عطاء الشهداء والجرحى وواجبنا نحوهم

 

رجاء المؤيد

بعد ستة أعوام من عدوان شرس ظالم تحالف فيه وتحزَّب على بلادنا أئمة الكفر والنفاق في العالم رغبة منهم في امتهان كرامة هذا الشعب المؤمن وثنيه عن اختيار طريق الحق والعزة والكرامة، وعن رغبته في الاستقلال وعدم التبعية لدول الاستكبار العالمي التي تستضعف الشعوب، وتنهب مقدراتها وثرواتها، بحيث تبقى شعوباً فقيرة تستجدي منهم ما هو لها في الأصل، والأهم من ذلك هدف العدو في إضلال هذه الشعوب، وحرفها عن الصراط المستقيم كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عن اليهود وعدائهم للمسلمين ورغبتهم في أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ وهذه هي أهم الأسباب التي يسعى لها أعداؤنا الذين حذرنا الله منهم ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلا﴾ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا﴾ وأهم شيء اتبعناهم فيه، ويؤكد هذا المضمون أن ما تسمى بالتعددية السياسية أو المذهبية هي مما يفرق الأمة وحذر الله منها ورسوله عندما ذكر كيف تفرقت الأمم السابقة من اليهود والنصارى وأن أمته ستتفرق وكل هذه الفرق على ضلال وفرقة واحدة هي الناجية لنرى ما ذكره الله في قوله تعالى عن الفرقة وأنها من الشرك والمشركين قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ كذلك فعدونا لا يحب لنا الخير أبداً ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ ومن أساليب العدو حرف المفاهيم وتلبيس الحق بالباطل ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِل وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وهذا من أهم أساليبهم في العدوان وإضلال الشعوب وتطويع الناس للشيطان عدوهم الأول وأوليائه ومعصيتهم لله رب العالمين الذي كرمهم وفضلهم على كثير ممن خلق واستخلفهم في الأرض لنشر العدل، وعمارة الأرض، ونشر الرحمة والخير في كل الأرض، والأمان لكل الناس، ومنع الظلم والشر ومقاومته بكل الوسائل، وهذا ما أمرنا الله به في كتابه العزيز بعدم تولي الشيطان وأوليائه الذين كفروا من اليهود والنصارى والأعراب الذين اتخذوا المشركين أولياء من دون المؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ والأشد من ذلك مدوا للمؤمنين يد العداء والبغض، ولكل من أعلن ولاءه لله وعدائه للشيطان وأولياء الشيطان أولهم أمريكا الشيطان الأكبر، وكذلك إسرائيل الغدة السرطانية التي زُرعت في قلب الأمة تنهش وتدمِّر كل ما حولها، تنهب الأراضي، وتبني مستوطناتها في الأراضي الزراعية، كما ينتشر السرطان في الجسد ويصيبه بالإعياء، وتقتل شباب ورجال الشعب الفلسطيني الذين لم يقبلوا بوجود هذا الكيان الغاصب، ولم يعترفوا به.
لكن ما يحدث من قبل الأنظمة هو العكس، حيث تجدهم يمدون يد السلام للعدو، ويتنازلون له المرة تلو الأخرى حتى تجرأ معتوه الولايات الأمريكية (ترامب) ليعلن القدس عاصمة لإسرائيل، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على حالة من الذل والهوان وصلت إليها أنظمة وحكام الوطن العربي والإسلامي إلا من رحم الله ممن يرفضون الكيان الصهيوني الغاصب، ولا يرضون بالتبعية لأمريكا والصهيونية العالمية، ومنهم بلادنا بعد انتصار ثورة 21سبتمبر التي ما إن انتصر شعبنا اليمني على النظام العميل حتى أعلن تحالف الأعراب من المنافقين بقيادة أمريكا وإسرائيل الحرب الظالمة على الشعب اليمني المؤمن ظناً منهم أنه لن يأخذ العدوان عليه وإخضاعه لبيت الطاعة الأمريكي غير شهر أو أكثر على أكثر تقدير، كانت لديهم ثقة بالغة بأن هذا الشعب لن يستطيع أن يواجه أكثر من هذا الوقت بعد أن تم تدمير الشعب على مدى عشرات السنين اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، وآخرها ما حصل في عهد الفار هادي من إعادة هيكلة الجيش، وإتلاف ما كان موجوداً من الصواريخ، وتفجير الطائرات القليلة والقديمة، حتى لا يكون لدى هذا الشعب أي أداة يستطيع بواسطتها الدفاع عن نفسه.
