حــمــام الــدم (الحلقة الثانية)


ملخص ما نشر في الأسبوع الماضي
وصل بلاغ من أحد المستشفيات الخاصة إلى مركز شرطة السياغي بالعاصمة صنعاء عن وجود شخص قتيل به عدة طعنات ومذبوح فانتقلوا من المركز إلى المستشفى عقب هذا البلاغ وقاموا بنقل الجثة إلى مستشفى الثورة العام لإيداعها الثلاجة وكذا باستدعاء مختصي الأدلة الجنائية لإجراء المعانية الفنية كما قاموا بالتحفظ على الأشخاص الذين أسعفوا المجني عليه للمستشفى وعددهم ثلاثة بشأن أحدهم شقيقه الأصغر على ذمة أخذ الإفادات.. بالإضافة إلى مباشرتهم لإجراء التحريات وجمع المعلومات حول الجريمة وملابساتها والجاني أو الجناة المجهولين فيها من خلال سؤال أقرباء المجني عليه وأصدقائه والجيران والتركيز على أرباب السوابق والمشتبهين والتحري عن أي شخص شوهد بالقرب من منزل القتيل كون الجريمة وقعت بداخل حمام المنزل وعثر على المجني عليه وهو مطعون ومذبوح وغارق بدمائه فيه وكان لوحدة في البيت عند مقتله بعد خروج أمه وأخيه الأصغر قبل ذلك واللذين كانا أول من أخذت إفادتيهما من الأقرباء وأكدا خلال ذلك أنهما مع المجني عليه يعيشون بالمنزل مستقلين والأب متزوج بامرأة أخرى وله منها أبناء ويعيشون في منزل آخر في حارة تبعد مسافة في نطاق العاصمة.. وأنهم ليس لهم عداء أو خلاف مع أحد.
وأن للشاب المجني عليه “قريبهم” بعض الأصدقاء من شباب الحارة وخارجها ولكن علاقته بكل منهم ليس فيها ما يريب و….. هاهي بقية الوقائع ومع أحداث الحلقة الثانية:
حين إعادة سؤال أم المجني عليه بعد أن هدأت نفسيتها نسبياٍ وأصبح الكلام معها ممكنا بسبب حزنها على ابنها المجني عليه وصدمتها بكارثة مقتله وفي محضر آخر تكميلي ذكرت بما يقيد بأنها عندما تركت ولدها بالمنزل بعد أن أعطته مائة دولار لكي يذهب لمعالجة وجع بطنه الذي يشكو منه لدى أي طبيب وقبل خروجها من المنزل كانت قد أغلقت باب غرفة النوم بالمفتاح ووضعت بين المفاتيح التابعة لها وأنها تركت كل شيء داخل البيت مرتباٍ وكذلك الملابس في الدولاب بغرفة النوم والأشياء بالغرف الأخرى في حالة ترتيب أو تنسيق تام وليس هناك ما يثير.. كما أنها قبل أربعة أيام من الواقعة كان يوم أربعاء والوقت كان المغرب تلقت اتصالاٍ على تليفون البيت وهي موجودة فيه والاتصال كان من تليفون ثابت والمتصل هو شخص شاب قال إنه صاحب ولدها الأصغر “سلمان” وأنه يتصل من استعلامات مستشفى “السبعين” وأن ولدها المذكور تعرض لحادث صدام سيارة وتم إسعافه للمستشفى المشار إليه وأنه أدخل لغرفة العناية المركزة كون حالته خطيرة جداٍ وعليها الحضور حالاٍ للمستشفى من أجل ذلك… فتوقفت صامتة قليلاٍ بعد سماعها ذلك كأنها تذكرت شيئاٍ في تلك اللحظة.. ثم ردت على المتصل قائلة: “ولكن مستشفى السبعين هو لأمراض النساء والأطفال وحالات الولادة وليس للحوادث والحالات العامة” وبعد ذلك سألته: كيف حصلت على رقم البيت¿! فرد عليها المتصل: “أعطاه لي ولدك المصاب والموجود في العناية المركزة” فشكت في الأمر وأجابت متساءلة: “كيف تقول أن ولدي أعطاه لك وهو في غرفة العناية” وكيف استطاع أن يكلمك وحالته خطيرة..¿! فقام بعد هذا الكلام بإغلاق سماعة التليفون وهي سارعت إلى الاتصال بزوجها والد أبنها وأخبرته بذلك فرد عليها بقوله: “إن الولد موجود وبخير ولم يتعرض لأي حادث وليس في المستشفى وإذا ورد أي اتصال آخر فلا تردي عليه..” فقامت بعد الاتصال بزوجها بالاتصال لاستعلامات المواصلات واستفسرت عن الرقم المتصل بها فأفادها موظف الاستعلامات أن الاتصال من محل اتصالات في حي الزمر بصنعاء القديمة أو من رقم من محل قريب بجوار محطة الأصبحي في نطاق الحي الكائن فيه منزلها فخرجت من المنزل وذهبت إلى المحل بجوار المحطة وسألت العامل فيه من اتصل من عنده على رقم المنزل فرد عليها: أنه لا يعرف على وجه التحديد لأن هناك العديد من يدخلون للاتصال ويخرجون ولم يركز على أحد.
