مساء الاثنين الماضي تعمدْتُ الاتصال بمكتب فضيلة المفتي العلّامة الحُجة شمس الدين محمد شرف الدين للتأكد من دخول رمضان ، كان الوقت مبكراً الساعة السابعة والنصف مساءً، فأجابني نجله محمد – أطال الله في عمره – قالوا: لا يزال شعبان ويوم الثلاثاء هو رمضان ، قد يبدو الأمر عادياً وغير لافت للنظر في نظر الكثير ، لكنه لدينا من تعاطينا مع الأخبار، بالذات الإعلان عن دخول رمضان أو خروجه يُمثل الكثير، لأننا وخلال ثلاثين عاماً كنا ننتظر هذا الخبر بفارغ الصبر، ليس من قبيل الشيء الذاتي وإنما كي نُعلن الخبر للناس، كنت دائماً أتصل بالقاضي العلامة المرحوم محمد إسماعيل الحجي – نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى – آنذاك، لأن المجلس كان المعني بإعلان دخول رمضان أو خروجه ، فكانت الإجابة المعتادة “انتظر لم يأت الخبر من الحديدة”، ثم يتصل هو من تلقاء نفسه ويقول:” جاء الخبر من الحديدة بأن غداً رمضان”، لكننا منتظرون الإذن من الرئاسة، ويأتي الخبر من الرئاسة مثل الصاعقة، انتظروا الإعلان من السعودية وتابعوا ما تعلن عنه السعودية.
مما تقدم يبدو أن العبارة بدأت تتضح ويدرك الكثير خلفية النكهة ، فيشعر بفخر أن دماء الأبطال الزكية الطاهرة التي سالت في الوديان والجبال لم تكن من باب العبث أو الفسحة، لكنها مثلت لبنة هامة في طريق استعادة السيادة والكرامة والاستقلال وامتلاك الإرادة الذاتية والقدرة على اتخاذ القرار بصيغة يمنية بحتة ، هذا ما اتضح من كلام مفتي الجمهورية- أطال الله عمره، وأنه بالفعل قد تابع مراقبي الأهلة في الحديدة وتلقى منهم الخبر، ولم ينتظر ليستأذن أحداً أو يتابع الإعلام السعودي ويتقيد بما يصدر عنه كما كان في الماضي، وهنا مربط الفرس، إذ يتضح أن الحقد الكبير من قبل آل سعود على اليمن، ومحاولتهم الحثيثة لإعادة هذا البلد العريق إلى بيت الطاعة – كما كان طوال العقود الماضية- حيث كانت السعودية هي التي تتحكم في كل شيء، في كل صغيرة وكبيرة، حتى في تعيين مسؤولي الدولة من مدير عام فما فوق، بالذات في بعض الوزارات والمحافظات، فلقد حدثت أزمة كبيرة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما تم تعيين وكيل محافظة حجة لشؤون المناطق التهامية، في تلك الأثناء قامت الدنيا ولم تقعد، القرار أغاض السعودية جداً واعتبرته تمرداً عليها، مما اضطر رئيس المجلس الجمهوري آنذاك القاضي عبدالرحمن الإرياني – رحمه الله – إلى الاعتذار والتوجيه بتعيين شخص آخر، هكذا كنا وهكذا كانت البلاد شبه مستعمرة بطريقة غير مباشرة، الغريب أن المشائخ والمسؤولين الذين كانوا يتلقون مساعدات مالية من السعودية، كانوا هم من يثيرون الضجة إذا حدث شيء مخالف لما تريده السعودية، وكأنهم الوكلاء لهذا النظام ، وبالتالي نحس اليوم بأننا استقبلنا رمضان بنكهة يمنية وقرار يمني ذاتي نابع من إرادة كل يمني شريف ومخلص صادق الانتماء لهذا الوطن، وهذا هو المكسب الكبير من الثمن الفادح الذي دفعناه ، فلقد قدمنا تضحيات كبيرة لكنها تهون مقابل ما تحقق من مكاسب، وأهمها هذا المكسب المتعلق بالسيادة والاستقلال وامتلاك الإرادة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب .
الخطورة الشديدة كانت تكمن في أن السعودية عملت على تحريك المشاعر الدينية لدى البسطاء من أبناء الشعب ، ووظفوا نفس العاطفة لتحقيق الرغبات الخفية، فاتبعوا أسلوب الاستغفال وتهييج المشاعر الرافضة للآخر المخالف والقابع في مذهب آخر غير الوهابية، وهكذا كادت السعودية أن تستولي على كل شيء، بما في ذلك تحديد المناسبات والطقوس الدينية، وكان الأمر يسير وفق إرادتها، حتى أنهم كانوا يراقبون المساجد للتأكد أن أحداً لم يصم أو لم يفطر ، إضافة إلى منع الاحتفالات والمناسبات العظيمة، مثل المولد النبوي والإسراء والمعراج وما شابهها ، بدعوى أنها كلها بدعة وضلالة، وبعد أن تم التلاقح بين المد السعودي وجماعة الإخوان المسلمين، وبدعم مباشر من علي محسن الأحمر كان الأمن يخصص عدة طقوم للوقوف أمام المساجد التي يتوقع أن يقام فيها احتفال بأي مناسبة من المناسبات، بل وصل الأمر إلى إيداع السجن كل من يحتفل بيوم الغدير أو أي مناسبة تصب في نفس الاتجاه، كل ذلك من أجل أن تحقق السعودية كل ما تريد من إهانة وإذلال لهذا الشعب وتدفع اليمنيين إلى التعاطي بنفس العاطفة الساذجة لتعميق العصبية والكراهية والعنصرية والعنف، خاصة أن أتباع السلفية الجهادية والوهابية كانوا يشيعون أنهم هم الإسلام وحدهم ، وأن غيرهم إما كفار أو على ضلالة، وهم وحدهم على الحق وعلى استعداد للموت دفاعاً عن العقيدة كما يرونها هم، ومن هذا الفكر الشيطاني اللعين ولدت الكثير من الجماعات الإرهابية وأصبحت تلعب كما تشاء وترهب الناس كما تُريد، وكأنها تتصرف بأمر الله، فضاق اليمنيون ذرعاً بهذه التصرفات ، واليوم الكل قابع في خندق الشرف والكرامة لمواجهة ذلك الصلف الذي لو استمر سنوات فقط لما سُمي بالربيع العربي لأصبحت اليمن منطقة من مناطق السعودية، كما كان يُريد الإخوان المسلمين، من استولوا على ثورة الشباب وحولوها إلى فعل ذاتي خاص، الموضوع شائك وله بقية نكملها في الأسبوع القادم إن شاء الله .. والله من وراء القصد ..