ولم يعلموا أن ما يمتلكه المجاهد اليمني من عقيدة إيمانية عالية كفيلة بجعله يقاتل ويدافع بما يمتلك من سلاح بسيط، وبما يمتلكه من إيمان وثقة بالله القوي العزيز الذي لا يُخلف وعده، فقد وعد الله بنصر من ينصره، ويستجيب لأوامره، وهذا المجاهد اليمني المؤمن الذي يخرج إلى الجبهات لله وفي سبيل الله بدون أجر، وبدون مقابل دنيوي، بل رغبة في نيل الأجر والثواب من الله تعالى، وبما أعد له من مكانة عالية وشرف عظيم، فالمجاهد يخرج للقتال والدفاع عن دينه وعرضه ووطنه كما أمر الله تعالى المؤمنين بقتال المشركين والمنافقين والمعتدين ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، وكذلك نهى الله المؤمنين عن الوهن والحزن بسبب ما يصيبهم من قتل وجراح وألم، فإن العدو كذلك يُقتل ويُجرح لكنه الخاسر بعدم إيمانه، فقد وعد الله المجاهد بإحدى الحسنيين، إما النصر على العدو، أو الشهادة ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، والشهادة بحد ذاتها نصر شخصي يحصل عليه المجاهد بعد انتهاء مهمته، فيحصل على وسام إلهي عظيم، هو نيل الحياة الأبدية في مقام عالٍ عند الله إلى جوار الأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهذا المقام والامتياز الذي يحصل عليه الشهيد هو الربح الوفير ناله مقابل تجارة مع الله تعالى، بيع النفس والمال مقابل الفوز بالجنة والنجاة من النار ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وهذا المقام العالي عند الله مقابل الصدق في العهد؛ لأن المجاهدين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وصدقهم الله عهده؛ لأنه لا يخلف العهد، وعطاء هؤلاء المجاهدين قابله الله بعطاء أكبر وأكثر؛ لأن عطاء الكريم يقابل بعطاء أكبر من الله الأكرم، إلى جانب المكانة العظيمة، والأجر والثواب من الله، ومغفرة الذنوب، فبعطاء المجاهدين يجني البقية النصر والفتح المبين ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وذلك مقابل الدماء الزكية التي روت الأرض، وسقت شجرة العزة والكرامة لكل أبناء الوطن، ولا ننسى الشهيد الحي الذي قدم جزءاً من جسده، وهو الجريح يحيا بقية عمره معاقاً جسدياً، وقد تكون حالة الإعاقة كبيرة قد تتسبب له بتعب نفسي إذا لم ينخرط في المجتمع، ويحيا حياته الطبيعية، ويتوفر له العمل الذي يتناسب مع إعاقته، أما إذا كانت إعاقته إعاقة كلية وليست جزئية، فلا ينبغي أن يترك دون إعالة من الدولة، وينبغي أن يخصص له راتب شهري يضمن له حياة كريمة، وكذلك لا ينبغي أن ينسى المجتمع فضل هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم لنحيا ويتّموا أطفالهم لينعم أطفالنا بالسعادة، هؤلاء الشهداء الذين لا يمكن أن نفيهم حقهم أبداً، فهم الصادقون الكرماء الذين يعجز اللسان عن وصفهم، ولن يعرف قدرهم وفضلهم إلا الله الرحمن الرحيم الذي قابل عطاءهم وجهادهم وتضحياتهم بما يستحقونه من الجزاء والفضل العظيم، قد لا نستطيع أن نكرم الشهداء والجرحى بالعطاء المادي لكن بإمكاننا تكريمهم في الجانب المعنوي والإحسان إليهم، ومواساتهم بالكلمة الحسنة، ونعطف على صغارهم، ولا نزجرهم بعنف، فقد وصف الله المكذِّب بالدين بأنه يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، والذي رغم صلاته فهو من المعذبين في نار جهنم؛ لأن صلاته لم تنفعه في عمل المعروف، ولم تنهه عن ترك المنكر، لذا علينا ألا نتهاون في هذا الأمر، ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وقبل أن نصلى سقر، وقبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه شفاعة الشافعين، ولا ينفع فيه مال وبنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

قد يعجبك ايضا