نعم للسلام .. لكن !!؟

أحمد يحيى الديلمي

 

لا أستغرب بل استهجن واستنكر الأصوات التي تتعالى بالمطالبة بإيقاف الحرب من الطرف المعتدى عليه ، إنها فعلاً صورة غير طبيعية تعبر إما عن جهل أو غباء أو عن عمد وسبق إصرار وترصد .
أرتجف القلم في يدي بمجرد أن فكرت بالكتابة عن الموضوع خوفاً من الوقوع داخل الإحساس بالذنب تجاه أولئك الشباب الأبطال الذين لا يهابون الموت وهم يتفاخرون ويهبون الأرواح والمُهج فداءً للوطن ، هذا ما جعلني أحس بشبه صدمة عنيفة وقد تراءت لي صور ثلاثة من الشهداء يستنكرون هذه الدعوات ويقولون أولاً يجب أن تصحح لهؤلاء الناس مفاهيمهم ، فعن أي حرب يتحدثون ويطالبون بإيقافها؟! ما يجري عدوان بربري شرس يحاول اغتيال الوطن والنيل من سيادته وكرامة أبنائه ، هزتني الكلمات تسألت مع نفسي بمرارة إلى متى سنظل نسدل الستار على مثل هذه الأفكار والدعوات الظالمة التي تساوي الضحية بالجلاد والمعتدي بالمعتدّى عليه ؟! لماذا لا نغوص في عمق القضية وخلفية العدوان بأبعادها المختلفة ؟! وسنجد أن الدعوات إنما تحرث في أرض جرداء ، فلا اليمني الآخر بيده مقاليد الأمور وقرار إنهاء الحرب ولا المعتدون لديهم الرغبة في إيقاف هذه الحرب إلا بعد أن يحققوا مآربهم الخبيثة كما حدث في حرب الستينيات ، ظل اليمنيين يعقدون مؤتمرات تلو المؤتمرات وحوار تلو الحوار والأمم المتحدة ترعى هذه الحوارات بلا جدوى ، إلى أن اقتنعت السعودية وحققت مآربها باستقطاب كبار مشائخ اليمن وتحويلهم إلى مجرد أدوات يسيرون وفق إرادتها ، عند ذلك جاء قرار إيقاف الحرب بدون تعب ولا دعوات ولا صرخات ، لا تزال قضية الانتكاسة الكبرى التي تعرضت لها القوى الملكية مثار كل التساؤلات ، الكل يسأل ماذا حدث؟! لأنه بالفعل كانت المفاجئة غير مقبولة فبعد أن كانت هذه القوى أحاطت بصنعاء من كل الاتجاهات تراجعت وانسحبت في ليلة وضحاها .
دعوني هنا أحكي رواية أستمعتها من الأمير محمد بن الحسين “رحمه الله” الذي كان آنذاك قائد القوة الملكية ، فلقد ألتقيته في الأردن قبل وفاته بعامين ووجهت له نفس السؤال ، ضحك وقال أحد الأسباب البدر وأنا.. قلت كيف؟! قال كان البدر هو الإمام أولاً وعندما بدأت القوات المصرية تنسحب من اليمن استدعاه الملك فيصل ووضع بين يديه ملف الحدود ، وقال وقع فرفض الرجل تماماً وقال هذا الموضوع يخص الشعب اليمني كله ، ثم الوقت لم يحن بعد يا جلالة الملك لمناقشة هذا الموضوع ، استدعوا المشائخ وقاموا عليه بانقلاب في نفس الليلة ونفوه إلى بريطانيا وأقاموا ما سُمي بمجلس الإمامة الذي كنت رئيسه ، وطلب مني الأمير سلطان نفس الطلب فأجبته بنفس الإجابة ، وفي تلك اللحظة انقلبت كافة الموازين ، استدعى فيصل المشائخ وطلب منهم الانسحاب من كافة الجبهات المحيطة بصنعاء ، وأنا باركت ما جرى لأني اكتشفت أن السعودية لا أمان لها ، واتصل بي حينها قاسم منصر (لا يزال الكلام لمحمد بن الحسين ) فنصحته بأن ينضم إلى الصف الجمهوري ويبحث له عن موقع معهم ، وبالفعل أخذ بالنصيحة وأنضم إلى الصف الجمهوري ، وهكذا توالت الانضمامات واستقر وضع الجمهورية .
