الحلقة (3)

شَذرات مِن فِكْر السّيد الشهيد القائد حسين بن بدرالدين الحوثي

سألني سائل:إذا كان السيد حسين بن بدرالدين الحوثي لم يأتِ بجديد كما صرح هو نفسه بذلك، فما الجديد إذاً؟ فأجبته:إن الجديد الذي جاء به السيد الشهيد هو في إعادة إحياء القرآن الكريم إحياء عملياً، وفي إعادة الاعتبار لعلوم أهل البيت القدامى، وفي استنهاض الأمة التي كادت لفرط ضياعها وعجزها تصاب بالفالج.
ومما ينبغي للقارئ الكريم أن يعرفه أنني في هذه (الشذرات) حين أتناول فكرة من فِكَر السيد الشهيد لا أقصد إلى الإحاطة بكل ما قاله في الفكرة المتناولة بل ألامسها ملامسة يسيرة بغير استقصاء.
وأود –هنا- أن أذكر دراستين قيمتين تناولتا جوانب من فكر السيد الشهيد حسين بن بدرالدين الحوثي لم أذكرهما في مقدمتي للجزءين السابقين ضمن الدراسات التي نشرت عن فكر السيد الشهيد، وهاتان الدراستان هما دراسة بعنوان:(السيد حسين بدرالدين الحوثي:القضية والمشروع) لعبدالرحمن محمد حميدالدين، والأخرى بعنوان:(قراءة في المشروع القرآني للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي: القيادة والمنهج) لفاضل محسن الشرقي، والله الموفق.
إهداء لــ:عبدالله هاشم السيّاني ويحيى قاسم أبوعوّاضة

بقلم: عُباد بن علي الهَيّال

*الوحدةُ الإسلامية:
-يذكر السيدُ الشهيد أنه في سبيل تحقيق الوحدة تعددت النظرات؛ فَمِن قائلٍ بوحدة عربية على أساس قومي (اللغة العربية والوطن العربي)،ومِن قائلٍ بوحدة على منهاج “السَّلَف الصالح”،ومِن قائلٍ بوحدة على أساس الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وهو ينتقد تلك النظرات؛ فالوحدة على أساس قومي ثبت فشلها، والوحدة السلفية لعبت بالأمة وأسست للظلم، والوحدة عند مَن نادى بها على أساس الكتاب والسنة انطلقت من منظار محدد وقواعد محددة.
– ويرى السيدُ الشهيد أن المسلمين وهم يدعون إلى الوحدة ينهجون منهاجاً ثقافياً يعزز حالة التفرق في أوساطهم؛ أي تلك الثقافة الفردية المفرِّقة التي تنتهجها بعض المناهج الدينية كـ(أصول الفِقه وعِلْم الكلام) باسم “الاجتهاد” وعدم التقليد وأن الله لا يُكَلِّف ما لا يُطاق، فالفرد المسلم ينطلق في مسائل الدين وفق ما يقتضيه نظره وعلى ما أدى إليه اجتهاده ويتعبد الله بما غَلَب في ظنه ثم في الأخير يجد نفسه ملزَماً دينياً ألا يقلد أحداً من الماضين ولا من الحاضرين وألا يتبع أحداً.
وهكذا.. صبغوا تفرقهم بصبغة دينية؛ فينشأ المسلم وهو يرى أن ما هو فيه من فُرقة هو حُرية فكرية واتساع للمعرفة وكرامة للإنسان !.
– ولم يقتصر نقدُ السيد الشهيد على تلك المناهج بل انتقد من يدعو إلى الوحدة مع بقاء المذاهب؛ فثمة مَن يرى أن بالإمكان تحقيق هذا النوع من الوحدة على أن تسكت المذاهبُ عن بعضها بعضاً أو على أساس محاولة التقريب فيما بينها.
ويرى السيدُ الشهيدُ أن كل نداء أو شعار يهتف بوحدة الأمة على ماهي عليه من مذاهب هو “نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإِنْ تحققت شكلياً فلن يكون لها أي جدوى” ؛ لأن كل مذهب يحاول أن يسحب الآخر إليه،ولأن هذه المذاهب تختلف في مسائل العقائد: بدءاً من الله إلى يوم القيامة”، وتختلف في الأعلام المقتدَى بهم، ويُكفِّر بعضها بعضاً ويُفسِّق بعضُها بعضاً!!
وبحكم هذا التباين في المعتقدات والأعلام والقدوات والنظرة إلى الحياة فإن أتباع هذه المذاهب لا يحملون مشاعر الحب والألفة والإخاء مع الآخرين، ومَنْ تكُنْ هذه أحوالهم فلن تتحقق الوحدة على أيديهم.
