من شارع إلى آخر يتسابق محمد إدريس ذو العشرة أعوام مع صديقه عدنان ذو التسعة أعوام على مسح السيارات في منطقة حدة، وبعد أن ينهي مهمته يحصل على بعض النقود الكفيلة برسم البسمة على محياه وتبث العزيمة في نفسه من جديد لمواصلة عمله الكفيل بسد حاجته وحاجة أسرته المكونة من خمسة أفراد خاصة بعد فقدان والده مصدر رزقه وانقطاع المرتبات، الأمر الذي أثر عليه وأدخله في أزمة مادية ونفسية شديدة لم يتحملها، فدخل في دوامة من الأمراض التي تسببت في وفاته ..
الثورة / أسماء البزاز
محمد رغم صغر سنه وشحوب وجهه إلا أنه يحمل عقلا كبيرا جديراً بتحمل المسؤولية التي أجبرته على ترك تعليمه ولعبته وطفولته لينتقل إلى ميدان يفوق عالمه البريء ولكن الواقع المرير يفرض عليه ذلك.
محمد تعرض للضرب والإهانة والشتم من زوار الطريق ورفاق المهنة والمتجولين، تعرض للتهديد والإذلال – كما يقول – ولكن إسعاد أسرته نهاية النهار عندما يعود بقوتهم المعيشي تعادل الدنيا وما فيها.
إحصائيات وأرقام
بين العمالة والتشرد فإن أطفال اليمن يتعرضون للقصف، فضحايا القصف الجوي للعدوان من الأطفال بلغ سبعة آلاف و272 طفلا منهم أكثر من ثلاثة آلاف و468 طفلا سقطوا قتلى وثلاثة آلاف و804 جرحى ومعاقين حسبما ورد في (تقرير صدر في سبتمبر 2020م)، و تشريد 1.5 مليون طفل ليعيشوا في مخيمات لجوء ذات بيئة سيئة بالإضافة إلى الآثار التي خلفها العدوان بحق أطفال اليمن ومنها حرمانهم من حق التعليم والرعاية الصحية عبر استهداف المنشآت التعليمية والصحية والأضرار التي طالت الأطفال جراء استمرار الحصار ومنع دخول الدواء والغذاء والوقود.
ووفقا لوزارة الصحة ، فإن “أكثر من 7732 طفلًا سقطوا بين شهيد وجريح بسبب صواريخ التحالف، وما يقارب 2.5 مليون طفل دون الخامسة أصيبوا بسوء التغذية بسبب حصار التحالف” المفروض على اليمن برا وبحرا وجوا.
أكثر من أربعة ملايين طفل
يُقدر مسؤولون بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لكيوبوست أن عدد الأطفال العاملين حالياً ما بين أربعة أو خمسة ملايين طفل عامل على مستوى الجمهورية؛ بسبب ما آلت إليه أوضاع البلد الاقتصادية جراء العدوان، إضافة إلى انتشار الفقر وتدنِّي مستوى الوعي بخطورة العمل المبكر للأطفال.
وأوضح مدير مؤسسة سياج للطفولة باليمن “أحمد القرشي” في تصريح لموقع الجزيرة نت، أن انخراط الأطفال في سوق العمل مؤخرا وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 300 % خلال الفترات الأخيرة مقارنة بسنوات ماقبل الحرب وذلك بسبب تمدد حالة الفقر والنزوح وتوقف المرتبات وفقدان الكثير من الأسر لعائلها.
وبينت منظمة “أنقذوا الأطفال” أن ما مجموعه 5.2 مليون طفل في اليمن يواجهون خطر المجاعة، وتشير تقارير دولية أيضا إلى أن أكثر من مليوني طفل يمني لا يذهبون إلى المدرسة، وحتى الذين يذهبون إليها تؤكد التقارير أنهم يتلقون تعليما متدنياً داخل فصول دراسية مكتظة.
