حمام الدم….!¿ الحلقة الثالثة والأخيرة

(ملخص ما نشر في الحلقتين الماضيتين)
تبلغ مركز شرطة الشهيد السياغي بالعاصمة صنعاء من أحد المستشفيات عن وصول شاب قتيل تعرض لعدة طعنات وذبح من رقبته.. فانتقلوا من المركز للمستشفى وقاموا بإجراءاتهم الأولية حول الجثة وكذا بالتحفظ على الأشخاص المسعفين ومنهم شقيق المجني عليه الأٍصغر على ذمة الاستنطاق وكانت الجريمة قد وقعت في حمام المنزل وعثر على الأشياء بداخل غرفة النوم مبعثرة وفي حالة عبث وكذلك في بعض الغرف الأخرى.. وتبين من خلال الإفادات والمعلومات والاستدلالات التي تم جمعها من قبل رجال المتابعة والتحقيق والمشكلين من شرطة المركز وأمن منطقة السبعين لكشف ملابسات الجريمة وغموضها بأن المجني عليه وأمه وأخاه الأصغر يعيشون لوحدهم بالمنزل بينما أباه متزوج بامرأة أخرى ولها منها أولاد وبنات ويعيشون مستقلين في حارة بعيدة عن حي الأصبحي بنطاق العاصمة وأنه في يوم الواقعة كان الشاب القتيل بمفرده بالمنزل بعد أن تركته أمه وخرجت من عنده لمشوار يخصها وكذلك خرج أخوه الأصغر للمقيل “التخزين” وأصحاب له في السايلة وعاد بعد العشاء ليجد أخاه بداخل حوض الحمام مطعوناٍ وتسيل منه الدماء فخرج للاستغاثة بالجيران وقام هو وثلاثة شبان من الحارة بنقل أخيه للمستشفى في محاولة لإسعافه ولكنه كان مفارقاٍ للحياة قبل إيصاله.. كما اتضح من التحقيقات أن المجني عليه كان من النوع المسالم والمؤدب المخلق في تعامله مع الآخرين وليس له خلاف أو عداء مع أحد ولكن ثمة سرقة حصلت وقت وقوع الجريمة وهي اختفاء حزام ذهب يقدر ثمنه بمليوني ريال وأشياء أخرى خاصة بالأم فقدت من غرفة نومها وهذا ما جعل ضباط البحث يميلون بترجيحهم إلى أن دافع الجريمة هو السرقة.. غير أن بعض الشباب من أصدقاء المجني عليه ورد في شهاداتهم بما يفيد أن المجني عليه حكى لهم أكثر من مرة عن مغامرات له وعلاقات مع فتيات وكذلك أفاد أحدهم أن الشاب أحضر ذات يوم برفقته على سيارته التاكسي فتاة وأدخلها منزلهم وقد حدث شجار بينه وأمه بسبب ذلك… فشك فريق البحث على إثر هذه الشهادات ووضعوا في افتراضهم أن الدافع إلى جانب السرقة ربما يكون الانتقام بسبب إحدى تلك الفتيات… إلا أنه ظهر بعد ذلك ومن خلال إفادة الأخ الأصغر سلمان في محضر تكميلي معه بما يؤكد أنه قبل حوالي شهر كان في محل أتاري مع بعض أصحابه الشباب وقبل مغادرته له فوجئ بأحدهم وهو الشاب المدعو ساخم يعطيه مفاتيح وهي خاصة بالبيت وغرفة نوم أمه وخزنتها قائلاٍ له: أنه نسيها وقد أحضرها معه للمحل ولم ينسها ولكن المدعو ساخم سرقها منه وادعى نسيانه لها عند إعادتها إليه… فتحول فريق المتابعة بعد هذه المعلومة للعودة للاعتقاد في السرقة كدافع قوي للجريمة… وها هي بقية الوقائع ومع أحداث الحلقة الثالثة والأخيرة..
على إثر إفادة شقيق المجني عليه الأخيرة وما ورد فيها عن بعض أصدقائه ومنهم الشبان الثلاثة وهم المدعوون ساخم وعلاء ووفيق وحكاية المفاتيح الخاصة بمنزل الشاب سلمان شقيق المجني عليه التي أعادها له أحد أولئك الشبان وهو المدعو ساخم عندما كان في محل الأتاري مدعياٍ أنه أسقطها أو نسيها وتأكيد الأخ سلمان ضمن إفادته أنه لم ينس تلك المفاتيح أو يسقطها وإنما سرقها منه المدعو ساخم دون أن يدري متى وكيف…¿! ثم ما ذكره هذا الأخ كذلك عن تكرار قول هؤلاء الشبان الثلاثة له ولأكثر من مرة: بأنهم يريدون أن يأتوا للمقيل “التخزين” عنده في المنزل ولكن لوحدهم وحينما تخرج أمه من المنزل ويكون الجو خالياٍ ومناسباٍ.
