آفاق الذكاء الاصطناعي اقتصادياً

 

احمد ماجد الجمال

نحن نعيش اليوم عصر التحول والتغيير والتجديد، وفي هذا العصر الذي يتسم بالتطور المستمر الذي لن تتوقف فيه التغييرات، بل ستستمر وتتسارع وتيرتها، وبما أن التقدم والتطور هو انتقال من الماضي إلى المستقبل وتواصل بينهما مرورا بالحاضر وفي الوقت نفسه يأتي عمل الفرد الذي يعني أنه لا فراغ في حياة الإنسان فهو الذي يضع أسساً لهذا التقدم والتطور، ولأن عملية الإنتاج عند علماء الاقتصاد في العلم الحديث تبدأ بمدخلات تعالج للحصول على مخرجات لاستهلاكها وتعتمد هذه العملية على مقومات وعوامل وعناصر الإنتاج المتمثلة بـ(الأرض، العمل، رأس المال، التنظيم والإدارة) وأضيف إليها عنصر مع دخول أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يقصد بها الأنظمة الإنتاجية التي تتلقى أوامرها من الآلات وحواسيب عالية ذات سرعة فائقة في الأداء يتم تشغيلها وتنصيبها في بيئة عمل خاصة في تجهيزاتها بدلاً من البشر فقد زاد هذا من قدرة الاتصال بين البشر في كل تعاملاتهم، بمعنى أن البشر صاروا يتخذون القرارات ويتواصلون مع أجهزة الكمبيوتر بشكل عام ومع الذكاء الاصطناعي بشكل خاص وبالتالي أصبح القرار النهائي ليس بيد شخص اقتصادي فقط لكن خوارزميات الذكاء الاصطناعي المدمجة والآلة لهما القرار الذي يعني عناصر خمسة (البيانات، والمعلومات، والمعرفة، والفهم، والحكمة)، فعندما تفقد منظومة ما القدرة على التفريق بين العناصر الخمسة، فإنها أقل قدرة على اتخاذ القرار السليم، فجودة اتخاذ القرار مرتبطة بالقدرة على التفريق بين اللازم وغير اللازم, فإذا قُدم تقرير إلى رئيس مؤسسة أو شركة –مثلا- فأن جودة التقرير تعتمد على التفريق بين مفهوم البيانات والمعلومات. فإن كان محتوى التقرير مكوناً من رموز وأحداث ومواصفات لا علاقة بينها فهي بذلك تقدم بيانات لا معلومات، وإذا كان محتوى التقرير كذلك، فهو تقرير قليل الفائدة، حتى يعاد عرضه بحيث تربط البيانات ربطاً مفيداً للإجابة عن أسئلة المكان والصفة والزمان والكمية لما لها من قدرة على تطوير النظام الاقتصادي أو الإضرار به إذا أسيئ استخدامه .
والذكاء الاصطناعي رغم انه في طور البناء والتطوير يمثل أهم مخرجات الثورة الرابعة في كثير من المجالات منها الصناعية والعسكرية والزراعية والتطبيقات التعليمية والخدمية لأن هذه التقنية ستمكن الحاسوب من اكتساب بعض من ذكاء الإنسان كطريقته في التعلم والتفكير والتحليل والتنفيذ ليسخرها في تسهيل مهامه وبالتالي الوصول إلى النتائج المطلوبة ويتوقع له أن يفتح الباب لابتكارات لا حدود لها تؤدي إلى مزيد من الثورات الصناعية بما ستحدثه من تغييرات جذرية في حياة الإنسان. إذ مع التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع وما يشهده العالم من تحولات في ظل الثورة الصناعية الرابعة كأن يكون هو المحرك للتقدم حاضراً ومستقبلا، يتم تطوير آلات وأنظمة بإمكانها إن تؤدي مهاماً تتطلب ذكاءً بشرياً كاستخدام المدخلات والمخرجات المتوقعة التي تسمى البيانات الهيكلية، أي أن المعدات الالكترونية ستكون أكثر قدرة على التعلم والمعالجة المنطقية والتعرف من تلقاء نفسها ويمكنها أن تتخذ قرارات خاصة بها عند التعرض لأوضاع جديدة من أجل التحسين المستمر من خلال حفظ البيانات واسترجاعها ومعالجتها واتخاذ قرارات.
