يمثل الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في روسيا، حيث يعد المسلمون أكبر أقلية دينية في البلاد، لكن بعض سكان الشمال من المسلمين يواجهون ظروفا صعبة أثناء صيام شهر رمضان.
حيث تغرب الشمس في المناطق الشمالية من روسيا في وقت متأخر جدا، أو قد لا تغرب مطلقا لـ 62 يوما فيما وراء الدائرة القطبية، وهو ما يسمى باليوم القطبي. وفي منطقة مورمانسك، أقصى نقطة شمال العالم يتعيّن على المسلم هناك صيام 24 ساعة بالتمام والكمال، لمدة 30 يوما، إذا ما صادف توقيت الشهر الكريم هذه الأيام، وهو أمر شاق على الصائم.
حول هذه القضية يقول رئيس الإدارة الدينية للمسلمين في مورمانسك المفتي، “رائيل بيكينيايف”، إن هناك فتوى خاصة بالنسبة للمسلمين القاطنين في أقصى المناطق الشمالية، “بإمكانية اتباعهم مواقيت الإمساك والإفطار بحسب مدينة مكة في المملكة العربية السعودية أثناء شهر رمضان”، وتابع المفتي “أمّا نحن فنقع على خط عرض 69 درجة شمالا، ونتبع إمساكية خط عرض 45 وهو مواز لشبه جزيرة القرم”.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد المسلمين في روسيا، حيث لا تجبر الدولة مواطنيها على الإعلان عن دياناتهم في الوثائق الرسمية، إلا أن إحصاء عام 2002م توصل إلى أن عدد المسلمين في روسيا هو 14.5 مليون نسمة، ما كان يمثل آنذاك 10% من تعداد السكان، بينما يشير مركز بيو للأبحاث – وهو مركز بحثي أمريكي يعمل في مجال أبحاث الشعوب والنشر، إلى أن المسلمين يشكّلون نحو 11% من إجمالي سكان روسيا، بينما يتوقع المركز أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 13% بحلول عام 2030م، وإلى نحو 17% بحلول عام 2050م.
كذلك يشكّل المسلمون أغلبية سكان جمهوريتي بشكورتوستان وتترستان (منطقة نهر الفولغا)، ويسود الإسلام بين القوميات الواقعة شمال منطقة القوقاز بين البحر الأسود وبحر قزوين ومنهم الشركس والبلقار والشيشان والإنغوشيون والقبرديون والقراشاي وعدد من شعوب داغستان، كما تشهد مناطق أخرى من البلاد تزايدا ملحوظا للسكان المسلمين في موسكو، وضواحي أورنبورغ بالإضافة إلى جمهورية أديغيا ومقاطعة آستراخان في المنطقة الفيدرالية الجنوبية، وهناك أكثر من 5000 منظمة إسلامية مسجلة على أراضي روسيا، ما يعادل سدس عدد المنظمات الدينية الأرثوذكسية المسجلة في البلاد.
وبالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان في بلاد مترامية الاطراف مثل روسيا فهناك فتاوى تقول إن على المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل ، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، ومن عجز عن إتمام صوم يومه لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 ، وقال الله تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286 ، وقال : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78.
من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة ، وأن يقدروا لها أوقاتها ، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال : (يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) َ.
وهناك من العلماء من يقول يقدر اليوم بالتساوي فيجعل الليل اثني عشر ساعة والنهار مثله، لأن هذا قدرهما في الزمان المعتدل والمكان المعتدل.
وقال بعضهم: يقدر بحسب مدتهما في مكة والمدينة، لأنهما البلدان اللذان نزل فيهما الوحي، فتحمل مدة الليل والنهار على المعروف فيهما إذا لم تعرف للبلد مدة ليل ونهار خاصة به، وقال بعضهم: يقدر بحسب مدتهما في أقرب بلد يكون فيه ليل ونهار يتعاقبان في أربع وعشرين ساعة، وهذا أقرب الأقوال إلى الصحة، لأن إلحاق البلد في جغرافيته بما هو أقرب إليه أولى من إلحاقه بالبعيد، لأنه أقرب شبهاً به من غيره، لكن لو شق الصوم في الأيام الطويلة مشقة غير محتملة بحيث لا يمكن تخفيفها بالمكيفات والمبردات ويخشى منها الضرر على الجسم أو حدوث مرض، فإنه يجوز الفطر حينئذ، ويقضي في الأيام القصيرة؛ لقوله تعالى في سياق آيات الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَءَاتُواْ الزكاةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }؟
وخلاصة ما سبق: أن من كان في بلد فيه ليل ونهار يتعاقبان في أربع وعشرين ساعة لزمه صيام النهار وإن طال، إلا أن يشق عليه مشقة غير محتملة يخشى منها الضرر، أو حدوث مرض فله الفطر وتأخير الصيام إلى زمن يقصر فيه النهار.
وبجميع ما تقدم يتبين أن الواجب على هذه الجالية هو فعل الصلوات في أوقاتها، وكذا يلزمهم الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن شق عليهم الصوم بحيث كانوا يخشون الضرر فإن لهم الفطر ويقضون الصوم في الأيام القصيرة، وأنهم لا ينتقلون إلى التقدير إلا إذا لم تتمايز الأوقات وحينئذ يقدرون الأوقات بحسب أقرب البلاد التي تتمايز فيها الأوقات إليهم على الراجح .. والله أعلم.