكون اليمن بمنأى عن ذلك بحكم التقارب الجغرافي، وبحكم مشروع الصين الكبير «طريق الحرير»، وبحكم التواجد الصيني في ميناء غوادر المطل على بحر العرب، وهو ميناء باكستاني استأجرته الصين لمدة أربعين عاماً.
فالترويج الإعلامي المصاحب للمفاوضات يريد أن يطيل أمد الصراع في اليمن كنوع من التضليل الذي تنتهجه الرأسمالية منذ حكمت العالم، فهو في ظاهره عبارة عن رغبة في السلام وفي باطنه تزييف للحقائق وللوقائع، فالحصار المستمر لا يعني مطلقا سلاما ولا رغبة فيه، ولكنه يعني استمرارا للحرب بطرق غير إنسانية وغير أخلاقية، والتحكم في السيادة الوطنية لا يعني سلاما بل احتلالا مكتمل الأركان والصفات ومن المستحيل القبول به، ولم تكن مطالب الوفد المفاوض اليمني سوى ما هو حق مشروع في النظم والقوانين والأعراف الدولية وهو «وقف الحرب بشكل كلي وشامل، رفع قيود الحصار بشكل كلي وكامل، احترام السيادة اليمنية على الأرض وخروج المظاهر المسلحة الأجنبية من كل اليمن، عودة الحياة إلى طبيعتها، الدخول في تسوية سياسية بين اليمنيين دون وصاية أو تدخل خارجي وبرعاية أممية».. مثل هذه المطالب لم تصل إلى الرأي العام العالمي، وكل الذي يصل إلى الرأي العام العالمي والدولي هو رفض صنعاء للسلام..
الإعلام بقوم بتزييف الحقائق ولا ينقلها كما هي، ولذلك نحن مطالبون اليوم بتكثف نشاطنا السياسي والدبلوماسي والإعلامي والثقافي لكشف زيف النظام العالمي وتضليله للحقائق، كي يدرك الكون حقيقة الصراع الذي تديره أمريكا في اليمن وما أحدثت من جرائم في حق الإنسان اليمني، وما أحدثت من تدمير وفساد كبير..

بعد الإعلان عن فشل مفاوضات مسقط سارعت أدوات التحالف إلى تكثيف نشاطها وهو نشاط لم يعد يعني شيئا في معايير الواقع بعد أن تكشفت الحقائق كلها وأصبحت مقروءة لا يحيد عنها إلا من كان في عمه الطغيان، ولعل أبرز تلك الأنشطة زيارات رئيس حكومة الفنادق، ووصول شحنة أسلحة إلى سقطرى، وإعلان الانتقالي قرب استعادة دولة الجنوب، وهي أوراق أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد ذات قيمة تفاوضية في معيار التبدل الذي حدث في المسار العسكري، فنحن ندرك أن معركتنا مع العدو قد تجاوزت تلك الأوراق، وندرك أن العدو قد فقد مقومات وجوده ولم تعد له قيمة، ولذلك أصبحت مقاليد المعركة وزمامها في يدنا، فنحن من يتحكم فيها اليوم على كل المستويات سواء العسكرية أو الثقافية أو السياسية .

قد يعجبك ايضا