ما مدى قدرة الكيان الصهيوني على خوض حرب شاملة؟

 

يدور الكثير من الجدل هذه الأيام حول قدرة الكيان الصهيوني على مواجهة حرب عسكرية شاملة.
وبحسب المراقبين فإن وقوع عملية إرهابية في إيران ضد عالم عسكري ونووي، وجَّه مرةً أخرى أصابع الاتهام إلى الصهاينة، ويستند هذا الاتهام الموجَّه إلى تل أبيب بالطبع إلى تاريخ الكيان في اغتيال الباحثين والعلماء النوويين الإيرانيين من جهة، وكذلك إشارة مسؤولين صهاينة في السنوات الأخيرة إلى اسم “فخري زاده” كعالم نووي تم اغتياله.
قبل عامين، أشار بنيامين نتنياهو إلى “فخري زاده” على أنه عالم نووي إيراني، وقبل ذلك ذكر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت اسم هذا العالم النووي الإيراني أيضاً.
وفي ظل هذه الظروف، وبعد العمل الإرهابي الأخير الذي استهدف هذا العالم الإيراني، فإن آثار أقدام الصهاينة في هذا العمل العدواني التخريبي واضحة للغاية، ولا توجد شكوك في هذا الصدد.
فبعد هذا العمل الإرهابي في إيران، رفع الصهاينة مستوى التحذير، وأصبحت المخاوف في فلسطين المحتلة من نشوب نزاع عسكري مع إيران أكبر بكثير من أي وقت مضى. ولكن إلى أي مدى تل أبيب جاهزة لخوض حرب شاملة ضد إيران؟
ويؤكد المراقبون أن هدف الصهاينة هو إيقاف برنامج إيران النووي، الذي يشكل لهم قلقاً بالغاً وعلى الرغم من مزاعم المسؤولين الصهاينة، بمن فيهم نتنياهو، بقصف المنشآت النووية الإيرانية، فإنهم يدركون جيداً أنه ليس لديهم القدرة على القصف والقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، لأن ذلك قد يشعل فتيل حرب إقليمية شاملة.
ووفق المحللين السياسيين فإن الخوف من مواجهة عسكرية مع إيران قد دفع الصهاينة إلى اللجوء إلى عمليات الاغتيال، وبما أن تل أبيب غير قادرة على شن حرب عسكرية واسعة النطاق أو تنفيذ مزاعمها بقصف المنشآت النووية الإيرانية، لذلك فإنهم اختاروا مشروع الاغتيال واستهداف الباحثين والعلماء النوويين الإيرانيين.
والذي سبق للصهاينة متابعة مشروع اغتيال الشخصيات العلمية لبرنامج إيران النووي في السابق خلال سنوات 2009 إلى 2011، والذي ترافق مع رد فعل عالمي سلبي وتكاليف باهظة تکبَّدوها.
ولذلك، فإن استئناف اغتيال عالم نووي في إيران، يظهر أن مشروع الاغتيالات السابق في إيران قد فشل في تحقيق أهداف الصهاينة بوقف برنامج إيران النووي وشلّ القدرات النووية الإيرانية، وبالتالي فقد لجأت تل أبيب مرةً أخرى وعلی الرغم من التكلفة السياسية الباهظة، إلى اغتيال الأشخاص المؤثرين في برنامج إيران النووي السلمي.
صعوبات الحرب الإقليمية على تل أبيب
في أي حرب محتملة، فإن التهديدات ضد الكيان الإسرائيلي ليست فقط من داخل حدود إيران، بل ستواجه تل أبيب شبكةً من فصائل المقاومة في المنطقة، تمتد من السواحل اليمنية على البحر الأحمر إلى سواحل فلسطين المحتلة في لبنان، إلى العمق الاستراتيجي لمجموعات المقاومة في العراق وسوريا.
حتى إنه مع تدخل الولايات المتحدة أو بعض الدول الغربية لمصلحة الصهاينة في أي حرب محتملة، فإن شبكة المقاومة المتحالفة مع إيران في المنطقة واسعة جداً وتنتشر في جميع أنحاء المنطقة، بحيث لن تتركز المعركة المحتملة على جزء أو نقطة محددة، بل ستفتح جبهات مختلفة على فلسطين المحتلة.
وعليه، فإن شبكة حلفاء إيران الإقليميين في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وفق المراقبين ستحوِّل أي صراع محتمل مع الكيان الصهيوني إلى حرب إقليمية، وليس من المتوقع أن يتمكن الكيان الصهيوني الذي يمتلك مساحةً صغيرةً ويفتقر إلى العمق الاستراتيجي، من التعامل مع ساحات القتال المختلفة في المنطقة.