وأضافت الأم في المحضر التكميلي معها حول الأشياء التي سرقت عليها من غرفة النوم أو من المنزل أثناء الواقعة: بأن المسروقات هي حزام ذهب من عيار 21 نوع خليجي ثمنه أكثر من مليوني ريال وأشياء أخرى ثمينة أدلت بها.
فبدأ رجال المتابعة بناء على إفادة الأم هذه يميلون بالترجيح إلى أن دافع ارتكاب الجريمة هو السرقةº إذا لم يستجد ما يدل على ما يكون أقوى فهو احتمال ضعيف وغير وارد… ومما زاد من دفع فريق البحث للسير في هذا الاتجاه وتعزيز ترجيحهم بأن سبب الجريمة يأتي في المقام الأول السرقة أن العديد من الأشخاص وهم من الأصدقاء والجيران الذين تم سؤالهم أفادوا حول المجني عليه بأنه شاب مؤدب ومخلق وتعامله مع الآخرين كان حسنا وبالسلوك القويم والهادئ وليس هناك بشأنه ما يثير أي ارتياب إضافة إلى عدم وجود عداوة له مع أحد وأنه كان صديقاٍ ومحباٍ لكل من تعامل معه وكانت له صداقة وعلاقة به.
غير أنه فيما بعد وعن طريق التوسع في التحريات وجمع الإفادات والاستدلالات أتى في أقوال البعض من الشباب بما يكشف أن الشاب المجني عليه لم يكن يخلو في سلوكه من الطيش وكانت له علاقات مع بنات من هنا وهناك وله مغامرات مع أكثر من فتاة وأنه كان هو من يخبرهم بذلك على لسانه من باب التفاخر والفشر عندما كانوا يجلسون معه أو يجتمعون مع بعضهم للمقيل “التخزين” والسمر في أغلب الأيام.. كما تضمنت إفادات بعض هؤلاء الشباب أن المجني عليه نظراٍ لأن لديه سيارة تاكسي كان يستغل تجواله في الشوارع بهذه السيارة وشغله عليها ويلتقط الفتيات أثناء ذلك لعمل علاقات معهن وأنه قد أحضر ذات مرة إحدى الفتيات برفقته على سيارته إلى الحارة واختلى بها في منزله وحدث بسبب ذلك صياح بينه ووالدته.
وذكر أحدهم مؤكداٍ أنه كان بصحبة الشاب المجني عليه في أحد الأيام وحدثه عن نفسه بأنه ذهب ذات مساء إلى عند فتاة له معرفة وعلاقة بها وكانت في المنزل هي وأمها فقط فافتضح أمره معها وتم طرده من المنزل شر طردة.
فكان على إثر هذه المعلومات الأخيرة أن راح الشك يتسرب ويتغلغل لدى رجال البحث ويتجهون بالتفكير إلى وضع افتراض آخر كدافع للجريمة إضافة للدافع السابق المتمثل في السرقة وهو دافع الانتقام من قبل أقرباء أي من أولئك الفتيات اللاتي قيل إنه كان للشاب «المجني عليه» علاقة معهن وهو احتمال قوي لا يستبعد ولا يقل في ترجيحه عن سبب السرقة لا سيما وأن بشاعة الجريمة والطريقة التي استخدمت في ارتكابها وبثلاث سكاكين داخل حمام منزل المجني عليه ذاته كل ذلك يدل على صحة هذا الدافع «دافع الانتقام والثأر» وعدم إمكانية إغفاله.
