لا يعد اكتشاف خلية تجسسية بريطانية من قبل جهاز الأمن والمخابرات اليمني أمراً مفاجئاً رغم كونه إنجازاً أمنياً مهماً يضاف لرصيد الجهاز، فما خفي من أعمال التجسس في اليمن في ظل العدوان والاحتلال أعظم بكثير طالما وأمريكا وإسرائيل وبريطانيا تسخر كل إمكانياتها وخبراتها وبالتنسيق مع السعودية والإمارات لقتل الشعب اليمني واحتلال سواحله وجزره بكافة الوسائل المباشرة وغير المباشرة.
إن تاريخ الجاسوسية البريطانية – وبالذات في اليمن والسعودية والخليج ومصر والعراق – قديم قدم الاستعمار حيث وصلت أعلى قمة في السلطة ببعض البلدان وساهمت مخابرات لندن في صنع حكام وملوك وزعماء وأشعلت الحروب وغيرت الخرائط السياسية وحتى غرف النوم لبعض القيادات السياسية والعسكرية العربية لم تكن في منأى عن عيون وآذان الجواسيس.
لا تستغرب إذا ما علمت أن جاسوسة بريطانية اسمها جيرترود بيل الملقبة بملكة الصحراء كان قد كلفها البريطانيون بالوصاية على الملك فيصل بن حسين والذي عينته لندن ملكا للدولة العراقية وحينما توفيت في بغداد سنة 1926م أقيمت لها جنازة رسمية وغطي نعشها بالأعلام البريطانية والعراقية.
ومن منكم لم يسمع عن لورانس العرب أشهر جاسوس بريطاني في المنطقة العربية على الإطلاق.
أما دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات كانت وما زالت وكراً للجاسوسية الغربية بكل أجناسها ومن يدير إماراتها عملاء لوكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية لقناعتهم بأن الجاسوسية أحد أهم ركائز حكمهم وسيطرتهم على ثروات الشعوب.
جواسيس لمن يدفع أكثر.. بريطانيا تدرب جواسيس من السعودية والإمارات ومصر ثم يُدفع بهم لشغل مناصب عُليا في الأجهزة الاستخباراتية لبلدانهم.. وقائع صادمة تناقلتها كثير من وسائل الإعلام.
في الحقيقة وفي الواقع إن بريطانيا كانت وما تزال هي من تصنع الجواسيس والملوك وما عليهم إلا الطاعة والولاء لسيدهم البريطاني.
وأوضحُ مثال على ذلك قول القنصل البريطاني ديكسون في كتابه “الكويت وجاراتها” أن الملك عبدالعزيز كان يخاطب بيرسي كوكس كأنه أستاذه ومربيه!!
يقول الملك عبدالعزيز لبيرسي كوكس بالحرف: “أنت مثل أبي وأمي قد صنعتني من الصفر وأوصلتني إلى ما وصلت إليه” وحين حصل خلاف بينهما حول مسألة الحدود قال له بيرس كوكس بلهجة السيد: “أنا الذي أحدد الحدود” عندها انهار عبدالعزيز وقال لبيرسي كوكس: “لو أمرتني بالتنازل عن نصف مملكتي لنفذت أمرك”.
هكذا تصنع بريطانيا بجواسيسها حتى وإن كانوا ملوكاً، أي مذلة وهوانٍ كهذا!!
هذه المذلة توارثها ملوك السعودية.. لتستمر حكاية البقرة الحلوب.
يمنيا وفي 30 نوفمبر 1967م كان حاكم عدن المندوب السامي البريطاني السيرهمفري تريفيليان هو آخر المغادرين وقبل أن يرفع قبعته إلى أعلى في وداع الذين سبقوه كان قد ترك خلفه مئات العملاء المحليين حيث تم زرع جواسيس لندن في الجيش الليوي والبوليس من العناصر التي خدمت الاستعمار.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن عبدربه منصور هادي كان واحداً من منتسبي جيش الليوي الذي تأسس في الخمسينيات من القرن الماضي وتم ابتعاثه للدراسة في الكلية الملكية البريطانية وتخرج منها ضابطا ليستمر في تدرجه في المناصب العسكرية والسياسية حتى وصل إلى منصب رئيس جمهورية بدرجة جاسوس بريطاني.
ومن أمثال هادي المئات في مختلف مفاصل الدولة منذ الاستقلال وما قبله وحتى اليوم.
والشاهد على ذلك الحنين البريطاني إلى عدن ودعم لندن اللا محدود لتحالف العدوان لاعتمادها على التدليس وتقسيم البلدان وعلى التلاعب بالصراع بين المناطق والهويات وغيرها من القذارات المبهمة مثل شرعية الحكم والتقسيم.
وبالأخير، من المهم استنهاض الوازع الوطني والهوية الإيمانية لمواجهة مخططات الأعداء وتحصين المجتمع اليمني من ظاهرة الجاسوسية العربية لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأية دولة معادية لشعبنا العظيم.
شكراً لثورة 21 سبتمبر لأنها أعاقت نشاط التخابر الرسمي وغير الرسمي لصالح الدول المعادية لليمن، وفعلاً نجحت إلى حد كبير.
شكراً لجهاز الأمن والمخابرات لأدائه الاحترافي ويقظته العالية في رصد وضبط خفافيش الظلام.