إنَّه رمضان.. يطرقُ الأبوابَ على منازلنا ليهِلَّ ضيفاً عزيزاً مُباركاً، وأتى إلينا ليجلبَ معه الخيرَ ويُرشِدَنا إلى طريق الرشاد ويُربيَنا على الإحسان والصبر وهجران الفسوق وَالعصيان والعودة إلى الله لطلب الرحمة والغفران.
شهر الغفران في اليمن له أجواؤُه الروحانية وطقوسُهُ الخاصّة بنكهة يمنية أصيلة عذبة خرجت من ينبوع هويّته الإيْمَانية وحكمتهُ اليمانية.. فقُبيل أذان المغرب تعلو مآذن صنعاءَ برحيق تراتيل ”القريطي“ وشذى عطر تلاوة ”عامر“ اللذين ربطا تلاوتهما الشجيّة للذكر الحكيم في رمضان خاصّة وأن اليمانيين اعتادوا سماع تلاوة الشيخين المرحومين في شهر رمضان.. كأنهما نوعاً من أنواع الأطعمة الرمضانيّة.
شهر الإحسان الذي اتخذ اليمانيون منهُ وسيلة للتكافل الاجتماعي والإحسان إلى الغير والتعاملُ بالتواضع والتقوى، كيف لا وقد وضع اللهُ تعالى ميزان التقوى عاملاً أساسياً في إصلاح وتربية نفسُ المرء وخَاصَّــة في رمضان، حَيثُ أنَّ التقوى هي ”كحالة نفسيّة تسيطر على مشاعرنا“ كما قال السيّد القائد حفظه الله.. وكما يُكرر الله سبحانهُ عدّة مرات في كتابه المُحكم ”لعلَّكم تتقون“.
شهرُ القُرْآن الذي أُنزِلَ فيه خير كتاب وخير دستور وخير منهج، شهر له ليلة القدر فهي خيرُ من ألف شهر.. شهر تنزَّلت فيه الملائكة والروح لرسول الله صلوات الله عليه وآله.. شهر يتخذُ فيه المؤمن القُـــرْآن خير دليل ليُطبّق ما أمره جلَّ جلاله وما نهى عنه.
شهر الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض، حيثُ يُسارع المجاهد اليماني في سبيل الله إلى ميدان الصبر والتجلُّد والتنافس ليُنكِّل عدوهِ الأحمق الذي لا يحترم أشهر الحرم.. وتحت حرّ الشمس الشديدة يتحمّل المجاهد كُلّ أعباء ومشقّة الجوع والعطش لينالَ من الله الرضوانَ والأجر والفوز العظيم.. والقاعدون في بيوتهم والمُتقاعسون عن الجهاد والإنفاق في سبيل الله، لم يُدركوا إدراكاً تاماً بأنَّ الذي قال ”كُتِبَ عليكم الصيّام“ هو نفسُهُ الذي قال ”كُتِبَ عليكم القتال“ وكلتا الآيتين مرتبطة بمعنى واحد.
شهرُ البركات فرصة ذهبية في وصول الإنسان إلى طريق الله الأعظم، وفرصة في تغذية أنفسنا بالطاعات والأعمال الصالحة.. وكذا استمدادنا بالطاقة الإيْمَانية وزاد التقوى، وما أحسن حال من استغل هذه المنحة الإلهية العظيمة وأجاد فيها.. وما أتعس حال من ضيّع وفوَّت هذه الفُرص العظيمة وفرَّط فيها !