التوزيع العادل للقاح كورونا .. أسئلة أخلاقية تواجه العالم

 

الثورة /اسكندر المريسي

هل سيكون توزيع لقاح كورونا عادلاً؟ وكيف تُحدًّد الأولويات ووفق أي خطط وتشريعات؟ وهل يجوز – أخلاقياً – فرض التطعيم على الأفراد، حتى إن كان الهدف محاصرة وباء عالمي؟
حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن توزيع اللقاحات ضد عدوى فيروس كورونا في العالم يتم بشكل غير عادل وغير متساو.
ووفقا لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أشار غوتيريش – خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي – إلى أن 130 دولة لم تتلق جرعة واحدة من اللقاح لافتا إلى أنه “في هذه اللحظة الحرجة، تعد المساواة في اللقاح أكبر اختبار أخلاقي أمام المجتمع العالمي”.
وقال غوتيريش: “يجب أن نسعى جاهدين لضمان حصول جميع الناس في كل مكان على فرصة التطعيم في أسرع وقت ممكن.. ومع ذلك، كان توزيع اللقاحات متفاوتًا وغير عادل إلى حد كبير”.
وشدد غوتيريش على أنه إذا سُمح للفيروس بالانتشار في البلدان النامية، فإنه “سيتحور مرارا وتكرارا”.
وأوضح غوتيريش إلى أن ذلك قد يؤدي إلى حقيقة أن “الوباء قد يستمر لفترة طويلة جدا”.
وتعيش البشرية لحظة “أخلاقية” صعبة، كأننا أمام خيارات تشبه أزمة البطلة في فيلم “خيار صوفي”، حين خيّرت في معتقل أو شفيتز بين إنقاذ ابنها أو ابنتها.
فكيف تختار الجهات الصحيّة الفئات الأكثر عرضة للخطر إن كان عدد اللقاحات محدودا؟ وإذا تضاءلت الإمدادات، هل من الإنصاف في شيء تلقيح المرضى وكبار السنّ، أم تلقيح الشباب؟
في ظلّ كوفيد -19، كان على الشعوب أن تعيش وطأة التبعات الفجّة للسياسات الصحيّة والاجتماعية الراهنة: مكان ولادتك، جنسيتك، طبقتك الاجتماعية، جنسك عند الولادة، كلّها عوامل ستحدّد فرصك في النجاة، سواء من ناحية وصولك إلى الحاجات الأساسية من غذاء وأمان خلال الحجر الصحّي، أو من ناحية نيلك الرعاية الاستشفائية اللازمة.
ولم تتردّد شخصيات دينية في التعبير عن خشيتها من انعدام المساواة في توزيع اللقاحات، منذ الإعلان عن نجاح التجارب السريرية الأولى.
وبين السياسة والاقتصاد والقانون والفلسفة والدين، يقدّم الباحثون والمختصون في الأخلاقيات الطبية استشارات لصناع القرار في قضايا مصيرية، تتعلّق مثلاً بحدود الحياة (الإجهاض والقتل الرحيم)، والتبرع بالأعضاء وعدالة توزيع الرعاية الطبية والاختبارات العلمية على الأجنة والتعديلات الجينية والاستنساخ، إلى جانب خطط التلقيح.
وقد شارك أستاذ الأخلاقيات الطبية في جامعة بنسلفانيا، هارالد شميدت، في نقاشات حول خطط توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة، ويقول لـ”بي بي سي نيوز عربي” إنّ السؤال الأبرز الذي شغل المختصين، خلال تحديد الأولويات، كان: “هل علينا تقليل عدد الوفيات، أم الحد من انتشار الوباء”؟
كانت إجابة “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” – وهي وكالة فدرالية أمريكية تشرف على السياسات الصحية – إنّ الأولوية ستكون “لتقليل عدد الوفيات، والحدّ من الإصابات الخطيرة، والحفاظ على سير الأعمال في المجتمع، وتخفيف أعباء الوباء عمّن يعانون أساساً بسبب التفاوت”.
يلفت شميدت إلى أنّ توصيات الوكالة الطبية تبقى استشارية، وتختلف بين ولاية وأخرى، وحتى داخل الولاية ذاتها.
ويضيف: “في هذه المرحلة، لا يمكن التركيز ببساطة على تطعيم أكبر عدد ممكن من الأشخاص في أسرع وقت ممكن، لكننا بحاجة إلى إيلاء اهتمام وثيق لمن ينال التطعيم. ففي الولايات المتحدة تضررت بعض الجماعات الهشة، خصوصاً الأقليات العرقية، بالوباء، بشكل أكبر”، لذلك لا يمكن تفادي التفكير بإنصافها عند توزيع اللقاح.
ويتابع: “من المفهوم أن يكون صبر الناس قد انتهى، ولكن من المهم أن نفهم أنّ ذلك لا يتعلّق بنا كأفراد، بل يرتبط بنا جميعاً كمجتمع. بالنسبة لبعضهم قد يكون اللقاح مفيداً، لكنه بالنسبة لآخرين مسألة حياة أو موت. ليست كل الاحتياجات متساوية، وأولئك الذين يمكنهم الانتظار بأمان لبضعة أشهر يجب ألا يأخذوا اللقاحات التي قد تنقذ حياة غيرهم”.