فعلى إثر هذه المعلومات التي أفاد بها الصبي المدعو سلمان شقيق المجني عليه الأصغر وغيرها من الاستدلالات الأخرى التي توفرت لدى البحث عن طريق التحريات وجمع الإفادات والتوسع فيها انصب اهتمام رجال البحث بالتركيز في الاشتباه على الأصدقاء أو الشبان الثلاثة المشار إليهم “علاء وساخم ووفيق” وتضييق دائرة الشك فيهم دون سواهم كونهم الأقرب للاحتمال ومحاكاة المنطق على أساس القرائن الواردة بشأنهم .. ومما زاد من تصويب ذلك الاشتباه وحصره بهم وبقوة أكبر أن أحد الأشخاص الشهود وهو من الشباب الساكنين بالحارة وأسمه صادق عمره 23 عاماٍ طالب في الإعدادية وعازب أفاد: بأنه يسكن في الحارة منذ خمس سنوات وتعرف تقريباٍ على جميع أهالي الحارة وبينه وبين العديد من شبابها صلة صداقة وصحوبية ومنهم الشبان الثلاثة: وفيق وعلاء وساخم وأنه ذات يوم قبل عشرة أيام تقديراٍ كان هو والثلاثة جالسين مع بعضهم وتكلم معه المدعو علاء كمن يسر له بأمر ويعرض عليه عملاٍ قائلاٍ له: بأنهم يريدونه معهم في شغل مهم وذلك أنهم أي علاء ووفيق وساخم يفكرون ويخططون لسرقة بيت صديقهم المدعو سلمان لأن فيه أشياء ثمينة جداٍ وينوون الدخول للمنزل وأخذها منه في الوقت المناسب ويطلبون منه أن يقبل بالاشتراك معهم في ذلك.. ولكنه رفض القبول ورد على المدعو علاء حينها: أنا لن أؤدي بنفسي إلى التهلكة بقدمي ولن أقبل بالسير في هذا الطريق ولكن الله يهديك أو يهديكم والحرام ما يدوم أبداٍ.. ثم بعدها وبالتحديد مساء يوم الواقعة صادف أنه كان متواجداٍ عند موت لدى بعض أصحابه في منطقة بيت بوس ووصله اتصال هاتفي من الشاب المدعو علاء وأخبره أثناء ذلك أنه فعل جريمة ويريد الالتقاء به للضرورة والضرورة القصوى فلم يفهمه لحظتها ورد عليه: أنه سيأتي ويقابله بجوار منزلهم ثم غادر بيت الموت وذهب والتقى بالمدعو علاء ومعه المدعو وفيق والمدعو ساخم ودخل وإياهم المنزل وكان خالياٍ ليس فيه أحد وحدثه المدعو علاء: بأنه قام بالدخول إلى منزل الشاب المجني عليه بغرض سرقته والتقى بداخله بالمجني عليه وكان يظن أن المنزل فارغ وليس به أحد ثم اشتبك مع المجني عليه وقام بطعنه وقتله داخل حمام المنزل وكان معه عند التنفيذ المدعوان ساخم ووفيق.. وبعد ذلك اتفقوا أي الشاهد وهم الثلاثة على عدم الكلام لأحد وافترقوا كل منهم راح لحال سبيله.
فكان بعد هذه الإفادة للشاهد المدعو صادق أن اتضحت الرؤية وثبتت الشبهة وتحولت إلى تهمة حقيقية لتنحصر وبلا منازع على ضوء ذلك في الشبان الثلاثة علاء وساخم ووفيق.. لينطلق رجال الفريق في متابعتهم وتقصي آثارهم حتى تم القبض عليهم واحداٍ بعد الآخر وإيصال كل منهم إلى مركز الشرطة ومنه إلى أمن منطقة السبعين كمحطة أخيرة لتبدأ هناك معهم عملية فتح المحاضر كل على حدة من قبل الضباط المحققين وتبدأ الاعترافات على لسان كل منهم الثلاثة.
