خطاب الثورة 2020م الذي تلاه الرئيس المشاط هو خطاب ما قبل النصر
مصدر دبلوماسي: العديد من دول العالم تواصلت بنا وتنتظر رفع الحصار لإعادة فتح ممثلياتها في صنعاء
خطاب هو الأول من نوعه تقدِّم صنعاء من خلاله ثورتها إلى العالم وتعيد توصيفها إلى شعبها في الداخل ، كثورة إنسانية فريدة في تعاملها حتى مع الخصوم ، وعن اختيار التوقيت الآن بعد مضي ست سنوات من المواجهة واستمرار العدوان والحصار ، فالجواب يكمن في الميدان والسياسة.
في السياسة فإن التحالف الكوني الذي شُكِّل لمواجهة ثورة الـ21 من سبتمبر بلغ مراحل متقدمة من التفكك، ولم يعد منه سوى دول بأصابع اليد والباقي انزوى كماليزيا وقطر أو بات يرى أن الأمور لم تعد في صالح الاستمرار في تحالف هزيمته باتت واضحة مثل باكستان وتركيا اللتين تتهيآن كليهما لتبديل مواقعهما التحالفية.
وجزء من هذا التحالف كشف عن نفسه كإسرائيل وحلفائها في المنطقة الذين طبَّعوا معها أو في طريقهم إلى التطبيع وفضحهم الرئيس الأمريكي ترامب إمعانا في إذلالهم.
صنعاء وثورتها في العام السادس للعدوان والحصار تجاوزت المرحلة الأصعب وعنق الزجاجة، وفق ما كشف عنه رئيس المجلس السياسي الأعلى، عبر ابتاعها استراتيجية الحزام المليان ، وهي ديمومة رفد جبهات المواجهة بأشكالها المتعددة من الداخل.
الثورة/ ابراهيم الوادعي
الوصاية والعبء الأكبر
في العام 2014م مثلت الدولة عبئا على ثورة الـ 21 من سبتمبر ، التقارير الدولية والأممية كانت تتحدث في 2014م والأعوام التي سبقته عن أن اليمن أضحى دولة فاشلة ويقبع في أعلى مؤشر الفساد والفشل ، نتيجة انقسام سياسي حاد بلغ حد الاقتتال ، واقتصاد مسدود الأفق وهش للغاية ، وأمن مفقود بلغ الحد الذي أضحى فيه التجول في شوارع العاصمة صنعاء غير مأمون العواقب ،وقد تعود ميتاً حيث انتشرت عمليات الاغتيال والقتل على يد عصابات القاعدة ضمن صراع أجنحة النظام السابق.
لقد كان رئيس المجلس السياسي الأعلى دقيقا في توصيفه بأن ثوار الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م تلقفوا يمنا بلا دولة ، بل أن الوصاية التي فرضت على اليمن بلغت حد نشر خبراء أمريكيين في مفاصل الدولة، ومنها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث كانت للاستخبارات الأمريكية غرفة مراقبة شاملة للوضع الإداري والسياسي للدولة تحت مسمى خبراء، فيما كان رأس الدولة وقياداتها العسكرية لا يقطعون أمراً دون رغبة السفارة الأمريكية في سعوان وموافقتها المسبقة.
ولم يكد ينتهي العام الأول من العدوان 2015م حتى كانت الغارات التي شنتها طائرات تحالف العدوان قد بلغت نحو 200 ألف غارة جوية، طالت كل مفاصل الحياة في اليمن عسكريا ومدنيا دونما تفريق ، لقد قضى هذا العدد من الغارات على ما تبقى من قدرات الدولة المنهكة والمثقلة بعقود من التدمير والفساد.
من اللحظات الأولى
وفي ظل الوضع القائم والمرتبك – آنذاك – بين 21 سبتمبر 2014م ومارس 2015م ، اختار خصوم الثورة توقيتاً دقيقاً وخطيراً للغاية، ، كما وصفه الرئيس المشاط في خطابه وهو توصيف دقيق، فلم يكد يمضي على قيام الثورة سوى اقل من ستة أشهر.
لم يترك لثورة الـ21 من سبتمبر وثوارها وقيادتها فرصة التقاط الأنفاس وإعادة إطلاق عجلة الحياة السياسية ، فخلال الفترة الزمنية الفاصلة بين الثورة والحرب (سبتمبر 2014- مارس 2015م ) عمل خصوم الثورة بقيادة سفراء الدول العشر على إفشال أشكال الحوار الذي انطلق عقب الثورة واتخاذه مطية لكسب الوقت وخداع الثورة الفتية حتى يتسنى الترتيب للحرب ،ورغم بلوغ طاولة المفاوضات التي انعقدت في موفمبيك برعاية أممية ضفة الحلول لكافة القضايا الخلافية، إلا أن قرار الحرب كان قد اتخذ وجرى إخراجه من البيت الأبيض عشية الـ 26 من مارس 2015م.
غربة سياسية وخيانة داخلية
خلال سني العدوان الثلاث الأولى تحديدا عاشت الثورة الفتية غربة دولية كبيرة ومحلية نوعا ما، حيث توارت الأحزاب السياسية في الداخل وانزوت جانبا عن تقديم يد العون في تطبيع الحياة السياسية او مواجهة العدوان حين وقع ، وبقي جناح خياني كبير للتحالف يعمل في صنعاء على تزكية الخلافات الداخلية بين الحين والآخر.
