علي محمد الأشموري
وشعبنا اليمني يحتفي بثورتي 26 سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر 1962 / 1963م، نجد أن البدايات كانت واحدة والأهداف كانت مشتركة، التحرر من الثالوث الذي كان يجثم على الشمال، والمحتل الذي جثم على الجنوب 128 عاماً بامبراطوريته التي غابت عنها الشمس في الرابع عشر من أكتوبر، وكانت واحدية الثورة اليمنية تتمثل في النضال المشترك ضد الحكم الملكي وضد الاستعمار البريطاني، فالثورتان كانت أهدافهما نبيلة وهي التخلص من الظلم، ولو عرجنا على ثورات العالم الذي كان يتوق للحرية والاستقلال من الاستغلال السياسي الداخلي والخارجي، وفي الصين الشعبية في فترة من الفترات – تصحيحاً للتاريخ – قاموا باستعراض حقب متعاقبة لكل الرؤساء السابقين بإنجازاتهم وإخفاقاتهم حتى لا يكون المنتصر هو من يكتب التاريخ لأن لكل جواد كبوة.. استمر النضال في تحرير الجنوب ما يقارب قرناً وثلاثة عقود.. وكان التواصل بين الشمال والجنوب مستمراً وكانت عدن وتعز هما المنارتان اللتان إضاءتا الطريق للحرية والاستقلال من التبعية البريطانية والتبعية العثمانية ونجحت الثورات في أولى الأهداف بعد نضال مرير دفع الشعب اليمني شمالاً وجنوباً لأجله خيرة أبنائه، ولكن ماذا بعد التحرر والكفاح المشترك فيما كان يسمى بالشطرين؟ ظهرت التدخلات الخارجية وبدأ الشرخ يتوسع في النسيج الاجتماعي وأصبحت الأساطير والحكايات والمذكرات الشخصية تحل محل التاريخ النضالي الطويل، وبدأت المناكفات والاقتتال والاحتراب بين رفاق السلاح وبدعم من الأنظمة الجارة التي رأت في ثورات اليمن خطراً يهدد كيانها فبدأ الاستقطاب السوفييتي للجنوب بأيديولوجية الاشتراكية العلمية والاستقطاب للشمال من جيران السوء وعملاء الداخل، فأقصي الثوار الحقيقيون وأصبح رفاق البندقية وأخوة الأمس أعداء، فالجبهة القومية استحوذت على الدور بعد تجميع المشيخات المتناثرة والسلطنات الهشة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقتال الأخوة الأعداء ظهر جليا وبتخطيط خارجي وأقصيت جبهة التحرير ودفع الثمن خيرة الأبناء والعقول، وأصبحت ثقافة الوجبات الدموية التي كانت تحدث بين الحين والآخر ثقافة سائدة في الشمال والجنوب وبين الأخوة الأعداء وكل أقصى الآخر..
أتذكر في إحدى مناسبات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أن ” الثورة ” الصحيفة أقامت “ندوة بعنوان ” من أقام الثورة؟” فكانت النتيجة أن ما يزيد على 70% هم المتنورون من آل الكبسي والموشكي والمؤيد، يليهم القضاة والذين ابتعثوا للدراسة في الخارج فقامت الدنيا ولم تقعد وأصبح الثوار مهمشين ومن أمسكوا بزمام الحكم بعدهم تقمصوا الأدوار والثورة أصبحت شماعة للمتربصين والتاريخ المزيف على حساب المناضلين الأحرار الذين سجنوا لعقود ومنهم من أطيح به، أتذكر أن اللواء حسين الغفاري أمين سر تنظيم الضباط الأحرار عندما انتقل إلى جوار ربه لم يخرج في جنازته سوى العشرات وهذا مثل حي يتذكره العامة.
أما ثوار ثورة 14 أكتوبر فقد أصبحوا أسماء وكانت التسويات السياسية هي المدخل لانتحال صفة المناضلين والحركة الوطنية في الشمال والجنوب، فالإخفاقات واردة والعثرات كانت أقوى والمؤامرات أصبحت تدخل حتى في قاموس التاريخ الذي كل يغني على ليلاه من منطلق المصلحة والمصالحة.