أبعاد نفسية واجتماعية
وعن التداعيات النفسية والمجتمعية لهذه الظاهرة أوضح الدكتور عبده الشليلي أن عمالة الأطفال تعتبر من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها مجتمعنا منذ سنوات وزاد من المعاناة العدوان والدمار والحصار مما أثر على زيادة عمالة الأطفال واشتغالهم في مهن تسبب لهم المعاناة النفسية الشديدة التي تفوق قدرتهم الاحتمالية.
وقال الشليلي إن هناك آثاراً سلبية على شخصية الطفل بحيث أنه لم يعش حياته كطفل له حقوق تتناسب مع بنيته الجسمية والنفسية مما يخلق لديه تعباً نفسياً وقلقاً وتوتراً وانحرافاً مثل تعرضه لأي مضايقات جنسية أو من يستغل حاجته واختلاطه بأناس أكبر منه سنا إلى جانب التسرب من المدرسة الأمر الذي يخلق لديه عقداً نفسية مترسبة تظهر في مراحل عمرية لاحقة تثير لديه الحقد والغيرة من الآخرين ويحمل بذور الانحراف والحقد للمجتمع الذي لم يحتضنه ويعطيه حقه في العيش والتعليم.
وأضاف الشليلي :إن هناك آثاراً كثيرة اجتماعية وأسرية تخلق مشاكل بين الأبوين وأن الحلول في يد الأسرة بالحفاظ على أولادها والدفع بهم للتعليم، كما أن المجتمع يجب أن يكون له دور في تسهيل التعليم وعن إشراك الأطفال للعمل
مؤكدا أهمية وجود قوانين تحد من عمالة الأطفال وأن على الدولة حماية الأطفال وإيجاد مراكز تأهيل ورعاية للأطفال وخاصة اليتامى ومساعدة الأسر الفقيرة ماديا ومعنويا حسب القدرة.
وقال الشليلي إن مشكلة عمالة الأطفال لها آثار خطيرة على مستقبل الطفل والمجتمع. مشيرا إلى أن الإعلام يجب أن يقوم بدورة في التوعية وتكريس المناهج الدراسية وكذلك التوعية والتثقيف بخطورة هذه الظاهرة.
القانون والطفل
المحامي والقانوني حميد الحجيلي تحدث عن القوانين المحلية والتي نصت على حماية حقوق الطفل وعدم جعله عرضة للقيام بالاعمال الشاقة وما تترتب عليها من آثار حيث أن القانون رقم (45) لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل نص على أن للدولة حق اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الفعالة لإلغاء الممارسات الضارة بصحته وتكفل الدولة مجانية التعليم وفقاً للقوانين النافذة، ويجب أن تهدف المناهج التعليمية إلى تكوين الطفل تكويناً علمياً وثقافياً وتنمية شخصيته ومواهبه ومهاراته وتعريفه بأمور دينه وتربيته على الاعتزاز بذاته وكرامته واحترامه للآخرين وكرامتهم والتشبع بقيم الخير والحق والإنسانية ، بما يضمن إعداده إعداداً متكاملاً يجعل منه إنساناً مؤهلاً مؤمناً بربه ووطنه قادراً على الإسهام بكفاءة في مجالات الإنتاج والخدمات ، بل وبما يجعله مهياً لاستكمال التعليم العالي على أساس تكافؤ الفرص بين الجنسين، كما يحظر تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغه سن الخامسة عشرة وعلى صاحب العمل الذي يشغل أطفالاً لديه إبرام عقود عمل معهم وفقاً لنماذج عقود العمل المعدة من قبل الوزارة ويلزم صاحب العمل في حال إصابة الطفل الذي يعمل لديه بدفع أجوره كاملة وتكاليف ونفقات علاجه فضلاً عن التعويض اللازم وفقاً للقوانين النافذة أياً كان سبب الإصابة ، ويجب إجراء الكشف الطبي للأطفال قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من مدى ملاءمة لياقتهم البدنية والصحية للعمل الذي سيلتحقون به وإعـادة الكشف بشكل دوري في مدة أقصاها سنة ولمفتش العمل أن يطلب إعادة الكشف الطبي قبل مرور الفترة المحددة إذا تبين أن ظروف العمل أو لياقة الطفل العامل تقتضي ذلك ولا يتحمل الطفل العامل أي نفقات مالية مقابل الكشف الطبي الذي يجرى له.