وبعد هذه الشهادة العابرة اسأل بمرارة أولئك الذين عاصروا تلك الفترة وعايشوا ما جرى، كيف يتبنون مثل هذه الدعوات وهم يعرفون ماذا تريد السعودية أكثر من غيرهم ، وعلى يقين أن السعودية لا تريدنا إلا أذلاء منكسي الرؤوس خانعين ، أو كما يُقال تُعيدنا إلى بيت الطاعة ، مع ذلك يتجاهلون هذا الأمر ويحملون طرف مسؤولية استمرار الحرب ، أليست دعوات ظالمة!؟ فعلاً إنها ظالمة وتنم عن نوايا أقل ما يمكن القول بأنها ساذجة.
يا أخوة، الوطن في خطر والشباب يتساقطون كالزهور في الجبهات وهم يتصدون لمعتد شرس من أجل حماية الحياة من الموت والصحة من المرض والأرض من الاحتلال ، بينما هذه الأصوات تتعالى وكأن أصحابها يصرون على إمساك العصا من المنتصف لكي يتواروا خلف مواقف هزيلة تؤكد البراءة المبكرة مما يجري ، ولم يتعظوا بما جرى فالمرتزقة يتهاوون ، ويعلنون الرفض المطلق لكل ما يتعرضون له من مهانة ومعاملة سيئة على يد المحتلين الجدد ، بينما هؤلاء لا يتعظون لا يزالون سادرين في الغي يقولون المهم إنهاء الحرب ، وكأن المثقفين وأرباب السياسة يصرون على التغابي والوقوف عند تداعيات الحرب دون الانغماس في المشكلة ومعرفة الأسباب والجذور الحقيقية لشيء في نفس يعقوب لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، ومع احترامنا لهؤلاء الأساتذة الكبار الذين نجلهم ونحترمهم ، إلا أنه آن الأوان أن يدركوا أن السعودية ليست إلا أداة ، أما المؤثر الأساسي والفاعل لما يجري فهي أمريكا ، وهي التي بيدها استمرار أو إيقاف الحرب ، وعليهم أن يتابعوا المعطيات والمستجدات التي طرأت وتطرأ على السياسة الأمريكية منذ أن صعد بايدن بدلاً عن ترامب ، صحيح أن الأثنين يغترفون من سياسة لعينة واحدة تحاول شيطنة كل شيء وتسخره لصالح دولة الكيان الصهيوني ، إلا أنه كما يقال (أبليس أهون من الشيطان) والمطلوب أن يستوعب هؤلاء ما يجري ، خاصة أنهم على درجة عالية من الثقافة والفهم والوعي واستبعد أن يكونوا ضالعين في أي اتفاقات تدل على المؤامرة او تحاول شرعنة الاحتلال ، فكلهم وطنيين من الطراز الأول.
بقي أن نعذرهم في جانب واحد يتعلق بالخشية الكبيرة من مآلات انتصار الطرف الوطني وهي هواجس ومخاوف كاذبة يروجها الإعلام المعادي بقصد شيطنة الفئات السياسية في الداخل وإيجاد بؤر للفتن يوظفها كما يشاء ويستخدمها بالطريقة التي يُريد .
خلاصة القول كما تم إعلان بداية العدوان من واشنطن ستظل مفاتيح النهاية في واشنطن ، وهذا هو قدرنا نحن اليمنيين أن نقدم التضحيات تلو التضحيات لحماية الذات وصيانة السيادة والاستقلال ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا