تطبيعُ الأعراب وحُزنُ الجوار!.

 

  عبد العزيز البغدادي
بين حُسن الجوار وحُزن الجوار تبادل أدوار في سلوك الأعراب وسياساتهم القائمة هل المهانة والتفريط بالسيادة فحقُّ الجوار في الأصل الذي يقوم على حُسن الجوار بغض النظر عن دين الجار أو مذهبه أو أي عقيدة دينية أو فكرية تجمع المجاورين، أي أنه حق إنساني لا يقبل التمييز!؛
وقد أنزلت أغلب الأديان هذا الحق منزلة تقربه من منزلة صلة الدم ، ففي الإسلام مثلاً جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثُه»، وهناك الكثير من أحاديث النبي حول معاملته الإنسانية لجاره اليهودي  الذي  كان يعوده إذا مرضَ ويسأل عن أحواله بين حينٍ وآخر إذا طال غيابه عن الناظر ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جار النبي الذي اقتضى هذا السلوك النبوي تجاهه لم يكن غاصباً للبيت المجاور للنبي ولكنه إنسان يدين باليهودية يسكن بجواره ، ولهذا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام احترم وجوده كإنسان له حق الوجود الإنساني وحق الجوار المقدس !؛
أهمية هذه الإشارة تكمن في ضرورة التأمل والتفريق بين الجار الطبيعي الذي يجب التطبيع معه وبين الجار غير الطبيعي الذي يجب رفضه ومقاومته ، ووفق هذه المعادلة يصبح هذا الاندفاع المخيف لبعض حكام الخليج أو غالبيتهم الذين ينتقلون اليوم من حالة الشراكة السرية غير الطبيعية مع سُرّاق فلسطين في المشترك  الوجودي الذي يجمعهم والصهاينة إلى الإعلان عن هذا المشترك  تحت مسمى التطبيع وكأنهم أصحاب القرار مراعاة لحق الجوار، كما يردد بعض منتسبي ذبابهم الإلكتروني بينهم وبين الصهاينة متجاهلين كون هذا الكيان (شريكهم) مغتصباً لفلسطين وقاتل أبنائها الذين تجمعنا وإياهم إلى جانب الجوار الجغرافي اللغة المشتركة والدين وقرابة الدم والإنسانية .. هؤلاء الأعراب في الحقيقة ليسوا سوى منفذين بل وخانعين لهذا الكيان ، وبعملهم السري والعلني هذا يرتكبون جريمة ، ومن المثير للدهشة أن كل إمكانيات هذه الكيانات أو بالأصح إمكانات ومقدرات وثروات الشعوب أو التي اُسميت شعوباً يديرها ويتحكم فيها الكيان الصهيوني ويخلق عندها نوعاً من العصبية الضارة بأبنائها أولاً لأنهم في كل الأحوال جزء من شعوب المنطقة جوارهم الجغرافي ومكون من مكوناتها وهم من كانت حياتهم تعتمد على الترحال بحثاً عن المرعى قبل أن يكتشف لصوص العالم يمثلهم رُعاة الصهيونية وموجهو حكامهم والمتحكمون بحياتهم العامة والخاصة  ومصيرهم ومن صنعوا في الصحراء ناطحات سحاب وحياة ليس لها مقومات الاستمرار بل والحياة بغير المال أو كما أسماها فقيد الرواية في الجزيرة العربية (عبدالرحمن منيف) في روايته (مدن الملح) ، وأسمتها دولاً (ممالك وإمارات ومشيخات) !،
وأنا هنا لا أقصد الانتقاص من سكان الصحراء لكنني أذكر البعض ممن تقبل هذا الاستخفاف الغربي بوجودهم وحولهم في الحساب إلى مجرد أرقام قابلة للتجيير والاستعباد واستلاب الإرادة ، ولعل مشهد الرئيس الأمريكي ترامب الترويجي مع محمد بن سلمان وما صاحب هذا المشهد المخزي وسبقه من خطابات هذا الرئيس الأمريكي المهرج خلال دعايته الانتخابية الأولى وبعدها والتي قال فيها وبالفم المليان : (إن السعودية بقرة حلوب سنحلبها وحين يجف ضرعها سيتم ذبحها) وكرر ذلك أكثر من مرة على مرأى ومشهد من العالم، وبعد ذلك رأينا كيف استقبله الملك السعودي وكل أسرة البقرة بكل امتنان وحضور وأريحية وأغدقوا عليه وعلى زوجته وابنته ايفانكا من الهدايا ما أذهلت كل المراقبين !!؛
هذه المشاهد ليست مُهينة  فقط لمن استقبلها من حكام الخليج  الذين يُطلق على سلوكهم غير الطبيعي اليوم بالتطبيع  بل ولكل العرب والمسلمين، ويهدف كما يصرح قادة الكيان الصهيوني إلى تشكيل جبهة معادية لإيران بدأت ملامحها تتضح أكثر فأكثر مع أن ايران هي الجار الطبيعي للعرب تجمعنا بها الجغرافيا والدين والإنسانية على مر التاريخ وأي خلافات بيننا وبينها وكل جيراننا الطبيعيين من الطبيعي أن تحل بالحوار، وليس من الطبيعي أن تجمعنا بإيران صداقة حميمة حين كانت في حضن الصهيونية ثم بعد أن قامت الثورة الإسلامية عام 1979م وسلَّمت سفارة الكيان الصهيوني للفلسطينيين لتصبح أول سفارة لهم إذا بجزء كبير ممن يُعدون من العرب العاربة ومنهم غالبية المطبعين اليوم يحشدون كل إمكانياتهم في مواجهة إيران الثورة ، ويمولون حرباً ضروساً ضدها ولمدة ثمان سنوات استخدمت فيها أفتك الأسلحة الأمريكية والغربية وأهدرت فيها أموالاً طائلة من مقدرات الأمة وأزهقت أرواح مئات الآلاف من أبناء الجيران الإيرانيين والعرب !،
إذاً حُسن الجوار مع العدو الصهيوني بمسمى التطبيع جريمة لأنه كيان غاصب عمره ثمانون سنة، أما حُسن الجوار مع إيران فواجب وطني وقومي وإنساني وأخلاقي ويخدم الأمن القومي العربي عند من يعقل ببساطة لأن إيران دولة طبيعية عمرها في المنطقة آلاف السنين والجوار مع إيران يوجب على العرب إدراك أهمية الحوار معها مثلما يتوجب على ايران أن تهتم بهذه المسألة ، ولكن المُشاهَدْ والملموس أن العرب أو الأعراب وبكل أسف من خلال مسلك التطبيع غير الطبيعي واندماجهم مع المشروع الصهيوني إنما يحاولون إنقاذ فضيحة أو صفعة القرن ويعملون ضد أنفسهم أكثر مما يعملون ضد إيران ولا يمتلكون قرارهم على العكس من الإيرانيين، وسلوك هؤلاء المطبعين غير طبيعي سياسياً وقانونياً ودينياً وأخلاقياً وخارطة فضائحهم كل يومٍ تتسع !!!.
كنت أحسب أني أضأت الطريق   بنار احتراق
غير أن المسافة بيني وبيني تكذبني!

قد يعجبك ايضا