وهذا ما توقف عنده ضباط الفريق وقيدهم بالحيرة حوله لبعض الوقت ولكن طرأ بعد ذلك محور جديد جعلهم يتراجعون عن الأخذ بالدافع الأخير الذي هو الانتقام والعودة إلى نقطة البداية والاعتقاد بدافع السرقة كسبب رئيسي لوقوع الجريمة وارتكابها من قبل الجناة المجهولين وذلك أنهم -أي ضباط البحث- وفي ثنايا توسعهم في جمع وغربلة الإفادات والاستدلالات قاموا أثناء ذلك بإعادة سؤال أخ المجني عليه الأصغر الذي اسمه «سلمان» وفتح محضر تكميلي معه على سبيل إنعاش ذاكرته وتحفيزها لإخراج ما يكون قد نسي بداخلها من معلومات لم يتذكرها أو يذكرها من قبل في المحضر الأول الذي أجري معه.
وكان مما استجد في هذا المحضر التكميلي وأفاد به الفتى خلاله بأنه قبل حوالي شهر من يوم الجريمة ذهب ودخل إلى محل أتاري لكي يلعب ويتسلى فيه مع بعض الفتيان والشباب من أصحابه ومنهم شاب اسمه ساخم وآخر اسمه علاء وثالث يدعى وفيق ومكث في المحل أكثر من ساعة وقبل خروجه من المحل ومغادرته له بعشر دقائق حين عودته للبيت فوجئ باقتراب المدعو سخيم منه قائلا له خذ حقك المفاتيح لقد نسيتها ثم أعطاه المفاتيح ودسها في جيبه وكانت هذه المفاتيح حق البيت وغرفة النوم والخزنة التابعة لأمه والتي فيها الأشياء الثمينة والحلي «الذهب» الخاصة بها وكانت بحوزته حين مجيئه للمحل وهو يتذكر أنه لم ينس المفاتيح عند وجوده في المحل ولم تسقط عليه ولكنه متأكد أن صاحبه المدعو سخيم سرقها منه ولا يدري متى وكيف¿ ولماذا¿.
وأضاف شقيق المجني عليه بأنه سبق وتحدث مع أصحابه أولئك وكلمهم من باب الفشر بأن لديهم في المنزل سلاح آلي عطفة وكذا خزنة فيها ذهب وأشياء ثمينة خاصة بأمه وهذه الخزنة بغرفة النوم ولا يستطيع حملها إلا خمسة أشخاص على الأقل.
وذكر أيضا بأن المدعو سخيم قال له أكثر من مرة بأنهم يريدون أن يأتوا عنده بالمنزل لكي يجلسوا للمقيل ويأخذوا حريتهم لوحدهم ولكن على أمه أن تخرج من المنزل وتذهب عند جدته أو تكون خارج البيت حين مجيئهم كما أنه قبل أسبوعين صادف أن كان عندهم في البيت بعض الضيوف وصاحبه المدعو وفيق كان موجودا عنده وسأله أثناءها أكثر من مرة: متى سيمشي هؤلاء الضيوف ويذهبون لحال سبيلهم¿!
ثم توفرت لدى فريق البحث بعد ذلك معلومات أخرى وإفادات لأشخاص كانت في غاية الأهمية وفتحت الآفاق للإمساك بأول الخيط والسير على الطريق الصحيح نحو التوصل لمعرفة المجهول وكشف الغموض المسيطرة وكذا وضع قبضتهم على الجناة مرتكبي الجريمة وإزالة الستار عن ملابسات الجريمة وأسبابها وكيفية التخطيط لها وارتكابها¿¿ و…. و… إلخ وهذا وغيره ما سنعرفه ونقرأه عزيزنا القارئ الكريم في الحلقة الثالثة والأخيرة بعدد الأحد القادم بمشيئة الله تعالى… وإلى اللقاء.

قد يعجبك ايضا