لقد تعددت المذاهب فتعدد الهدي داخل الأنفس وهذه هي نقطة الخطر.
– إن الوحدة التي يُراد لها أن تكون بطريقة المجاملة والسكوت عن هذا المذهب وذاك من أجل الحفاظ على التوحد بزعمهم هي طريقة غير مجدية، أما الوحدة المنشودة فقد رسَمَ اللهُ للمسلمين منهاجَها، ووسائلَها، وطريقَها وأعلامَها داخل كتاب الله كما في قوله تعالى:{واعتصموا بـِحبْل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّفَ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} و كما في قوله تعالى:{إذا جاء نصر الله والفتح..} إنها وحدة تقوم على أرقى ما يمكن أن نتصور، تؤلف النفوس والقلوب وتوحد الكلمة والصف.
– ثم يدعو السيدُ الشهيد العاملينَ على توحيد الأمة إلى أن يسلكوا هذه الطريقة:
أن يتبينوا تبيُّناً منطقياً الخللَ الذي حصل في أوساط المسلمين مِن بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وآله) إلى اليوم، وعلى هؤلاء أن يقوموا بنقد التراث الإسلامي، سواء أكان هذا التراث كتباً أم فنوناً أم عقائدَ أم أشخاصاً، وأن يواجهوا في سبيل ذلك ردودَ أفعال الآخرين التي ترى في هذا المسلك منطقاً مثيراً أو متعصباً، أو إنْ سبَّبَ ذلك غضبَ الآخرين وتألمهم لأننا “كلنا سنة وشيعة أصبحنا مستضعفين”.
ويدعو السيدُ الشهيدُ الى رفض “أي طرف مهما كان كبيراً أمامنا إذا ما اتضح لنا وتأكدنا أنه كان وراء هذا الفشل الذريع الذي عليه الأمة، وكان سبباً من الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذه الوضعية السيئة”.
وهكذا انطلق السيدُ الشهيدُ نفسُه يعالج الخللَ القائمَ في التراث بعيداً عن الرؤية المذهبية بوصفنا مسلمين جميعاً وبوصفنا أيضاً مستضعَفين، وهكذا أيضاً انتقد السيدُ الشهيدُ الخلل أينما وُجِد حتى في المذهب الزّيديّ نفسِه في بعض فنونه أو حتى بعض أئمته.
ثم يبين السيدُ الشهيد أن السلاح الذي يكشف الخلل هو القرآن الكريم، فيدعو إلى العودة إلى القرآن وإعطائه الأولوية المطلقة والحاكمية المطلقة، لأن القرآن هو الكَلِمَةُ السَّواءُ، وهي عودة عملية يُشَكِّل مَن فيها دائرةً قابلةً للتوسع؛ لأن المسلم الآخَرَ لن يرى فيما تُقَدِّمُه على أساس القرآن شيئاً قد تثقفَ على النفور منه، أو أنك تحاولُ أن تؤقلِمَ القرآنَ على ما لديك من تراث ثقافي بوصفه مرجعيةً سواءً كانت هذه المرجعية أشخاصاً أم كتباً، بل سيرى أنك تقيِّم ما لديك ولديه بنظرة واحدة على أساس القرآن.
إن الدعوة إلى تقديم القرآن على أصله (والرسول أيضاً) دون نقصٍ ودون محاولةِ مَسْخٍ مِن أجل مراعاة الآخرين، إنهما -إن قُدِّما كذلك- فإنهما سيعملان عملهما في إعادة مجد هذه الأمة وتمكنها.
– رؤية عملية:
إنْ لم تتوحد الأمةُ بِكُلِّها فَلْتتحقق الوحدةُ في فئة أو مجتمع من المجتمعات تتجسدُ على أيديهم وحدةٌ كالتي جاءت في كتاب الله:{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..} وهذه الوحدة -التي تقوم في مجتمع كهذا- تقوم على أساسٍ من الألفة والمودة والإخاء فيما بين أنفسهم.
إن سيادة الألفة هي شرط أساس في تحقيق وحدة معتصمة بحبل الله يكون لها الأثر الكبير في الحفاظ على الدين ومواجهة أعداء الله.
كما إنها تقوم على اعتبار “قِيمة الإخلاص لله تعالى” في السعي لتوحيد كلمة الأُمة، لأن الإخلاص كفيلٌ بإقفال معظم بواعث التفرق:البغي والحسد، فبغير الإخلاص لله سيعتدي يعضُنا على بعض وستبرز النظرة الشخصية:مصالحُ شخصية وحقوقٌ وأهدافٌ ومقاصد!!
وهذا الإمام زين العابدين (عليه السلام) يخاطب ربه:”وانته بنيتي إلى أحسن النيات”.
