مع إطلالة شهر رمضان المبارك من كل عام ، وخلال أيام وليالي الشهر الفضيل يكثُر تداول الأحاديث النبوية المتعلقة بالصيام وفضائل شهر رمضان ، ويكون ذلك في كثير من الأحيان دون التأكد من صحّة الحديث المتداول ودرجة صدقه، ومن ذلك حديث « أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ».
اتفق الكثير من شيوخ الإسلام والفقهاء والعلماء إنّ حديث أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار هو من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا يُحتجّ بها، وقد ورد هذا الحديث عن سلمان الفارسي أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خطب في المسلمين خطبة مطوّلة وقال فيها: “وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ“، وقد ورد هذا الحديث في كتاب صحيح الجامع للشيخ الألباني على أنّه حديث ضعيف، كما ورد في كتاب السلسلة الضعيفة أنّه حديث مُنكر .
وقال عنه البخاري إنّه حديث لا يُحتجّ به، وقال كلّ من الإمام أحمد ويحيى بن معين أنَّ هذا الحديث ليس بشيء، وبعد بيان عدم صحة حديث أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار سننتقل لتوضيح الدلائل على ذلك، فعند التعمّق في معنى الحديث نجدّ بعض المعاني التي تُخالف المقاصد والغايات الإسلامية، كما تُخالف ما ورد في فضل شهر رمضان المبارك، فإنّ شهر رمضان كلّه عبارة عن شهر للمغفرة والرحمة والعتق من النار، ولا وجود لأيام مختصة بالرحمة والعتق من النار دون أيام أخرى، كما إنّ في رواية هذا الحديث انقطاع وهو حديث وارد عن سلمان الفارسي وقال سعيد بن المسيب إنّه لم يسمع به من سلمان الفارسي رضي الله عنه، كما إنّ الخطبة الواردة التي تشمل هذا الحديث تحتوي على كلام منافٍ لأساس العبادات الإسلامية، وذلك في قول :”من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة”، وإنّ الفرائض والنوافل تختلف في الدين الإسلامي من حيث الأجر والأحكام والتشريع، وقد نفى هذا الحديث الشيخ الألباني ووصفه بأنّه ضعيف ومنكر ووضعه ضمن السلسلة الضعيفة من الأحاديث.
حكم رواية الحديث الموضوع
قال علماء الإسلام إن تداول الأحاديث الموضوعة والمنكرة هو من الأمور المحرّمة في الإسلام والتي تؤدّي بصاحبها إلى النار، وقد ورد ذلك في حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قوله: “مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ“، فإنّ تداول هذه الأحاديث غير جائز شرعًا إلّا في حالة واحدة وهي أن يهدف الإنسان من رواية الحديث الضعيف أو المنكر أن يُحذر الناس ويُعلمهم بضعف الحديث، وعدم صحّة تداوله فيما بينهم
وعموما شهر رمضان هو شهر العطاء والرحمة والمغفرة من رب العالمين،
وقد وجهنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن نغتنم شهر رمضان ونسعى إلى مغفرة الله فيه عن طريق الإيمان بتلك الفريضة العظيم .. فريضة الصيام، وأن نؤديها على أكمل وجه، ثم نحتسب الأجر من الله الكريم، لتكون النتيجة أن يغفر الله ما تقدم من ذنوبنا.
وكذلك قيام الليل في رمضان وإحياء لياليه بالصلاة والذكر والتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن وغيرها من الطاعات هي سبيل آخر لنيل مغفرة الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم قال النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وخاصة في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها تتنزل الرحمات على من قام فيها وأحياها تائبًا لله وحسنت طاعته، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».
ومن أسباب المغفرة أيضًا في هذه الأيام المباركات الاستغفار خاصة في الجزء الأخير من الليل، فما أجمل الاستغفار وقت السحر، فقد ذكر الله تعالى في سورة الذاريات من صفاتِ المتقين ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾ (الذاريات) وقال في سورة آل عمران ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾، وهذا يدل على قيمة الاستغفار في وقت السحر.
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! هل من سائلٍ فيعطَى سؤلَه؟! حتى يطلع الفجر».
ونحن نقوم في هذا الوقت لتناول طعام السحور، فعلينا أن ننتهز هذه الفرصة ونجعل لنا وردًا من الاستغفار في هذا الوقت المبارك، لعل الله يتقبل منا ويغفر لنا ذنوبنا ويكتبنا في عباده المتقين.