ويعاني الكيان الصهيوني من عدد من نقاط ضعف بنيوية، ونقاط الضعف هذه هي التي تعزز سيناريو هزيمة تل أبيب في أي حرب محتملة.
خلال السنوات الأولى لإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين في الأربعينيات من القرن الماضي، كان جيشه المشكَّل حديثًا جيشًا أيديولوجياً قائماً على التعاليم المتطرفة للصهيونية، وأصبحت هذه المعتقدات الأيديولوجية نفسها نقطة القوة للصهاينة في حربهم ضد العرب.
ولكن هذه السمة الأيديولوجية للجيش الصهيوني قد تلاشت تدريجياً على مدى العقود القليلة الماضية، وتضمّ القوات العسكرية لهذا الكيان بشكل أساسي مهاجرين يبحثون عن عمل ويفتقرون إلى وثائق الهوية، وخاصةً من إفريقيا، الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة لأغراض مادية ولم يؤمنوا كثيراً بالتعاليم الصهيونية.
وفق هذه القراءات فإن الجسم الحالي للجيش الصهيوني، وعلى عكس سنواته الأولى، يفتقر إلى الانتماء الأيديولوجي، وليس لديه رغبة تُذكر في الدخول في حرب شاملة.
کما أن الموقع الجغرافي للكيان الصهيوني عامل آخر في الضعف البنيوي لهذا الكيان. حيث قامت فصائل المقاومة في لبنان وقطاع غزة بحفر أنفاق على حدود فلسطين المحتلة، يمكن استخدامها بسهولة عبر الحدود لمهاجمة القوات الصهيونية.
والصهاينة يبحثون دائمًا عن الأنفاق المذكورة، وبمجرد العثور عليها يقومون بتدميرها، ولكن يتم دائمًا حفر أنفاق جديدة وغير معروفة، ولا يستطيع الصهاينة تحديد وتدمير كل هذه الأنفاق.
من ناحية أخرى، لطالما تمت المبالغة في القوة العسكرية للكيان الصهيوني. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة الإندبندنت الصادرة في لندن، في تقرير كتبته “أمل شحادة” ونُشر في شباط 2017: إن العديد من خبراء الأمن غير متأكدين من القدرات الدفاعية للجيش الإسرائيلي، ويرون أن القدرات الدفاعية لهذا الجيش هي دعاية.
وكشفت تقارير سرية أن الوحدة العسكرية 319، المسؤولة عن محاربة حزب الله، تعاني من العديد من نقاط العجز التي تجعل قدرتها على مواجهة تهديدات حزب الله موضع شك.
حيث تواجه هذه الوحدة العسكرية نقصاً في الآليات العسكرية، ونقصاً في القوى البشرية، ونقصاً في الخدمات الطبية واللوجستية. إضافةً إلى ذلك، فإن القوات البرية الإسرائيلية غير مستعدة وغير قادرة على التعامل مع سيناريوهات الحرب المختلفة.
ونظراً لوجود إيران بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ونشر أنظمة الصواريخ من قبل حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى الموالية لإيران على طول الحدود مع “إسرائيل”، فيمكن لعجز الجيش الصهيوني أن يخلق التحديات لأمنه واستقراره.
ورغم محاولة الجيش الإسرائيلي دائماً منع نشر تقارير تكشف نقاط ضعف هذا الجيش، لكن في النهاية وافقت محكمة هذا الكيان على نشر هذا التقرير في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فاتضح ضعف الجيش الإسرائيلي للجميع.
ويمكن أن يضاف ضعف الأنظمة الدفاعية، إلى نقاط الضعف العسكرية والهيكلية للكيان الصهيوني. وأكثر ما يقلق الصهاينة هو أن نظام الدفاع الجديد بالليزر، الذي كلَّف ملايين الدولارات، غير قادر على التعامل مع الصواريخ بشكل كامل وصحيح.
إن تشغيل هذا النظام لا يمكن أن يمنع الصواريخ المتطورة من دخول أراضي فلسطين المحتلة، لأنه لكي يتمكن نظام الدفاع الليزري الجديد من استهداف صاروخ، فيجب أن يكون بعيدًا عنه بما يكفي. في حين أن معظم الصواريخ التي تهدد الصهاينة تقع بالقرب من الحدود، وليست بعيدةً عن أنظمة الدفاع بالليزر الجديدة.

قد يعجبك ايضا