من المهم أن تستشعر القوى السياسية والحزبية اليمنية أن اتفاقها على الاحتكام إلى الحوار والجلوس على طاولة واحدة لمناقشة كافة القضايا التي تهم الوطن استجابة لدعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لهذه القوى لإنهاء حالة الانسداد التي تكتنف علاقاتها ومغادرة نفق المكايدات والمناكفات والاتجاه نحو الحوار وطرح الرؤى والأفكار والتصورات وإخضاعها للمداولة واستخلاص كل ما هو مفيد ويسهم في تعزيز وتمتين جسور الثقة والشراكة الوطنية لم يكن اتفاقاٍ للمناورة أو إعادة إنتاج صفحات الماضي وسلبياتها بل هو اتفاق الهدف منه خلق اصطفاف يفضي إلى توحيد الطاقات والقدرات الوطنية في مواجهة التحديات الماثلة التي تعترض طريق الوطن باعتبار أن الجميع في السلطة والمعارضة مسؤولون ومعنيون ببذل أقصى الجهود في ميادين البناء والنهوض بالوطن والحفاظ على أمنه واستقراره وسكينته العامة. ولعل الأهم في هذا كله أن ذلك الاتفاق جاء مؤطراٍ ببعد وطني صرف ولا يحتمل أي قدرُ من التسويف أو أي نوع من أنواع الجدل العقيم والبيزنطي الذي قد يحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية والحزبية أو نافذة للابتزاز والمساومة والتمصلح والتكسب على حساب الوطن والوحدة الوطنية والنهج الديمقراطي والاستحقاقات الدستورية التي تمثل حقاٍ شعبياٍ وجماهيرياٍ ليس من حق أحد الالتفاف عليها أو التلاعب بمواعيدها تحت أي مبرر. ومن مضمون الاتفاق نخلص إلى أن الحوار وسيلة حضارية لا ينبغي تكبيلها بالاشتراطات التعجيزية والأساليب التكتيكية التي ثبت فشلها أكثر من مرة ولم تعد على أصحابها بأي فائدة تذكر بقدر ما وضعتهم في مآزق متعددة كانوا في غنى عنها. نقول ذلك للتأكيد على أن من جنحوا إلى استغلال الروح الوطنية الحريصة على إحلال وتكريس عوامل التناغم بين أطراف العملية السياسية في مقايضة الحوار بتعطيل الأنظمة والقوانين والسعي إلى إضعاف دور المؤسسات الدستورية في حفظ الأمن والاستقرار وصون السكينة العامة للمجتمع وإثنائها عن ممارسة مسؤولياتها في محاسبة كل المتورطين في أعمال التخريب والنهب والسلب وقطع الطرقات الآمنة والاعتداء على المواطنين وسفك دمائهم بدوافع جهوية أو مناطقية مثل هؤلاء لا يسعون فقط إلى إجهاض فرص الحوار والتوصل إلى توافق وطني حول القضايا التي سيجري التحاور بشأنها بل إنهم يرمون إلى الزج بالبلاد في أتون الفوضى والانفلات العارم الذي يأكل الأخضر واليابس ويأتي على كل شيء بالخراب والدمار الشامل. وإذا كانت مثل هذه الممارسات متوقعة وسبق وأن حذرنا أكثر من مرة من ذلك الطابور الذي يتغلغل داخل بعض الأحزاب ويعمل على توظيف كياناتها لأهدافه ونواياه العدوانية فإن الغريب أن ترتهن بعض الأحزاب لمواقف هذا الطابور وتوجهاته السيئة التي كانت وراء كل الأزمات التي مر بها الوطن وقد أثبتت التجارب أن هذا الطابور من المصلحيين والحاقدين والمتآمرين والمأجورين هم من أجهضوا كل اتفاق يرقى بالحياة السياسية والحزبية وهم من عملوا على إفراغ تلك الكيانات الحزبية من الأهداف التي أنشئت من أجلها والمحددة في برامجها بل وإحداث القطيعة بينها وبين الجماهير والإجهاز عليها لتغدو مجرد كيانات بلا روح لا تدري ماذا تريد ولا تعلم إلى أي منزلق تسير. ولا ندري أيضاٍ أين غاب دور العقلاء وهم يرون كل ذلك العبث الذي بدأ هذه المرة من زاوية محاولة الالتفاف على إجراء الانتخابات القادمة في موعدها المحدد الـ27 من أبريل 2011م لينتهي بهم المطاف إلى إطلاق الشطحات غير المسؤولة التي تقايض بين الحوار وبين تطبيق الأنظمة والقوانين على الخارجين عليها. فالحقيقة أنه لولا صمت أولئك العقلاء وسلبيتهم لما تمكن ذلك الطابور البائس من مخلفات الماضي الأسود من الزج بتلك الكيانات في مواقف غير محسوبة زعزعت ثقة الناس فيها بعد أن لمسوا أنها تسير نحو الانتحار وتسعى إلى جر الوطن إلى الانتحار معها وذلك هو المستحيل بعينه. حيث أن هذا الشعب الذي قدم التضحيات تلو التضحيات من أجل الانتصار لثورته ووحدته المباركة والدفاع عن منجزاته ومكاسبه وتحولات مسيرته الديمقراطية والتنموية لا يمكن أن يسمح بأي حال من الأحوال لأي كان بالتلاعب بإرادته وابتزازه وتعريض وطنه للأخطار وإشاعة الفوضى فيه واستباحة أمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي كما أنه لن يسمح بأي شكل من الأشكال لحزب أو جماعة أو أفراد بالانقلاب على تجربته الديمقراطية واستحقاقاتها الدستورية. وعلى أولئك الذين لا يروق لهم العيش إلا في ظل الأزمات والحرائق أن يعلموا علم اليقين أن هذا الوطن هو ملك كل أبنائه وأنه ليس كعكة نتقاسمها ولا بنكنوتاٍ مالياٍ نتوزعه في ما بيننا ولا بقرة نحلبها ولا رقعة جغرافية يستبيحها الغوغائيون والمخربون والقتلة وقطاع الطرق ومروجو ثقافة الحقد والكراهية بل هو وطن نستمد منه عزتنا وكرامتنا ومنعتنا وهويتنا ووجودنا وإن هذا الوطن تحميه إرادة وعزيمة خمسة وعشرين مليون مواطن وصفهم نبي البشرية بالحكمة والإيمان وأعزهم الله بنصرة الحق والدين وأيدهم بقائد محنك صادق الوعد والعهد ومخلص غيور على وطنه ومصالحه العليا سخر كل جهوده وطاقاته من أجل رفعة هذا الوطن وتقدمه وازدهاره. وعلى من يصعب عليهم رؤية هذه الحقائق والتسليم بها أن يدركوا جيداٍ أن أساليبهم صارت مكشوفة ولم تعد تنطلي على أحد وأن يعوا تماماٍ ما قيل يوم أمس في أحد معاقل الرجال من أبناء القوات المسلحة والأمن من أن الحوار الذي لا تظلله راية الوحدة ولا تحكمه مصالح الوطن العليا هو خيانة لن يْسمح بارتكابها وأن الديمقراطية التي لا تلتزم بالدستور والقانون ليست ديمقراطية وإنما فوضى عارمة تشرعن لقانون الغاب وأن من يلعب بالنار هو أول من سيكتوي بها ويحرق بشررها المستعر. وفي هذا دعوة لمثل هؤلاء وغيرهم من أصحاب المشاريع الصغيرة إلى الكف عن العبث والتوقف عن الإضرار بالوطن ومصالحه العليا.