عظمة الشهداء وكرامتهم عند اللَّه
العلامة/ عدنان الجنيد
إننا عندما نتكلم عن الشهداء إنما نتكلم عن أولياء الله تعالى وخاصة عباده فهم بعد النبيين والصديقين من حيث المرتبة قال تعالى ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) وبصدقهم وإخلاصهم مع الله تعالى حصلوا على الشهادة العظيمة والمرتبة الفخيمة….
هذا ولنعلم بأن الشهادة في سبيل الله مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية ، ووسام لا يهديه الله إلا لخاصة أوليائه بعد أن أجتازوا العقبات التي تحول بينهم وبين ذلك المقام الرفيع جاء في الحديث ” فوق كل ذي بر بر حتى يُقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر ”
إن هؤلاء الشهداء العظماء عندما طلبوا الموت في سبيل الله وهب الله لهم الحياة ومنعنا في كتابه الكريم أن نقول في حقهم بأنهم أموات قال تعالى ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ )، لقد وهبوا أنفسهم وضحوا بأرواحهم من أجلكم أيها اليمنيون، من أجل أن تعيشوا حياة كريمة عزيزة، من أجل أن تكونوا مستقلين ومتحررين من الوصاية السعودية والهيمنة الأمريكية، من أجل أن يكون خضوعكم وخنوعكم وركوعكم لله لا لغيره، من أجل أن تكونوا أحراراً وليس عبيداً للاستكبار العالمي وأحذيته في المنطقة .
إن الشهداء ضحوا بأعز ما يملكون كي تنعموا _ أيها اليمنيون _ بالأمن والأمان ، وتنعموا بالسعادة والاستقرار لهذا جازاهم الله بالجزاء الأوفى ورفعهم إلى المنظر الأعلى وخصهم بالمقام الأحلى وأكرمهم بثلاث كرامات :
الكرامة الأولى : وهي في الدنيا إذ جعل لهم الذكر الحسن والثناء الجميل على مر الدهور والأزمان وما هذه الفعاليات التي تُقام في حق الشهيد ماهي إلا تخليداً لذكرهم ووفاء لهم.
الكرامة الثانية : وهي في عالم البرزخ فقد ميزهم الله بحياة خاصة دون غيرهم ، وهذه الحياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس ولكننا لانعرف حقيقتها قال تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
فقوله (عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) دليل على عظمة وكرامة وشرف الشهداء حيث أضافهم الرب تعالى إليه ، وهذه العندية عندية شرف وكرامة لإمكان ومسافة، فالشهداء في الحضرة العندية يرزقون.
وأما ما ذهب إليه بعض المفسرين في معنى قوله تعالى ( … أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) أنها حياة يجعل الله بها الروح في جسم آخر يتمتع به ويرزق ورووا في هذا روايات منها _ كما جاء في تفسير الجلالين _ : ” أن أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة ” .
فأقول ما ذهبوا إليه ليس بصحيح ففي هذه الرواية شيء من الاضطراب وفي رواية مسلم والترمذي من حديث ابن مسعود أنها : ” في حواصل طيور خضر تسرح من أنهار الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش ….” الخ.
وفي رواية عبد الرزاق من حديث عبدالله بن كعب بن مالك : ” أن أرواح الشهداء في صور طيور خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة ” فهذه الرواية تدل على أن أرواح الشهداء محبوسة في مكان خاص ، بينما الرواية التي قبلها تفيد أنها _ أي أرواح الشهداء _ مطلقة تسرح حيث تشاء ثم إن لها مأوى تأوي إليه حين تشاء.
وفي رواية مالك وأصحاب السنن ماعدا أبا داود أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تعلف من ثمر الجنة أو شجر الجنة .
إلى غيرها من الروايات التي أوردها بعض المفسرين وهذا الاضطراب يدل على ضعفها وعدم الاعتماد عليها في تفسير الآية ولهذا نقول بأن حقيقة حياة الشهداء وحقيقة رزقهم من الأمور الغيبية نؤمن به ونفوض الأمر فيه إلى الله وقوله تعالى: ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ…)إلخ أي أنهم فرحون بما وجدوا من الفضل الإلهي الحاضر المشهود عندهم. ويطلبون السرور بما يأتيهم من البشرى بحسن حال من لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ..
وفي الآية إشارة لطيفة هي أن هؤلاء المقتولين في سبيل الله يأتيهم وتتصل بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدنيا إما كشفاً أو علماً..
الكرامة الثالثة : هي في الآخرة فقد ضمن الله لهم الجنة ووعدهم بها لأنهم باعوا أنفسهم لله تعالى فاشتراها منهم قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
وأخيراً أقول إذا كان الشهداء ضحوا بأرواحهم من أجلنا -نحن اليمنيين – فإن أقل واجب نقوم به تجاههم هو أن نسير على ما ساروا عليه فنتأسى بهم ونمشي على دربهم ونسلك مسلكهم، وننتهج طريقتهم ، ونسير على المبادئ التي استشهدوا في سبيل الله من أجلها ونتفقد أُسرهم ونواسي أولادهم، ونوفر لهم كل ما يحتاجون إليه هذا من باب الوفاء ورد الحميل لهم على الأقل.
جعلنا الله وإياكم منهم وحشرنا معهم.. آمين يا رب العالمين.