وللقيام بذلك تمر بسلسلة تدريجية من التعليمات ويشبه هذا الإدراك البيولوجي الفعلي للإنسان، حيث يتعلم الأطفال كيفية التعرف على الأشياء (مثل الأكواب) كأمثلة عن الأشياء نفسها (مثل أكواب من أنواع مختلفة) من هنا الفكرة ستكون بالمثل بحيث يصبح استخدام عدد كبير من خوارزميات الذكاء الاصطناعي -الذي يُعرف بالشبكات العصبية الاصطناعية- للتعرف على الأنماط ويتيح القدرة على تجميع وتصنيف كميات هائلة من البيانات غير المميزة بتسميات، بحيث من الممكن أن تُستخدم هذه الأنماط لتوقع الكثير من الأشياء وتتلقى الأوامر، وبما أن المبدأ الرئيسي للذكاء الاصطناعي هو أن يحاكي الطريقة التي يستوعب ويتفاعل بها البشر مع العالم من حولهم ويمكنهم من إيجاد إضافة نوعية إلى الأعمال والنتائج كتوفير وفهم أكثر شمولية لفيض البيانات المتوفرة لتوثيقها وتوحيدها من أي تداخل وازدواجية، والاعتماد على التنبوءات من أجل أتمتة المهام ذات التعقيد الشديد فضلاً عن المهام المعتادة .
كل ذلك يوجه لتحسين جودة إدارة المؤسسات والشركات والمصانع والمعامل والبورصات والأسواق المالية.. وغيرها من الأنشطة في إنتاجيتها وخدماتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي تتطلب القوة والكثافة البشرية، كما يمكنّها فهم البيانات والأوامر التنفيذية على نطاق واسع، لايمكن لأي إنسان تحقيقه وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال والتحكم في كثير من جوانبها المعلوماتية والبيانات والاستنتاجات وتضبط الخطط المستقبلية وتساعد في تحديد الوجهة الأكثر منفعة والتأكد من أن السير صحيح .
الفوائد الاقتصادية للذكاء الاصطناعي:
– الجودة بدرجة عالية للمنتج من خلال الدقة المتناهية في تأدية العمل وبالتالي حل مشكلة مستوى جودة السلع والخدمات .
– العمل بفاعلية واستهلاك طاقة أقل وإنتاج سلع وخدمات متنوعة بسرعة وكلفة منخفضة.
– الإنتاجية بوتيرة سريعة جداً حيث تعمل بسرعة ثابتة ودون توقف لراحة أو نوم أو إجازات أو ملل وثبات قدرتها على الإنتاج على الدوام دون النظر الى الوقت أو الظروف المحيطة بالعمل، بالتالي تحل مشكلة التراجع في الإنتاج وبشكل خاص عند ارتفاع مستوى الطلب .
– تقديم الخدمات للمستهلكين بدلاً عن الموظف التقليدي والتخلص من الأعمال التقليدية المتكررة التي تتطلب نفس آلية العمل كل مرة، ودور الأشخاص يكمن في تحديد الأهداف ومراقبة الأنظمة من أجل تحسين الإنتاج والخدمات.
– توفير تكاليف الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي ولا زيادة سنوية في الأجور وبالتالي تقلل التكاليف المادية مما يؤدي إلى تحقيق وفورات مالية .
– تقل النفايات المادية والغازات وتلويث البيئة الناجمة عن عمليات الإنتاج وتعمل على توفير الموارد الطبيعية والحفاظ عليها وعدم إهدارها.
– تقديم الرعاية الطبية من خلال أجهزة كالجراحة والتطبيقات التي تساعد على كشف الاضطرابات العصبية وتلك التي تتيح للمريض معرفة الآثار الجانبية للأدوية وتطبيقات الجراحة الإشعاعية التي ساعدت على إمكانية استئصال الأورام دون إلحاق أذى بالأنسجة السليمة المحيطة، توقَّع الملاحة الجوية والبحرية وحتى قيادة السيارات..
– تخزين وحفظ وتوثيق واسترجاع كم هائل من البيانات تصل لمئات الملايين ومعالجتها بدقة وفي وقت قصير للغاية مع هامش أقل للخطأ.
– تنفيذ عمليات التنقيب واستكشاف الأماكن التي يصعب الوصول إليها كقاع المحيط .
– تحييد العاطفة والبعد عن المزاجية التي قد تعيق سير العمل وتعمل وفق طريقة التفكير المنطقي .
– السلامة من خلال تقليل الحوادث التي تقع في بيئات العمل، الخطرة كالمناجم وغيرها من خلال قيامها بالأعمال الخطيرة.