وقال الحجيلي إن القانون نص على أنه لا يجوز أن تزيد ساعات العمل اليومي للطفل العامل عن ست ساعات تتخللها فترة راحة بحيث لا يعمل الطفل أربع ساعات متتالية دون راحة ، ولا يجوز أن تقل مدة الراحة عن ساعة واحدة ولا يبقى في مكان العمل فترة تزيد عن سبع ساعات ، ولا يجوز أن يشغل الطفل ساعات عمل إضافية أو في أيام الراحة الأسبوعية وفي جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل ليلاً فيما بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحاً.
مبينا أن للطفل العامل الحق في الحصول على راحة أسبوعية إلزامية مدفوعة الأجر مدتها أربع وعشرين ساعة متصلة على الأقل ، كما يستحق الطفل إجـازة سنوية مدفوعة الأجر لا تقل مدتها عن المدة المستحقة لغيره من العاملين.وعلى صاحب العمل الذي يستخدم أطفالاً عاملين أن يضع سجلاً بالأطفال العاملين وأوضاعهم الاجتماعية والمهنية يبين فيه اسم الطفل العامل وعمـره ، وولي أمره ، وتاريخ مباشرة العمل ومحل إقامته وأي بيانات أخرى تعتمدها الوزارة.
حماية الأطفال الذين يعيشون
في ظروف صعبة
وتطرق الحجيلي إلى ذكر المادة (144) والتي بينت إن على الدولة اتخاذ الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معانـاة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة كأطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغلين اجتماعياً وضمان عدم استدراج الأطفال إلى الاقتراب أو مباشرة الأعمال غير المشروعة أو السقوط في ممارستها. وكذا المادة (145) أن على الدولة حماية ورعاية الأطفال الأيتام وأطفال الأسر المفككة والأطفال الذين لا يجدون الرعاية ويعيشون على التسول والقضاء على هذه الظاهرة ووضع الأطفال المتسولين والمتشردين في دور الرعاية الاجتماعية وتوجيههم إلى أن يكونوا أعضاء صالحين منتجين في المجتمع.
وقال إن المادة(146) نصت على أن تعمل الدولة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للطفولة على :
أ- إنشاء مكاتب لحماية الأطفال من التشرد والتسول واعتماد وإقرار ميزانية سنوية ضمن ميزانيتها لإنشاء هذه المكاتب وتشغيلها.
ب- إنشاء مؤسسات ودور الرعاية الاجتماعية.
ج- حماية الأطفال من سوء المعاملة وتعرضهم للتعذيب البدني والنفسي ، وتقديم من يعرضون الطفل لمثل هذه الأعمال إلى القضاء ، مع مراعاة الحق الشرعي والقانوني للأبوين في تأديب أبنائهم.
د- حمايتهم من التردي في بؤرة الرذيلة بكل الوسائل التربوية ، بما في ذلك العقوبة الشرعية الجنائية.
وحماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال.كما في المادة (147) التي نصت أن على الدولة حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والاقتصادي وعليها اتخاذ الإجراءات والتدابير المشددة لحماية الأطفال من:
أ- مزاولة أي نشاط لا أخلاقي.
ب- استخدامهم واستغلالهم في الدعارة أو غيرها من الممارسات غير المشروعة.
نشأة قرآنية
الحقوقية رجاء المؤيد استهلت حديثها بقوله تعالى:( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) والقائل( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ).