و يذكر السيدُ الشهيدُ أن الإخلاص لا يخرج عن القاعدة العامة لهدي الله؛ ففي كل شيء ننطلق فيه من الإيمان بالله والإخلاص له سيكون له أثره في نفوس الناس وحياتهم ووحدة كلمتهم.
وحين تتحرك الأمة أو الفئة على أساس الالتزام بدين الله الكامل والسير على نحو صحيح فإنها حينئذ ستحظى بنصر الله وتأييده، وهذا النصر سيجعل هذه الأمة أو الفئة دائرةً قابلةً للتوسع وستكون محط أنظار الآخرين وسيشدهم جميعاً إليها وسيجعلهم يتساءلون عن قيمة ما هم عليه ومن ثم فإنهم سيتركون ما هم عليه وسينطلقون إلى صف الأمة أو الفئة المؤمنة.
وسيرة رسول الله خير شاهد؛ ألم يكن رسولُ اللهِ يهاجم الكفارَ؟ ويتكلمُ عن أصنامهم كلاماً قاسياً؟ ويبينُ خطأهم الكبير ويدعوهم إلى ما هو عليه؟
وحين جاء نصر الله والفتح اتجه العرب إلى محمدٍ (صلوات الله عليه وآله) كما قال سبحانه وتعالى:{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا..}،وفي هذا السياق ثمة ملحظ:فإن أولئك العرب كان لهم في جاهليتهم تلك آلهةٌ (أصنامٌ) متعددة يعبدونها؛ وكان لكل قبيلة إلهُها (صنمُها) الخاص تعبدُه وحدَها دون آلهة الآخرين، لكن الكُل خلعوا آلهتَهم تلك وانطلقوا ليدخلوا في دين الله أفواجا.
* قلتُ:
– دعا المخلصون من الأمة المسلمة للوحدة،وسعوا إليها فرادى وجماعات وكان ممن سعى ذلك المسعى جماعةٌ كريمةٌ من علماء المسلمين؛ فأسسوا داراً للتقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة بمصر (١٩٤٧م) ثم في طهران بإيران (١٩٩٠م).
وقد جَعلت هذه الدارُ كما هو مِن اسمها:”التقريب بين المذاهب الإسلامية ” خطوةً في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية، يقول الشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) الناطقة باسم الدار:
” إن جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية لا تريدُ المسَاسَ بالفِقه الإسلاميّ ولا دمجَ مذاهبه بعضَها في بعض بل هي على النقيض من ذلك ترى في هذا الاختلاف الفقهي مفخرةً للمسلمين لأنه دليل على خصوبة في التفكير وسعة في الأفق وحسن تقدير للمصالح التي أنزل اللهُ شريعتَه لكفالتها وصونها..”.
ومع طول هذه الدعوة فإنها -للأسف -لم توَّفق في مسعاها، وتختلف الآراءُ في عدم إدراك دعوة التقريب بين المذاهب ما أمَّلَتْه مِن تقارب بين تلك المذاهب بَلْهَ الوحدةَ الإسلامية، إلا أنَّ من الراجح لدينا أن سبب ذلك هو في ” أصل المسألة “.
– كأن السيدَ الشهيد يريدُ أن يقول إن المسلم حين يجد الإسلام الصحيح متجسداً في أمة أو فئة سيكون من اليسير عليه أن يترك مذهبه ليكُون جزءاً من هذه الأمة أو الفئة بدلالة أن العربي الجاهلي ترك عبادةَ إلههه الخاص ودينه الخاص ودخل في دين جديد هو الإسلام والتحول من دين لدين أشدُّ عسراً من فك أغلال المذهب.
وينفي السيدُ الشهيد أن تكون الدعوة للتوحد معناها -بالضرورة- توحد المسلمين جميعاً [مرة واحدة]،بل يكفي (في البدء) توحدُ شعبٍ واحد أو حتى محافظة واحدة.
– في سياق موضوع الوحدة :رأى السيد الشهيد أن السنة الصحيحة عند المسلمين جميعاً تمثل قواسم مشتركة يمكن أن تُعَدَّ قواعدَ يُنطَلقُ منها للحوار ومقاييس له.
– ومع تلك الرؤية العملية للسيد الشهيد في مسألة الوحدة فإننا نلحظ أنه قد أدخل فيها جانباً وجدانياً نفسياً بجعله الألفةَ والمودة والإخاء فيما بين المسلمين الساعين للوحدة شرطاً أساساً في تحقيق الوحدة وبدعوته لاعتبار قيمة الإخلاص لله تعالى في السعي لتوحيد كلمة الأمة.
– والحقَّ أقول: إن المسيرة القرآنية في اليمن قد حافظت حتى الآن على هذه الرؤية في تعاملها مع الناس تعاملاً سما فوق المذاهب وحاول-وما زال-أن يجمع الناس على التمسك بحبل القرآن، وخير شاهد على نجاح هذا الأسلوب أنا وجدنا تقبل الناس لإحياء يوم الولاية (الغدير) ويوم عاشوراء من خارج الخط الجغرافي لأتباع مدرسة أهل البيت؛ لأنهم وجدوا في إحيائها إحياءً للحق، والحق بطبعه جذاب للناس من مختلف المشارب.
*السُّنَنُ الإلهِيّة عند السيدِ الشهيد:
-كان للسنن التاريخية في حياة البشر من منظور القرآن مكانة في فكر السيد الشهيد،وقد حرص على الاستفادة من تلك السنن الإلهية/ الحقائق التي يحملها القرآن الكريم، فالقرآن فيه حقائق لا تتخلف إطلاقاً:{تلك آياتُ الله}،{كذلك يُبيِّن اللهُ لكم آياتِه}.
ودعا السيد الشهيد المؤمنين الى الاستفادة من كل حدث يسمعون عنه أو يشاهدونه ليزدادوا بصيرة ووعياً وإيماناً وليجنبوا أنفسَهم الكثيرَ من المزالق لأن الإنسان من خلال تأملاته الكثيرة يعرف أن الأشياء أشْبَهُ بسنن وقوانين في هذه الحياة.
وهذه السُّنن الإلهية نجدها في:
الأحداث التي تجري من حولنا:وعلينا ألا ننظر إلى الأحداث والمتغيرات بصفتها أحداثاً مجردة بل علينا أن نستفيد مما فيها من عِبَر لأن “كُل حدث هو آية، هو شاهد على آية من آيات الله، هو شاهد على كل ما هو حق سواء كان في كتابه الكريم، أو أخبر به الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53)”.
ونجد السننَ الإلهية في: كثير من قصص الأنبياء؛ في خصائص نفسياتهم، في طبيعة دعوتهم، في أساليب دعوتهم وفي الأمم التي بُعِثوا إليها وأساليب المكذِّبين لهم ودعاياتهم ضد الأنبياء كما قال تعالى:{تشابهت قُلوبُهم}.
– وذكر السيدُ الشهيد أن اليهود وهم يحاربوننا يمتلكون خبرة بالسنن الإنسانية والإلهية:
بوصفهم أهل دين، وبوصفهم أصحاب خبرة تاريخية تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة ولديهم معرفة بالقرآن الكريم، لأنهم ليسوا منكرين للقرآن، ولاللنبي محمد (صلى الله عليه وآله)،ألم يخبر الله عنهم بأنهم يعرفون أن محمدا ً(صلوات الله عليه وعلى آله) نبي كما يعرفون أبناءهم، المعرفة التي قد لا تكون عند الكثير من المسلمين وإلى هذه الدرجة العجيبة:ولهذا قال الله عنهم :{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}(البقرة109) فهم يعرفون الحق أين هو، ويعرفون مع من يمكن أن يقف الله سبحانه وتعالى، ويعرفون من هو الذي يمكن أن يشكل خطورة عليهم.
وكثيراً ما كان السيدُ الشهيد يقارن بين ما عَرَضه القرآن الكريم عن أنبياء بني إسرائيل وبين ما عرضه عن اليهود والنصارى من خُبث نفسياتهم لأنه كان يرى أن المسلمين في واقع الحال بين هذين الخيارين:إما أن يقتبسوا من نفسيات أنبياء بني إسرائيل أنفسهم، أو أن يقتبسوا من بني إسرائيل الحديثين الذين يسعون في الأرض فساداً..على أساس أن نتلمس الفارق، ونضع أقدامنا على الطريق الصحيح.
* وفي مواجهة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) نظر السيد الشهيد إليهم بمنظار القرآن:{لن يَضُروكم إلا أذى وإنْ يقاتلوكم يُوَلوكم الأدبارَ ثم لا يُنصَرَون}، ومِن مثل قوله تعالى في وصف اليهود:{ضُربِتْ عليهم الذّلّةُ أينما ثُقِفوا}.
ومن أمثلة السُّنن التي وردت في محاضراته:
– من سنن الله مع عباده، أنه سبحانه يُبَيـِّنُ على أعلى مستوى، ويوضحُ بالشكل الذي لا يبقى للإنسان عُذر، ولا للشيطان نفسه عذر.
– ومنها:أنه لا يمكن أن يُنزلَ اللهُ القرآنَ، ويقولَ للناس أن يلتزموا به، وأن يعملوا في سبيل إعلاء كلمته، وأن يسيروا على هديه [ثم يجعل له في هذه الحياة، في سنن هذا الكون، ما يمكن أن يصطدم به].
– في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11)
فهذه سنة إلهية تجعلُ من المستحيل ممكناً ليَردَّ على الذين يرون أن هزيمة أمريكا وإسرائيل مستحيلة، ويرى أن المستحيل هو في نفوس الناس العاجزة المهزومة الضالة، فلا شيء مستحيلاً إذا ما سار الإنسان على هدى الله وتحرك.
– ومن السنن الإلهية : وَعْدُ اللهِ الحَسَنَ للشاكرين، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(آل عمران: من الآية144) {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}(آل عمران: من الآية145) {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(ابراهيم:7) ويقول عن قوم لوط: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا 9كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}(القمر:35).
– ومنها قوله تعالى:{فلما نسوا ماذُكِّروا به فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
هذه سنة إلهية:ينبغي على الإنسان ألا يطمئن لنعمة من نعم الله إلا إن أتته وهو على طريق الاستقامة،أما ما يأتيه من طريق الباطل وأهل الباطل فليس إلا وسيلة من وسائل العذاب،ويؤكد السيد الشهيد -من خلال كثير من آيات القرآن الكريم- أنه لا يمكن في عدل الله أن يترك أولياءه الذين يأمرهم بالتضحية بأنفسهم وأموالهم وإن لحقهم بأساء وضراء فلا يبالوا بينما أهل الباطل ينعمون فيما هم فيه بل إن هذا من باب الاستدراج والإمداد لأهل الباطل حتى إذا ما كانت لهم ممتلكات ضربهم ضربة شديدة و يكون الأسى والحزن أشد.
– ومن السنن الإلهية الثابتة:حديث الثقلين “كتاب الله و عترتي” فهو يرى أن الأمة لن تنجح، ولن تخرج من أزماتها، ولن ينقذها من الوضعية المهينة التي تعيشها إلا العودة إلى أهل البيت:”ما إن تمسكتم به لن تضلوا” فإذا لم تتمسكوا ستضلون، سنن إلهية ثابتة.
وثمة سنن أخرى منبثة في محاضراته.
*قلت:
وكان السيد الشهيد محمد باقر الصدر ممن دَرَس هذه السنن من منظور القرآن، ويمكن في هذا السياق أن نذكر أوجهاً مما اتفق فيه السيدان الشهيدان الصدر والحوثي:فهما يتفقان في نوع من السنن الإلهية التي يترتب فيها الجزاء على الشرط (وهي التي يسميها الشهيد الصدر قضية من الشكل الأول من السنن التاريخية في القرآن الكريم)، ويتفقان على كثرة هذا النوع، ويتفقان على حرية اختيار الإنسان في هذا النوع من السنن، أي أنها ليست نقيضاً لاختيار الإنسان، فالصدر يرى أن عدداً كبيراً من السنن التاريخية في القرآن قد تمت صياغته على شكل القضية الشرطية التي تربط ما بين حادثتين اجتماعيتين أو تاريخيتين (…)، متى ما وجدت الحادثة الأولى وجدت الحادثة الثانية، ويقول الحوثي:”تلك السنن التي تقضي بأنه إذا ما عملت أمة هكذا ستكون نتيجة عملها هكذا في هذه الدنيا:{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53) ، ويقول إن أكثر الأحداث التاريخية من هذا النوع.
– ومما اتفق فيه السيدان الشهيدان في مسألة معرفة السنن التاريخية في القرآن الكريم، أنها تكون من خلال قصص الأنبياء عليهم السلام (أي أنها مصدر من المصادر)
– ومما اتفق فيه السيدان الشهيدان : سنة الاستبدال، قال الحوثي :
“فهذه سنة إلهية، يتعرض العرب لما تعرض له بنوا إسرائيل من الاستبدال، ويكونون جديرين بأن تُضرَب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، كما ضُرِبت على بني إسرائيل، لأن القضية واحدة، كما كان بنوا إسرائيل هم خير أمة أخرجت للناس في تاريخهم الطويل، كذلك العرب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وهذه هي مسؤوليتكم: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.فالتذكير بالمسؤولية، هو يذكر بخطورة التفريط فيها، ولا شيء أعظم من التفريط في المسؤولية، في قضية كبرى كهذه.
ويقول الصدر: “يهدد [الله] هذه الجماعة البشرية ( النبي وأصحابه) التي كانت أنظف وأطهر جماعة على مسرح التاريخ، يهددهم بأنهم إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي وإذا لم يكونوا على مستوى مسؤولية رسالة السماء، فإن هذا لا يعني أن تتعطل رسالة السماء ولا يعني أن تسكت سنن التاريخ عنهم بل إنهم سوف يُستبدلون، سنن التاريخ سوف تعزلهم وسوف تأتي بأمم أخرى.
*الحَقّ:
-ويقدم السيدُ الشهيد رؤية واثقةً واضحة مطمئنة لمن ينشدون الحق / الدِّين في الهداية والتشريع في كل شأن من شؤونهم ولمن يتحركون في سبيل الحق:
إن الله سبحانه هو مصدر الحق، وعلى الإنسان أن يعرف كيف يصل إلى الحق الذي هو من جهة الله، ومن جهة أخرى فقد فطر الله الإنسان على قابلية الحق:{فأقمْ وَجهَكَ لِلدِّين حنيفاً فِطرةَ اللهِ التي فطرَ الناسَ عليها}.
وحين أمر الله الإنسان بإقامة الحق -التزاماً به، وتحركاً على أساسه، ودعوةً إليه – فإنه سبحانه من رحمته بعباده قد رسم طريق الحق لهم ومن سنته أنه قد هيأ لهم تسهيلات كثيرة لإقامة الحق، قال تعالى:{الحقُّ مِن رَبِّك فلا تكوننَّ مِن الـمُمْتَرين}، وقال تعالى:{خلقَ السماواتِ والأرضَ بالحق}، فالسنن الكونية كلها منسجمة انسجاماً يتلاءم مع الحق ولا تصطدم به.
ولكن الإنسان جهل هذه الحقيقة (أي جَعْلَ اللهِ التسهيلاتِ الكثيرةَ من أجل إقامة الحق)، فضيعَ الناسُ الحقَّ في أوساطهم، ورأوه ثقيلا واستكرهوه وظن بعضهم أن الدنيا لا تصلح للحق وأنه لا ينتصر فيها إلا الباطل.
إن علينا أن نفهم أن باب الحق لا يمكن أن يوصد،لأن الحق هو من الله وهو النور الذي ذكره في كثير من الآيات، وسنة الله في الحق: أن إذا كان ثمة من يعمل على رفضه أو من يعمل على كتمانه فإن الله سيهيئ من يبينه؛ ” لأن الحق هو منه [الله] وهو مَن له ما في السماوات والأرض وهو الغالب على أمره وهو الخالق والمدبر..”
* اختلاف الحُكْم التشريعي باختلاف الوَضعِيَّة :
يقول السيد الشهيد إن القرآن الكريم كتاب للحياة، والدين الإسلامي جاء للعالمين وعلى ذلك فإن المسيرة العملية للدين ليست فتاوى وحسب بحيث يبدو التشريع الإسلامي وكأنه عائق للعالمين من أول الأمر تحول دون تقبل الناس له، فلابد من مراعاة وضعية المجتمع/المجتمعات في تركيبتها والتزاماتها وزمانها…
ومن المسائل التي ناقشها في هذا السياق: مسألة الميراث في بعض جوانبه، ومسألة الزواج من الكتابيات (النصرانيات واليهوديات) وطعام أهل الكتاب.
ففي مسألة الميراث:
رأى السيد الشهيد أن أقارب الـمُتَوَفَّى الذين لم تُفرَض لهم فُروض محددة ثابتة دائمة في آية المواريث (سورة النساء:الآيتان 11، 12) كانت مسألة اختلفت فيها آراء الفقهاء واجتهاداتهم، ورأى السيد الشهيد أن ليس من الإيجابي أن يـُجعَل لهؤلاء الأقرباء نصيبٌ محدد دائم من أول الأمر، وأن الأمر هنا (أي باقي دائرة الورثة وبقية مال المتوفى) مايزال موكولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أفعاله وإلى من يقوم مقام الرسول “الوارث فعلاً لكتاب الله الذي يعرف كيف يقيم القسط”.
إن مسألة الميراث قائمة على أساس القسط والعدل وقد يُعَدّ من التجاوز لحدود الله مايقدمه الفقهاء من إضافات دائمة دون مراعاة للمجتمعات المختلفة وللوضعيات المتعددة والأزمنة المختلفة، وضرب السيد الشهيد مثلاً بفعل رسول الله، فقد بقي صلوات الله عليه وآله وسلم سنوات بعد البعثة لم يتناول فيها مسألة توزيع المال حتى تنقضي مرحلة تكون فيها نفوس المسلمين متقبلة لأن تعطي الآخرين ثم جاءت مرحلة/نقلة أخيرة حدد فيها أنصبة معينة، فثمة “أشياء ثابتة في محيط معين وأشياء تبقى عائمة”
ونكاح الكتابيات (النصرانيات واليهوديات) من تلك المسائل التي ناقشها السيدُ الشهيد الذي ذهب إلى حُرْمة نكاح الكتابيات، ويقول إن الله حرَّم نكاحَ المشركة.