أما الأخصائية في الأخلاقيات الطبية، تاليا عراوي – التي كان لها دور استشاري في اللجنة الصحية المكلفة بوضع خطط توزيع اللقاحات في لبنان – فتقول إنّ التوزيع العادل والمنصف “يجب أن يشمل كل من يعيش على الأراضي اللبنانية، من لاجئين وعمال مهاجرين وغيرهم، في إطار مراحل مدروسة جيداً”.
وتضيف عراوي أنّ الامتيازات الطبقية أو أي شكل من أشكال التمييز مرفوضة قطعا من وجهة نظر أخلاقية. وتتابع في حديثها لـ”بي بي سي”: “من وجهة نظري الشخصية، مفهوم الشخصيات المهمّة أو ذات الامتياز بنية اجتماعية فارغة”.
وترى عراوي أن تحديد من هو الأكثر عرضة للخطر محل نقاش علمي وأخلاقي، ويعتمد على عدّة نقاط، منها الأخذ بعين الاعتبار الأمراض التي قد تجعل فئة ما أكثر عرضة للإصابة، إلى جانب التفكير بالعمال الأساسيين، أو من يسمون عمال الخطوط الأمامية، الذين لا يملكون رفاهية البقاء في المنزل، ومن يعملون لمساعدة الآخرين، ويشملون طواقم الرعاية الصحية، وعمال النظافة، وعمال التوصيل”.
وتضيف تاليا عراوي: “الدول الغنية، كما تسمينها، في حالة ثراء فاحش، على حساب الدول التي استعمرتها. وكما يقول الفيلسوف الأمريكي جون رولز، على الناس أن تتشارك مصيرها، والأغنياء عليهم واجب أخلاقي لتضييق الهوة بينهم وبين الفقراء أو إلغائها.. اقترحت في لبنان فرض ضريبة على الأكثر غنى لمساعدة الأقل حظاً في نيل الرعاية الطبية التي يجب ألا تكون ترفاً في كلّ الحالات”.
الأسئلة الأخلاقية المرتبطة باللقاحات، ليست جديدة، وعمرها من عمر اختراع اللقاحات الأولى، لكنها تبدو اليوم أكثر إلحاحاً مع حجم الفجوة التي أظهرها كوفيد – 19بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وبين الفئات الاجتماعية الميسورة، وتلك الأكثر هشاشة.
بحسب موقع “تاريخ اللقاحات” الصادر عن “كلية أطباء فيلاديلفيا”، يمكن تلخيص الإشكاليات الأخلاقية المحيطة بالتطعيم، وخطط التمنيع العامة، ضمن أربعة نطاقات:
-إلزامية التطعيم وفرضه في المدارس أو على الأفراد، وذلك يشمل في دول عدّة بروتوكول اللقاحات التي تمنح للأطفال منذ سن مبكرة، والتي كانت طريقة لمحاصرة أوبئة لم تعد موجودة على مرّ التاريخ، وأحياناً ما تصطدم هذه الإلزامية بقناعات ثقافية أو دينية لدى بعض المجموعات.
-الأبحاث والدراسات الكافية على اللقاحات، وكيفية اختيار الأشخاص المشاركين في التجارب، وإمكانية إصابتهم بالمرض، وكيفية ضمان سلامة اللقاح ونجاعته.
-الموافقة المستنيرة على تناول اللقاح، وتعني إيضاح محتويات الجرعة، آثارها الجانبية، والحصول على موافقة خطية من المتلقين قبل التطعيم.
-سهولة الحصول على اللقاحات وتوزيعها بشكل عادل بين الأفراد، من دون تمييز على أساس الطبقة أو العرق أو التواجد الجغرافي.
تكون الإجابات العلميّة أكثر ميلاً إلى الحسم، من الإجابات الأخلاقية أو القيمية. فحتى بوجود إحصاءات ودراسات واضحة، قد تحدّد القيم الثقافية أو الدينية في مجتمع ما، أولويات ومحاذير مختلفة، على سبيل المثال، يعدّ استخدام خلايا الأجنة في بعض اللقاحات مشكلة لأتباع المسيحية والإسلام، فيما وجدت دول إسلامية حلولاً لتفادي استخدام لقاحات تحتوي على دهون الخنزير.
فمن جهة- ومع صعود نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة – بدا كأنّ بعضهم يعيد اختراع العجلة من جديد، كأننا نصنّع لقاحات للمرّة الأولى، وكأنّ التطعيم لم يكن ثورة طبيّة أسهمت في إبادة أوبئة وإنقاذ الملايين.
ومن جهة ثانية، رأى كثر أنّ البيانات والمعلومات الطبيّة المحصورة بيد قلّة، تحت وطأة الطوارئ الصحية، حيّدت الجمهور العريض عن حقه في طرح أسئلة حول التصنيع، وعدالة التوزيع، والموافقة على نيل اللقاح مع فهم آثاره الجانبية.
وأصدرت منظمة الصحّة العالمية في سبتمبر الماضي، ما سمته “إطار قيم” وضعه فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتحصين، ويضمّ أطباء وباحثين من عدّة دول حول العالم، برئاسة الطبيب أليخاندرو كرافيوتو من المكسيك.

قد يعجبك ايضا