تقاطرت الوفود إلى مسقط هذا الأسبوع بغرض بحث الملف اليمني بما ينطوي عليه من أبعاد سياسية وعسكرية وإنسانية، فبعد وصول وزير الخارجية السعودي والمبعوثين الأمريكي والأممي والوفد البرلماني الامريكي ايضا، شاعت أجواء إيجابية، لأن مجرد عودة هؤلاء يعطي زخما للمساعي الملحوظة لدفع الملف اليمني باتجاهات جديدة.
هذه الأجواء استنتجت من خلال هذه العودة المتكررة من قبل المبعوثين مارتن غريفيث، وليدركينغ، لا سيما بعد أن كانت الزيارة الأولى للمبعوث الامريكي قد انتهت دون أية نتيجة، وصرح ليدركينغ حينها بانه لن يعود إلى المنطقة إلا إذا تلقى إشارة يمنية بالاستعداد للسلام حد تعبيره، وهو الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن العودة هذه المرة، مختلفة، ويمكن أن تحمل نتائج جديدة، بسبب تنازل متوقع من احد الطرفين، إذ لا بد أن تستند عودة المبعوث الامريكي إلى تحقق شرطه للعودة، وإما تغير الخطة الامريكية المقترحة للعودة إلى مسار السلام المفترض، بما يحقق المطالب اليمنية.
الواضح إلى الآن من خلال ما رشح عن هذه الزيارة هو أن أيا من هذه الاحتمالات لم يتحقق، فتغريدة رئيس الفريق اليمني المفاوض محمد عبدالسلام، أشارت إلى أن الامربكيين لا يزالون عند مواقفهم ومقترحاتهم السابقة، التي تركز على مارب فقط، لإنقاذ آخر معاقل مرتزقة العدوان في شمال البلاد، وحماية مليشيا حزب الإصلاح وعناصر القاعدة وداعش، في حين تتجاهل بقية أجزاء الملف، لا سيما الإنسانية منها، بل وتستخدمها كوسيلة للضغط والمساومات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن موقف اليمن لا يزال على حاله أيضا، ولا يزال التمسك بشمولية الحل لكل أجزاء الملف اليمني، ووقف العدوان بشكل شامل، ورفع الحصار بشكل كامل، هو المدخل الحقيقي لبناء السلام، وإتاحة الفرصة للجلوس إلى طاولة مفاوضات تضمن التوصل إلى حلول ناجعة، تكفل لليمن سلاما مستداما واستقرارا وسياة واستقلالا.
وهكذا يبرز السؤال كبيرا.. لماذا إذن عاد المبعوثان الامريكي والأممي والوفود التي تقاطرت إلى مسقط مؤخرا؟ وهل جاءت بخفي حنين، حسب تعبير عضو الفريق الوطني عبدالملك العجري؟
ربما نجد الإجابة في الشق الأخير من تغريدة عبدالسلام والتي تشير إلى تحركات مستجدة في مجلس الأمن لإصدار قرار يطالب بوقف إطلاق النار في مارب على وجه الخصوص، حيث يبدو واضحا أن هذه الوفود قد وصلت إلى مسقط لإطلاع الفريق المفاوض على مضامين القرار المرتقب، والاستقواء بمجلس الأمن في فرض الاجندات الامريكية مرة أخرى، بطريقة تنتهك القانون والمواثيق الدولية التي تؤكد على حرية الشعوب واستقلالها وتقرير مصيرها.
من خلال تجربة اليمن مع مجلس الأمن، وقراره 2216، فإنه يمكن التأكيد بقوة على عدم جدوائية أي قرارات أممية لا تأخذ في الحسبان حقوق اليمن كاملة وفق المواثيق والشرائع السماوية والوضعية، في تقرير مصيره والدفاع عن نفسه وبسط سيادته على كل كامل أراضيه، فضلا عن تجاهلها لتضحياته الجسيمة على مدى اكثر من ست سنوات، فهكذا قرارات ليست منطقية ولاترقى إلى مستوى تلك التضحيات وتلك العزة والكرامة، بالتأكيد لا يلبسها شعب مثل هذا الشعب ولا يقبل بها، وكما صبر على ظلم سنوات مضت، لا يزال بعون قادرا على المواجهة، وسيرى العالم من هو صاحب النفس الطويل، ومن سيضحك في الأخير، ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)).