الآن يجب تصحيح المسار الثوري في الشمال والجنوب وإعطاء كل ذي حق دوره بعيداً عن الادعاءات، فالثورات قامت من أجل إرساء قيم العدل والمساواة وأهداف مشروعة وواضحة ولكن للأسف المتسلقون بمساندة الاحتلال القديم أًصبحوا هم الكل في الكل.
فأين تاريخ محمد صلح مطيع الحقيقي؟ ولماذا أعيد اعتباره بعد تصفيته جسدياً بأيام؟ ولماذا أصبح -كما قال الراحل المؤرخ والشاعر الفذ الأستاذ البردوني رحمه الله “جنوبيون في صنعاء.. شماليون في عدن”- أضف إلى ذلك الأقلام التي تستهين بالحكام مثل فيلم من إخراج المصريين وتمثيل المصريين وشخصية الإمام أحمد، مثل دوراً يلعب فيه بقطار الأطفال، وثلاث جوار يقمن بعمل مساج، أظهروه رجلاً هزيلاً صاحب مزاج وكان الشعب اليمني عبارة عن “جرذان” فعلى من يقومون بثورة؟!
اليوم نحتفل بالذكرى الـ 57 لثورة أكتوبر ونتذكر نضالات “فيصل الجذار ورفاقه ممن قاموا وأسسوا أو أقصوا من الكلام ومنع أبناؤهم من دخول المدارس والجامعات، وبعد إقامة الوحدة وقبلها قام كاتب السطور بسلسلة تحقيقات نشرت في أعداد متتالية في “الثورة” وشهادات موثقة أثارت البعض وحاول البعض إيقافها بالترغيب والترهيب فاضطررت لنشر ملف كامل وحوارات ساخنة أجريتها في عدن وفي عدد واحد، الأمر الذي جعلهم يتصلون ويحاولون بالإغراء إيقاف صوت الحقيقة.؟!
وكل شيء موثق ولن أذكر ما تعرضت له بعد النشر لأن الأمانة تقتضي من الصحفي أن يذكر كل شيء موثقاً وكان رهاناً بيني وبين من عملت معهم الحوار بأنها لن تنشر وأولهم زوجة المناضل محمد صالح مطيع.. فمن تسلم منصبه بعد تصفيته؟ ولماذا أعيد اعتباره بعد أقل من أسبوع؟.. اليوم نحتفل بالذكرى الـ 57 لثورة الرابع عشر من أكتوبر وفي النفس غصة مما حدث ويحدث من احتلال إماراتي سعودي للمحافظات الجنوبية وسرقة الهوية والتاريخ والجزر والأرض والعرض، وبدأ سريان المخطط القذر لتلك الدويلة من تحت طاولة المساعدات ومائة حقيبة مدرسية وهالة إعلامية أسقطت رموز الحركة الوطنية من شوارع المحافظات الجنوبية واستغلت الوضع لتعليق صور محمد بن زايد مع الشعارات ” شكراً سلمان ومحمد بن سلمان، الذين نهبوا الثروات وتقمصوا التاريخ بعد أن طمسوا المناضلين مع تاريخهم وأصبحت السجون السرية لا تختلف عن سجن “بوغريب” وأصبحت الاخفاءات القسرية والبسط على السيادة الوطنية أمراً رمزياً، فالمحتلون الجدد لا يملكون تاريخاً ولا هوية ويريدون طمس الهوية اليمنية بـ”الجنوب العربي” وهذه التسمية لا توجد في أي قاموس أو تاريخ سابق وإنما كانت في عقلية “الماما” فيكتوريا التي خرجت مهزومة ودخل المحتلون الجدد من بوابة العمالة، أو بالحرب والمتاجرة بدماء اليمنيين بكل صفاقة لاستعادة ما تسمى بالشرعية، ورقة بن زايد وبن سلمان.
استغربت وأنا أشاهد فيديو منشوراً على “اليوتيوب” يصور أحد الشباب وهو في شبوة عندما سُئل: ما الذي أتى بك إلى شبوة من عدن؟ قال: جئت أناصر وأقاتل مع “الشرعية.. قيل له: وأنت من أنت ومن تتبع؟.. قال “الشرعية”؟!.