تهديد أمريكي للبنان بوقف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود مع كيان الاحتلال

 

بناءً على طلب أمريكي، مدفوع برغبة إسرائيلية، جرى تأجيل جلسة المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود بينَ لبنان وكيان العدو، التي كانت مقررة اليوم الأربعاء، من دون تحديد أي موعِد لجلسة لاحقة.
وجاء هذا الطلب لافتاً، على وقع مناخات متوترة في الإقليم، علماً بأن مصير التفاوض قد بدأ يترنّح منذ انتهاء الجلسة السابقة، والتي عمدَ الجانب الإسرائيلي من بعدها إلى إطلاق مواقف ضد لبنان يتّهمه فيها بأنه تراجع عمّا تمّ الاتفاق عليه.
غيرَ أن اللافِت أكثر هو ما نقلته أمس الأول هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مصدر رسمي قوله إن “الوسيط الأمريكي قرّر التركيز على إعداد الأرضية للمباحثات المقبلة”. من هذه الجملة يُمكن فهم بعض جوانب الزيارة الأمريكية. والمقصود بعبارة “إعداد الأرضية”، توفير أجواء للتفاوض ترتاح فيها الكيان الصهيوني من خلال ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان للتراجع عن موقفه وسقفه التفاوضي.
وما سيقوله السفير الأمريكي الآتي إلى بيروت، مهّدت له زميلته، السفيرة الأمريكية إلى لبنان، دوروثي شيا، التي زارت أمس الأول رئيس مجلس النواب نبيه برّي، علمت الأخبار أن شيا أبلغت كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وقائد الجيش العماد جوزف عون، أن المفاوضات قد لا تكون مفيدة في حال أصرّ لبنان على موقفه الأخير، داعية إلى وضع خطة عمل جديدة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.
وذكرت المعلومات أن السفيرة الأمريكية تعتبر أن خط هوف هو خط منصف للبنان، وأن محاولة العودة إلى نقاط وخطوط أخرى ستنسف المفاوضات وتضيّع فرصة التوصل إلى اتفاق يسمح للبنان باستثمار سريع لثرواته النفطية من أجل مواجهة أزمته المالية والاقتصادية الصعبة.
وفيما نُقل عن رئيس وفد لبنان العميد بسام ياسين قوله إنه لن يتراجع أبداً عمّا عرضه، وإنه مستعد للاستقالة من منصبه، قال مصدر دبلوماسي غربي إن قائد الجيش سيدرس الأمر مع الرئيس عون قريباً جداً. وأعربت المصادر عن خشيتها من إدخال الملف ضمن إطار المزايدات بين القوى اللبنانية المتصارعة اليوم، ما يؤدي الى تعطيل المهمة، لافتة الى أن اتصالاتها الجانبية دلّت على أن توجيهات الوفد المفاوض يتولاها قائد الجيش وأحد الضباط المساعدين له ومستشار مدني هو من السياسيين الناشطين في البلاد. ولفتت إلى أن الرئيس عون لم يعد يتدخل بعد جلسة التوجيهات الأولية.
منذ انتهاء جلسة التفاوض الأخيرة، لم يتوقّف الجانب الإسرائيلي عن تمرير رسائِل في إعلامه يهدّد فيها بفشل الترسيم وتحميل المسؤولية للبنان. وكانَ واضحاً أن العدو استفزّه موقف لبنان برفعه سقفه التفاوضي الى حدّ بعيد، مقترحاً استرداد مساحة تتخطى 2190 كلم مربعاً، بدلاً من مساحة 863 كلم مربعاً. يومها، وفور انتهاء الجلسة، استنفرت السفيرة الأمريكية، وقصدت برفقة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون للتعبير عن استياء أمريكي من الموقف اللبناني المستجد، داعية إلى الالتزام بما جرى الاتفاق عليه سابقاً”، أي التفاوض على الـ863 كيلومتراً.
في هذا السياق، أشارت أوساط مطلعة إلى أن “لبنان تبلّغ بتأجيل الجلسة منذ نحو أسبوع، لافتة إلى أن الإسرائيليين يريدون العودة إلى نقطة B23 كمنطلق للتفاوض، وهي النقطة التي تم التوافق على ترسيمها بين “إسرائيل” وقبرص بين العامين 2008 و2010م، نتيجة خطأ حصل عام 2007م في الترسيم من قبل لبنان واستغلته إسرائيل لصالحها. لذا أتى الطرح اللبناني الجديد بالحصول على مساحة 1430 كيلومتراً إضافية إلى الـ 863، ما أثار نقمة الوفد الإسرائيلي.
وتقول المصادر إن هناك أجواءً عند الطرف المقابل تتحدث عن أن استكمال جلسات التفاوض في هذه المرحلة سيدور في حلقة مفرغة بانتظار تبلور سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض». وبالتالي، فإن هذا التأجيل «لن تكون له تداعيات سلبية إلا في حال حصول طارئ معيّن”. وفيما لم يتأكد بعد إذا ما كان السفير الأمريكي سيلتقي مسؤولين إسرائيليين في هذه الفترة، فإن التوقعات تصبّ في خانة أن “الضغوط على لبنان ستتصاعد في المرحلة المقبلة”، إذ يُمكن أن “تكون إدارة ترامب والإسرائيليون يريدون في الشهرين المتبقيين من عمر الإدارة الأمريكية الحالية تحقيق خرق ما من خلال دفع لبنان إلى التراجع عن مطلبه وإعادته إلى نقطة التفاوض التي يريد العدو الانطلاق منها. وهنا، تقتضي المصلحة، بحسب المصادر، التزام لبنان بالسقف الذي وضعه، ومقاومة الضغوط وإلزام الأطراف خلال هذين الشهرين بانتظار الإدارة الجديدة أيضاً، حتى لا نظهر بمظهر المتراجع.
غيرَ أن مصادر أخرى قالت لـ”الأخبار” إن التأجيل طلبه الأمريكيون لأنهم شعروا بأن الجلسات السابقة لم تحقق أي نتيجة، وأنهم في هذا الوقت المستقطع يريدون الاجتماع مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي، كل منهما على حدة، لاستكشاف آفاقهما وسقوفهما”، مشبّهة ذلك “بالوساطة التي حصلت على اتفاق الإطار سابقاً، من أجل وضع أسس جديدة للتفاوض.
وبينما كانت حاجة لبنان كما العدو الإسرائيلي إلى هذا الاتفاق كبيرة لحاجة كلّ منهما إلى الاستثمار في الغاز، أبدت أوساط سياسية مطلعة تخوّفها من أن يكون تجميد التفاوض عامل توتر، يضاف إلى العوامل الأخرى التي تتصل بمناخات أمنية وعسكرية وسياسية دقيقة في المنطقة.

قد يعجبك ايضا