الشباب المتهمون الثلاثة حسب ما ظهروا.. المتهم الأول منهم وهو المدعو علاء بدا عمره لا يتجاوز الـ18 عاماٍ وكذلك المتهم الثاني المدعو وفيق يبلغ نفس العمر 18 عاماٍ وكلاهما طالبان في الثانوية وعازب إلا أن الأول من محافظة إب والثاني من محافظة صنعاء بينما الثالث المدعو ساخم أصغر من صاحبيه بسنة في العمر أي أن عمره 17 عاماٍ وهو طالب في الثانوية وعازب كذلك ولكنه من محافظة الضالع وثلاثتهم يسكنون بذات الحارة والتي فيها منزل الشاب المجني عليه ومحل الجريمة بحي الأصبحي.
وبحسب ما خلصت إليها التحقيقات وتضمنتها الاعترافات للمتهمين الثلاثة وأيضا الإفادات والمعلومات والقرائن والاستدلالات النهائية التي تجمعت لتكون ملف إثبات الجريمة وكشف ملابساتها وحقائقها ومن البداية حتى النهاية وكما ورد في اعترافات المتهمين ومنهم المتهم الأول علاء الذي كان مما اعترف به يلخص تفاصيل ارتكاب الجريمة قائلاٍ:
بداية علاقتي ومعرفة الصداقة التي ربطتني بالشاب المجني عليه وأخيه الأصغر سلمان كانت منذ فترة بسيطة وبالتقريب منذ ستة أشهر حيث كنا نلتقي في محلات الانترنت والأتاري وأحياناٍ نلتقي للمقيل والسهر وأقرب الأصدقاء لي هما وفيق وساخم وهذان كانا من الأصحاب المقربين لشقيق الشاب المجني عليه أيضاٍ وبالأخص منهما المدعو وفيق الذي يعد الأقرب إليه وكان غالباٍ ما يثق فيه ويأتمنه على أسراره بل ويحكي له على أدق خصوصياته وعن أهم الأشياء الشخصية التي تهم البيت وتخصه هو وأمه وأخيه المجني عليه في المنزل ومنها تلك الأشياء التي حكى له عنها وأخبره بها فيما بينه وإياه ولأكثر من مرة وهي الحلي والحزام الذهب التي تخص أمه وتوجد في خزنتها بغرفة النوم وكذلك السلاح الآلي والأشياء الأخرى التي يملكونها وتوجد معهم داخل المنزل.. فكان بذلك وبعد أن عرفنا منه عن وجود تلك الأشياء الثمينة والذهب لديهم في المنزل أن بدأ الشيطان يوسوس لنا ويلعب بأفكارنا أنا وصاحبي المدعو وفيق والمدعو ساخم وبدأت هذه الوساوس والأفكار الشيطانية تحت ضغط الفقر والحرمان الذي يلف بكل منا نحن الثلاثة وبأسرته تدفعنا للتفكير بالقيام بسرقة منزل صديقنا الصبي سلمان وأخذ تلك الأشياء الثمينة التي ذكرها لنا.. حيث اتفقنا نحن الثلاثة على الفكرة ورحنا نرتب الخطة للتنفيذ.. ثم قبل عشرة أيام أو أكثر صادف أن حضر صاحبنا سلمان إلينا في محل الأتاري وكانت معه مجموعة مفاتيح يلعب بها في يده والوقت كان بعد السابعة مساءٍ وقد انتبهنا إليها أي للمفاتيح في تلك الأثناء وفكرنا بأنها ربما تكون مفاتيح البيت وأن الفرصة أتت إلينا على طبق من ذهب وعلينا استغلالها وعدم ضياعها وألا نفوتها بأي ثمن.. فتهامست أنا وصديقاي ساخم ووفيق بأن نقوم بإشغال الفتى سلمان بأي شيء وأخذ منه تلك المفاتيح من غير أن يحس ويسرع أحدنا لنسخها طبعها في أي محل قريب ثم يعود ونعيدها له قبل انتباهه لفقدانها… فاقتربت منه أنا خلال ذلك وبت أمزح معه وأشغله بإبعاد تركيزه عن المفاتيح حتى استطعت أخذها منه دون أن يشعر وبعد ذلك سارعت بالخروج من المحل وبرفقتي المدعو وفيق لطبعها في محل بشارع بيت بوس ثم عدنا لإعادتها للفتى قبل مغادرته للمحل بحوالي عشر دقائق قائلين له أنه سقطت عليه ونسيها.. وبعد طبع هذه المفاتيح وقد تأكدنا أنها مفاتيح