وخلال هذه السنوات واجهت الثورة الفتية مخاطر جمَّة تمثلت في سقوط الجنوب بيد الاحتلال ، وتحقيق تحالف العدوان خرقا جديا يهدِّد أمن العاصمة صنعاء في فبراير 2016م ، وكان أخطرها فتنة التمرد التي قادها الخائن عفاش ، وبعد ثلاثة أعوام من ادعاء مواجهة العدوان، الوقوف على الحياد تجاه الثورة أماط اللثام عن نواياه وحقيقة موقفه في أغسطس من العام 2017م حين تحضَّر عسكريا وشعبيا مع محازبيه للانقضاض على الثورة ووصف اللجان الثورية بالمليشيا ، لتتجلى حكمة القيادة الثورية وتنزع فتيل الحرب التي لم يلبث الخونة أن أشعلوها في الثاني من ديسمبر 2017م.
نجاح ثوري وبناء النصر
وخلال الخمس السنوات الماضية من الحرب قامت الاستراتيجية العسكرية المبنية على استخلاص العبر والثقة بالله وقدرات الشعب اليمني ، وبصبر وصمت، تم العمل على إعادة بناء القدرات العسكرية النوعية كأولوية يفرضها العدوان ، والاستفادة من العقول المحلية لتطوير ما يمكن تطويره وجرى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ترسانة الجيش التي لم يتمكن الأمريكان من تدميرها سابقا قبيل العدوان أو طائرات التحالف ، وجميع ذلك بدأ يؤتي ثماره باستعادة دفة الهجوم بدءا بعملية “نصر من الله” وصولا إلى عمليات إسقاط معاقل القاعدة وداعش في البيضاء وما بينهما عمليتا “البنيان المرصوص” و”أمكن منهم” ، وبجميع ذلك تم قلب الطاولة على تحالف العدوان ، وباتت نسائم التحرير تعانق مارب بعد أن حوَّلها التحالف ومرتزقته من الإصلاح والقاعدة وداعش إلى معسكر كبير وخنجر في ظهر اليمنيين.
ولا يمكن الحديث عن السنوات الأولى للصمود دون الإشارة إلى الجهد الثوري الخالص، حين اختلى الساسة بالبيوت، فيما لاذ الخونة بفسطاط العدوان في الرياض ومارب، حيث نجحت اللجنة الثورية العليا في إبقاء مفاصل الدولة تعمل خلال السنة الأولى حتى تم استيعاب الصدمة وترتيب خطط المواجهة في ضوء مؤشرات أفصحت أن الحرب في طريقها لتطول وتشتد قساوتها ، وهذا النجاح للجنة الثورية كان له أثر كبير في تأسيس مداميك وبناء جبهة الصمود الشعبي إلى جانب حضور القائد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ، وهي جبهة جرى تعزيزها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من التمتين.
قبيل الانتصار
يكتسب الحديث عن أحد أهم أهداف العدوان الذي شن في الـ26 من مارس 2015م وهو إجهاض ثورة 21 سبتمبر، أهمية كبرى بعد انقلاب الميدان لصالح صنعاء وثورتها الفتية وست سنوات من الصمود في وجه العدوان والحصار وسقوط آخر أوراق التوت في المشهد المذل للتطبيع في البيت الأبيض الأمريكي، مشهد أعاد إلى أذهان اليمنيين لحظة الإعلان عن بداية العدوان من البيت الأبيض عشية الـ26 من سبتمبر 2015م ، والفارق اليوم أن “إسرائيل” أضحت ظاهرة في التحالف بعد أن ظلت تعمل مستترة لست سنوات ضمن التحالف الذي قتل زهاء 100 ألف يمني نصفهم أطفال ونساء وفق تقارير أممية ومنظمات دولية ومحلية.
التوصيف الذي حفل به خطاب الرئيس المشاط مساء الأحد الماضي عادة ما يسبق اللحظات السعيدة حيث يجري توصيف الفعل المحمود وتجميع الألم ليدرك الشعب عظمة الانجاز والصبر وقيمة الثورة التي فتحت لليمن آفاقا رحبة لاستعادة مجدهم التليد.
وفي السنة السادسة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وبعد ما شهدناه في الجنوب، فإن خصوم الثورة الذين تدفقوا نحو الرياض على أمل العودة على متن الدبابات السعودية إلى صنعاء، يبحثون اليوم عن شرعية بعد أن أوجد التحالف مكونا اقتلعهم من الجنوب ، وافتقدوا بعمالتهم الشرعية الشعبية ، فيما الأبواب الدولية التي كانت موصدة بوجه الثورة الفتية أدارت مفاتيحها ورضخت لإرادة الشعب اليمني، وترتب حقائبها – وفق مصدر دبلوماسي – للعودة إلى صنعاء وفتح ممثلياتها بانتظار أن تضع الحرب أوزارها.
الاعتراف الدولي بالنظام السياسي المتولدِّ عن الثورة الشعبية، ثورة الـ21 من سبتمبر، لم يعد بعيدا ، فالتحالف يعاني في ميدان السياسة والميدان العسكري حيث معقله الرئيسي في شمال اليمن على وشك السقوط ، وهو يبحث فقط الموافقة على شروط صنعاء التسعة ولا تقبل صنعاء بغير قبولها كاملة أو استمرار الحرب ، لقد تغيَّرت الموازين وفقدت الرياض وسائل المساعدة.