وأضافت: إن من النعم التي انعم الله تعالى بها على الإنسان انه رزقه بالذرية ذلك لاستمرار الخلق ولأن الإنسان مخلوق فانٍ كباقي المخلوقات وهم زينة هذه الحياة الدنيا بكل ما تحمله كلمة زينة من معنى رؤيتهم سعداء وأصحاء يذهب عن الوالدين الهم والتعب يدخلون الفرح والسرور على قلب الوالدين بالهام من الله تعالى كسائر المخلوقات الجميلة كالعصافير والزهور وكل ما يدخل البهجة والسرور عند النظر إليهم و هذه النعمة يتوجب علينا شكرها وكما عرفنا ان شكر النعمة يكون عملا صالحا كما قال سيدنا سليمان فيما ذكر عنه في القرآن بلسانه( ليبلوني أشكر ام أكفر ) وقوله “رب اوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ” ).
مبينة أن شكر النعمة أن تعمل النعمة وتجعلها في طاعة الله وما يرضي الله تعالى ونعمة الأولاد شكرها أن تتحمل المسؤولية تجاههم أن تربيهم على معرفة الله تعالى وعلى طاعة الله ورسوله وان يكون صالحا يفعل الخير لنفسه ولغيره ،يربى على المبادئ والقيم والأخلاق القرآنية ويعرَّف بقدوات في تاريخنا الاسلامي كخير قدوة هي سيرة وحياة وشخصية نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومنهج الإمام علي كرم الله وجهه.
وأضافت أن أطفال هذا العصر ضاعوا باسم حقوق الأطفال الزائفة والمسلوبة فلا هم الذين تركوا ليحيوا حياتهم التقليدية البسيطة بفطرتهم السليمة يعيشون ويأكلون ويتعلم منذ صغره كيف يتحمل المسؤولية ويتعلم كيف يحصل على قوته ولا يُستغل من قبل الدجالين الذين صنعوا له خيالا أطعموه من القمائم أو أماتوه جوعا صنعوا منه ومن والده عالة لا يعمل ولا ينتج لا يزرع ولا يصنع ينتظر راتبا من الحكومة التي تأخذ هذه المرتبات قروضا من البنك الدولي أو تستجدي معونات من الغرب.
وبينت أن الطفل اليمني كان طفلا فقيرا محروما معانيا على مدى العقود الأخيرة فقد كانت الشوارع ينتشر فيها الأطفال المتسولون والذين كانوا يدارون من قبل أسرهم والبعض ممن كان يستغلهم كعمالة تجلب لهم دخلا أو باستغلالهم في بيع أشياء بسيطة كواجهة أخرى للتسول، وكل ما كان يجرى من بحوث ودراسات حول عمالة الأطفال وما يتوصل له من حلول ومقترحات توضع في أدراج المكاتب ومخازن الجامعات والوزارات لأنه لم تكن هناك جدية في رعاية الطفل والاهتمام به.
وأوضحت رجاء أنه في ظل العدوان تضاعفت المشاكل والهموم على الطفل اليمني من تجويع وحصار وقتل ممنهج بكل الطرق أو الوسائل التي استنفدها العدو وظهر فشله الجلي والذي لم يخدم أجندته وخططه في تدمير الإنسان والطفل اليمني بل كانت ضربة صنعت من الكثير من الأطفال أسطورة في العطاء والبذل فخرج منهم الأطفال المبدعون والمبتكرون والمجاهدون وخرج منهم المعدن الأصيل لأبناء الأنصار ورجال الله الذين أذهلوا العالم بصمودهم وفصاحتهم وبلاغتهم في مواجهة العدوان.
وأضافت: نعم كثر منهم الأيتام من أبناء الشهداء لكنهم لم يكسروا ولم يهنوا لأن الوعي والتربية الإيمانية والثقافة القرآنية تركت فيهم ثقافة الثقة بالله وثقافة العزة وثقافة القوة وثقافة معرفة الله والنفس وثقافة البذل والعطاء وثقافة العمل.