وان كانت هذه الفوائد كبيرة إلا أنها لابد أن تمر أولاً على أقوات جيوش العاطلين إذا لم يتم توفير آليات بديلة لهم بينما تتطوَّر الآلات الذكية، وتتقلَّص الفجوة بين الآلات والقدرات البشرية، يتزايد الاستعانة بالآلات الجديدة بديلاً عن البشر إضافة إلى وجود حزمة من السلبيات، منها على سبيل المثال :-
– التكلفة العالية لبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي وخصوصاً البدايات وعمليات التحديث والصيانة .
– عدم الوعي بالأخلاقيات والقيم البشرية فهي تقوم بتنفيذ ما صممت من أجله دون النظر إلى ما هو صحيح وخاطئ ومع ذلك قد يتخذ البشر أنفسهم قرارات تبدو غريبة أحياناً لأشخاص آخرين، لأن هناك قاعدة إدارية عالمية تؤكد أن نجاح أي منظومة لا يتحقق بالعشوائية والمحسوبية.
– عدم قدرتها على تغيير نظام عملها وتطويره في حال تلقيها نفس البيانات في كل مرة، لأن المعرفة لا تبنى على المعلومات فقط إنماء تبنى على القدرة على وصف الخطوات اللازمة لإتمام عمل ما.
– الافتقار إلى الاستجابة للظروف والتغيرات التي قد تحدث في بيئة العمل، لأنها لا تستطيع الإجابة عما يحدث لو أُخل بتسلسلها.
– عدم قدرتها حتى الآن على الإبداع والابتكار كقدرة البشر على ذلك، مثل تقديم تقارير لمتخذ القرار كمعلومات فإنها ستجيب على أسئلة كثيرة ومهمة إلا أنها تعجز عن تقديم المعرفة والفهم.
– لا تقدم أدلة ذات ثقة أو أسباب لجميع مخرجاتها لأن الخبرة تسهم في تكوين فهم أعمق لخطوات التنفيذ، وتفيد الأخطاء المتراكمة عبر السنين بنتائج الإخلال بها.
– لا تقدم في كثير من الأحوال تفسيرات لها معنى ويستطيع المستخدمون فهمها بسهولة لأن الفهم هو القدرة على تفسير خطوات العمل، فقد يعرف أحدهم كيف يؤدي عملاً ما بالخطوات الموصوفة له إنما يعجز عن فهم سبب اختيار الخطوات بالتسلسل الذي وصف له.
– لا يعمل النظام إلا في الظرف الذي صُمِّم من أجله فحسب ومثال لهذا القصور، إذا تكونت لدى متخذ القرار المعلومات الكافية مدعومة بقاعدة المعرفة والفهم فإن ما ينقصه للوصول إلى القرار السليم عنصر واحد فقط وهو الحكمة لأنها القدرة على معرفة نتائج اتخاذ القرار على المدى القصير أو الطويل.
ولأن مكامن قوة الاقتصاد لأي دولة، تتمثل في قدرته على التنافسية، والأخذ بأسبابها ومواجهة التحديات، وإيجاد معايير واضحة توفق بين البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وتظل الميزة الأهم في استشرافه للتقدم خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي وآفاق الثورة الصناعية والمعرفية (الثورة الرابعة) المتسارعة بلا حدود في تغيير مفهوم التقدم ، بل مفهوم الاقتصاد والأنشطة والخدمات الذكية في العالم، ومن هذا المنطلق يصبح الأساس المطلوب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، ويأتي في مقدمة تحقيق هذا الهدف المستقبلي استثمار القوى البشرية وتدريبهم على المرحلة الجديدة، وهو ما يتطلب وقتاً لا يمكن ضغطه أو تقصيره لاكتساب المهارات الفنية والمهنية والمهارات الناعمة التي تعني التواصل الكتابي والشفهي والتفاوض والتأقلم والمرونة والتنظيم والتعاون والتفكير الناقد وإدارة الأزمات وحل المشاكل والانتباه للتفاصيل والرغبة في التعلم والتطور لتهيئتهم لمستقبل مهني أفضل لهم ولقطاع الأعمال وتفسير وضبط القرارات التي تصدر عنها، ومن المأمول أن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح بفرص النجاح، لان مثل هذا التكامل والتعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي سيتيح دقة أكبر من الدقة التي يمنحها أحدهما فحسب، وستزداد القدرات على جمع نقاط القوة في شتى المجالات الاقتصادية وتطويرها ونموها وزيادة فرص العمل سواء كانت جديدة أو متجددة وحتى التقليدية، وتزداد المكاسب الناتجة من خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وتتراجع الخسائر المتوقعة.
* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا