الشهيد .. القضية والمقام الرفيع

 

محمد علي عناش

ذكرى الشهيد التي تهل علينا بعد أيام ليست مجرد ذكرى عابرة في ذاكرة اليمنيين تنتهي حيويتها بمجرد انتهاء الاحتفاء بها،وإنما هي ذكرى خالدة ومقدسة في ذاكرة ووجدان كل يمني حر،حاضرة في قلوبهم وتفكيرهم وسلوكهم وقضيتهم العادلة،تتجدد حيويتها وتشرق عظمتها كل يوم في نفوسهم وفي كل انتصار في جبهات العزة وفي كل منجز عظيم على الواقع، وما أسبوع الشهيد سوى محطة سنوية للتزود من نبع فياض قدسي المصدر والمرجع للتشبع والتطهر واستلهام لرمزية عظيمة سرمدية الخلود، وأيضا لتجديد العهد والولاء للشهيد للمضي في نفس الدرب الذي شقه الشهيد ورواه بدمه حتى أينع وأزهر،خاصة ونحن مازلنا نعيش نفس القضية التي حملها الشهيد ونذر حياته من أجلها، ونفس المظلومية التي هب الشهيد للدفاع عنها ونفس العدوان والتآمر الذي واجهه الشهيد بشموخ وسطر في مواجهته أبلغ المآثر طوال ست سنوات من العدوان.
المرجفون والمثبطون لم يكلوا من بثّ ثقافة شائعة انهزامية جاحدة مفادها “ان الحيّ أبقى من الميت” مستغلة الظروف المعيشية الصعبة للناس، وهي ثقافة طمس لمآثر العظماء وتاريخهم المشرق،سواء كانوا شهداء أوكانوا عظماء في مختلف الميادين، فما بالك عندما يكون هؤلاء العظماء هم الشهداء فمثل هذه الثقافة تكون أخطر لأنها تطوي صفحات خالدة من التاريخ،وتلغي من ذاكرة الأجيال مأثر وبطولات وحكايات عظيمة في الفداء والتضحية والوطنية وتقطع صلة الأجيال وارتباطهم بالقضية العادلة والمصيرية التي حملها الشهداء،وعندما تكون ذاكرة الأجيال مفرغة من القضية العادلة ومفرغة من النماذج العظيمة،تكون ذاكرة الأجيال جاهزة للامتلاء بقضايا هامشية وانتهازية ولا أخلاقية وثقافات مغلوطة منحرفة،وأيضا تكون جاهزة للامتلاء بنماذج سيئة وطاغوتية وشيطانية من بني البشر
ثقافة الحي أبقى من الميت لا تهدف فقط إلى وقف الفعاليات الاحتفائية بالشهيد،وإنما تستهدف الشهيد كقضية وهدف وثقافة وسلوك، ومثل هذه الثقافة ليست حاضرة لدى كل الأحرار الذين يحترمون شهداءهم ويجددون العهد لهم سنويا بالمضي على دربهم وقضيتهم وما هذا التسابق إلى ميادين العزة والشرف إلا خير دليل على هذا الوعي الكبير لدى جموع اليمنيين الأحرار من مختلف المناطق والمحافظات.
مقام الشهداء مقام عظيم ورفيع فالشهداء ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون،قال تعالى”ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” ودلالة الشهيد دلالة كبيرة وعظيمة هي دلالة الجود والعطاء بأغلى ما يمتلكه الإنسان، دلالة عظيمة بحجم الإنسانية كلها التي تنشد الخير والعدل والسلام.
وبالتالي فشهداء الوطن العظماء لم يكونوا مشاريع موت كما يحاول الأعداء والخونة والمرجفون تصوير الأمر لتثبيط الهمم والتقليل من مكانة الشهداء وزعزعة الارتباط بهم وبقضيتهم، وإنما هم مشاريع حياة وبذل وعطاء وشموخ للوطن والأمة،
ومن حيث الأساس نحن ننشد السلام والتعايش المشترك ونكره الحروب والنزاعات والإنقسامات،فالسلام العادل والتعايش المشترك مقدم وأولى وأوجب،لأن في السلام والتعايش النماء والعمران والتماسك والعزة،وفي الحروب والنزاعات الدمار والخراب والمآسي والشتات،وبقدر ما ننشد السلام فإننا ننشد العزة والكرامة والعدالة والعيش الكريم وننشد الوطن المستقل والسيادة الحرة والأبية،وعندما تتعرض هذه الأساسيات الوجودية والمصيرية التي ننشدها للامتهان والتطاول،يصبح الدفاع عنها واجبا مقدسا لا ينبغي التخلف عنه، وتصبح الشهادة في سبيلها غاية مقدسة مقامها رفيع وعظيم عند كل يمني حر وأبيّ.

قد يعجبك ايضا