ويناقش السيد الشهيد هذه المسألة:
فيرى أن تشريع الله يريد أن يبقى المجتمع المسلم ميداناً صالحاً لتقبل هدى الله، لأن هدى الله يبني نفسياتِ المسلمين وذهنياتهم ليكونوا أهل حكمة قادرين على التفكر، لأن هدى الله يدعو إلى الجنة، وإنكاح المشرك أو نكاح المشركة “الذين يدعون إلى النار” يؤدي إلى خلخلة المجتمع المسلم وعدم صيانته فيسببون خللاً في المجتمع، كي لا يكون بعيداً عن هدي الله
(أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(البقرة: من الآية221).
لكنَّ للسيد الشهيد كَلام يُفهَم منه إمكانيةُ الزواج من الذين “أوتوا الكتاب” وهم فئة من النصارى أو اليهود “أهل الكتاب”، وهذه الفئة” أوتوا الكتاب” هي فئة ربما تكون ملتزمة وليست مشركة بالله فلا تقول إن المسيحَ ابنُ لله ولا إن اللهَ ثالِثُ ثلاثة (وكذلك من نفس اليهود)،(و يذكر السيد الشهيد وجود هذه الطائفة فيما سبق من التاريخ)، ويشير إلى أن رسولَ الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في غزوة خيبر استصفى صَفيّةَ بنت حُيَيّ بن أخْطَب سريعاً وكأنها لم تُسْلِم إلا بعد أن استصفاها.
ويستند في رأيه هذا بكلمة “اليوم” في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 5) وقوله تعالى:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} (المائدة من الآية: 3)، فقد نظر إلى كلمة {اليوم} ليستفيد منها حكماً خاصاً لا ثابتاً.
فهذه الكلمة{اليوم}تعني وضعيةً خاصةً بالأمة المسلمة كوَضْعِيّة رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله وسلم) ووضعية مجتمعه عندما نزلت سورة(المائدة) حين كان المسلمون أمةً قائمةً قويةً متمكنةً عاليةً قاهرةً لأعدائها، في وضعية كهذه سوف يحتوي المسلمون هذه الفئةَ احتواءً يؤدي إلى ذوبانها في المجتمع المسلم.
أما في وضعية كوضعية المسلمين اليوم؛ وهم أمة مستضعَفة ممزقَة جاهلة بدينها فسوف تؤثّر النساءُ على المسلمين، سوف نجد من يتنصر ومن يتيهود، وسوف تجد العميلات وسوف تجد من يوالي اليهود والنصارى لاسيما ولهم كيان قائم اليوم قد يذُوب المسلمون فيهم.
“فكلمة:{اليوم}هي تعتبر ضابطاً لـِما وراءَها كلها، لسنا بحاجة إلى إصدار أحكام مطلقة ولا إقفال مجالات”
-ويرى السيد الشهيد أن تقدير هذه الوضعية راجع للنبي (صلوات الله وسلامه عليه وآله) أو إلى من يكون قائماً مقام الرسول “بكل ماتعنيه الكلمة”
ويردُّ السيدُ الشهيد على رِواية تُنسَب للإمام زَيْد بن علي (عليه السلام) تقول بجواز الزواج من أهل الكتاب فلعلّ الإمامَ زيد انطلق من منطلق مفهوم كلمة {اليوم} في آية سورة المائدة (السابق تبيانها) أو ربما كان ثمة غلطٌ في النقل عن الإمام زيد (عليه السلام).
*قلت:
-إن مسألة تغير الحكم القرآني بتغير الزمان والمكان من المسائل التي نوقشت كثيراً، وتناولها الفقهاء قديماً وحديثاً، وخاض فيها الحداثيون في عصرنا فأثاروا مسائل أثارت انتقاد الفقهاء الذين رأوا في أعمال هؤلاء الحداثيين خلوها من الضوابط وربما كان لافتقار الحداثيين للفقاهة في الدين سبب في ذلك.
– تحريم نكاح اليهوديات والنصرانيات هو قول الإمام القاسم بن إبراهيم وحفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم والإمام الناصر الأطروش (عليهم السلام).