المنزل رحنا نتحين الفرصة ونراقب خروج صاحبنا المدعو سلمان وأخيه المجني عليه وأمهما وخلو المنزل منهم للدخول إليه وسرقته وكنا أكثر ما نهم هو الأم لأنها التي في معظم الأوقات تكون جالسة في البيت ولا تخرج منه إلا أحياناٍ وأما أولادها فأغلب ساعات النهار والليل بخارج المنزل وذلك ما كنا على علم به ولهذا مضى تركيزنا في مراقبة البيت على الأم والوقت الذي تغادر فيه وخروجها منه لكي نسارع لتنفيذ العملية ولكنها لم تكن تخرج من المنزل أو نراها تغيب عنه يوما.. وظللنا كذلك نراقب المنزل من بعيد لبعيد وبالأخص خلال أوقات بعد الظهر والمساء حتى كان عصر ذلك اليوم “يوم الواقعة” والذي كان يراقب فيه المنزل رفيقاي المدعوان وفيق وساخم ورأيا خروج الأم وبعدها ولدها المدعو سلمان من المنزل ثم رأيا بعد ذلك وبوقت يقدر بساعة ونصف خروج الشاب المجني عليه منه واتجاهه داخل الحارة وقام شريكي وقتها بالاتصال بي من أحد محلات الاتصالات يعلماني أن المنزل أمسى خالياٍ والجميع خارجه وعلي الحضور حالاٍ للتنفيذ وكانت مفاتيح المنزل وداخله المنسوخة بحوزتي فسارعت بالحضور وكان رفيقاي ينتظران لي في الشارع بجوار المحل عند وصولي ثم اتجهنا للمنزل ووجدنا باب الحوش الخارجي مفتوحاٍ ومردوداٍ فدخلنا للحوش وكانت الساعة حينها الخامسة وعشر دقائق مساءٍ ووجدنا سيارة المجني عليه التاكسي كانت مركونة في الحوش عند دخولنا إليه.. ولم نشك أن الشاب قد عاد للمنزل بعد خروجه منه وفتحنا باب المنزل الداخلي بأحد المفاتيح المطبوعة ثم دخلنا للصالة واتجهنا نريد التفتيش على الذهب والسلاح الآلي والأشياء الأخرى التي جئنا لأخذها وسرنا نحو غرفة الأم وكان بابها مغلقاٍ ومقفلاٍ فقمت ومعي المدعو وفيق بركل الباب ودفعه بقوة حتى اكتسر من المغلقة وانفتح ثم دخلنا للغرفة وأخذنا نبحث عن الأشياء المطلوبة وأثناء ذلك فوجئنا بدخول الشاب المجني عليه للصالة وأول ما وقعت عيناه على المدعو وفيق حال دخوله فسأله قائلاٍ: ماذا تفعل هنا يا وفيق..¿ ولم يرد عليه وفيق .. ولكنا وقفنا الثلاثة أمامه وباشرناه بالقيام بمهاجمته وضربه بالركل واللكم فحاول هو التخلص منا وقال خلاص يكفي.. اذهبوا لحالكم.. تعوذوا من الشيطان.. غير أننا ظللنا في ضربه ولم نتوقف حتى أغمي عليه ثم استفاق من الإغماء وخلال ذلك خطر في بالنا وقلنا لبعضنا أن الشاب سوف يفضحنا وقام الشاب يريد الدخول للحمام والإغلاق على نفسه بداخله لإنقاذ روحه منا.. فهرعنا إلى غرفة المطبخ ووجدنا بها ثلاث سكاكين إحداهن كبيرة والبقية صغار اخذناها واتجهنا نحو الشاب وهو على عتبة دخوله للحمام وقمنا بضربه وطعنه بالسكاكين الثلاث كل ولاحد منا بيده سكين حتى سقط المجني عليه على أرضية الحمام ينزف الدماء وساكن الحركة قمنا خلالها بذبح رقبته لكي نتأكد من موته.. وبعد ذلك خرجنا من الحمام واتجهنا لأخذ ما استطعنا الحصول عليه ثم غادرنا المنزل وذهب كل منا في اتجاه لحال سبيله لغسل ما علق به من دماء وتغيير ملابسه ولنسيان ما حصل ولكن أني لكل منا ذلك.. وهكذا حدثت الواقعة.. ونسأل الله الهداية لكل شاب ضال ونسأله تعالى أن يجنبنا جميعا كل سوء ومكروه.
في عدد الأحد القادم مع نشر وقائع جريمة “الجثة المدفونة” إن شاء الله تعالى وإلى اللقاء.

قد يعجبك ايضا