فالنصرانيات واليهوديات عند الإمام الهادي مشركات، وقد نهى الله عن نكاح المشركات بقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن..}(البقرة:221) ويبين الهادي سبب قوله بأنهن مشركات :أنهن جحدن نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنكرن ما جاء به من دعوة الإسلام ومن أنكر نبوة النبي محمد “فقد أنكر صنع الله فيه، ومن أنكر صنع الله سبحانه في إرسال النبيين، فكمن أنكر صنعه في خلق المخلوقين، ومن جحد وأنكر ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الآيات كمن أنكر ما فطر الله وأوجده من الأرضين والسماوات، كما أنه من أنكر من القرآن آية واحدة محكمة أو متشابهة كمن أنكر كل القرآن وجحد جميع ما أنزل الله سبحانه من الفرقان..”،أما ما يتعلق به “ذوو الجهالات” في قوله تعالى:{اليوم أحل لكم الطيبات..} فيرد عليهم الإمام الهادي بأن الله أحلَّ نكاحَهنَّ بعد إسلامهنَّ أما وَصْفه لهنَّ بـ{أهل الكتاب} أي بما كُنَّ عليه قبل إسلامهنَّ، مثلما قال الله في آية أخرى:{وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك أجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب}(آل عمران:199) فسماهم الله{أهل الكتاب}وقد أسلموا.
-وما رُوِيَ عن الإمام زيد في (المجموع) من تجويزه نكاحَ اليهودية والنصرانية قد رُوِيَ خِلافُه أي أن زيداً قال بحرمة الزواج كما جاء في (الجامع الكافي في فقه الزيدية)لأبي عبدالله العلوي
وقد ذكر الإمامُ الهادي وجهين يقع فيهما اختلاف الأخبار عن آل البيت؛ أحدَهما:”من طريق النِّسْيان للشيء بعد الشيء والغَلَط في الرِّواية والنَّقْل، وهذا أمر يسير، حقير قليل، يَرجِعُ الناسي منهم عن نسيانه إلى قَوْل الثابتِ المذكِّرِ له عند الملاقاة والمناظرة”.
ويقول الإمام القاسم بن إبراهيم :” أدركتُ مَشْيَخةَ آلِ مُحمد ِمن وَلَد الحَسَنِ والحُسَين وما بين أحد منهم اختلاف”.
– وفي الكلام عن دلالة كلمة {اليوم} في الآية القرآنية يُتابِعُ السيدُ الشهيد قولَ والده السيد المجاهد بدرالدين بن أمير الدين الحوثي رحمه الله، فقد قال السيد بدر الدين:
“وعبارة (اليوم) مما يشير إلى ضرورة اعتبار الوضع بالنسبة للمسلمين وأهل الكتاب، وهو واضح في مرحلة نزول الآية، فالمسلمون كانوا في قوة ومنعة، وأهل الكتاب على النقيض من ذلك، وهذا مايدعو إلى القول بضرورة التفريق بين مدلول الآية في مرحلة النزول ومدلولها في هذا العصر الذي استقوى فيه أهل الكتاب، فيكون مدلول الآية باعتبار الوضع كما أسلفت، وهذا ماترمز إليه عبارة (اليوم) (…) {والمحصنات من المؤمنين والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} الـمُحصَنات هنا هن المؤمنات مِن الذين أوتوا الكتاب فهُنَّ حِلٌّ لكم لأنهن مؤمنات(…) فإنْ قِيل:إباحة المؤمنات من أهل الكتاب أمر مفروغ منه فما فائدة ذكره ؟ قلنا:إنه وإنْ كانَ أمراً مفروغاً منه في وقت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيُمكِن أن التصريح به جاء لأجل المستقبل، ألا ترى أن في بلدنا هذه يتنزهون من نكاحهن ويعتبرونه معيبا…”.
– ويقول السيد الشهيد بـِحُرْمَة طعام (ذبائح) أهل الكتاب (اليهود والنصارى).
والسيدُ الشهيد يتابع في هذا الإمامَ الهادي عليه السلام، يقول الإمام الهادي راداً على من توهم أن الطعام المقصود في آية سورة المائدة (الآية الثالثة) هي الذبائح :
“.. بل الطعامُ الذي أحَلَّ الله عز وجل لأهل الإسلام هو ما لا تقع عليه الذَّكَاةُ مِن طعامهم مثل الحُبُوب وغير ذلك من إدامهم (…).
وقد ذكرنا في ما سبق (نكاح أهل الكتاب) أن الإمام الهادي عد أهل الكتاب مشركين وذكرنا سبب قوله بشركهم.
– ويقول السيد العلامة المجاهد بدرالدين بن أميرالدين الحوثي (رحمه الله):
“والمراد بطعامهم ما سَلِمَ مِن سببٍ آخر يـَمنع مِن أكْله لا ما أخذوه بالربا أو نجسوه بالخمر أو لحم الخنزير أو بغيرهما من النجاسات، فهو واضح في التّمر والحُبوب، ولا تدل بنفسها على حِلِّ ذبائحهم بل لا بد من دليل آخر وإلا فالظاهر التحريمُ لقوله تعالى:{إلا ما ذكيتم}”.

قد يعجبك ايضا