الجائحة العربية !
عباس السيد
بعد رفضها مشروع القرار الفلسطيني لإدانة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، أكدت ما تسمى “الجامعة العربية ” أنها مرآة للجائحة التي ابتليت بها السياسة والأنظمة العربية منذ عقود، وهي تتفاقم باضطراد، فحين أعلن السادات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي استطاعت الجامعة أن تلملم أغراضها وترحل إلى تونس، لكنها الآن عاجزة عن الانتقال من ميدان التحرير إلى شارع محمد علي .
رفض الجائحة العربية إدانة التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي، يعني أنها مع “الحرب “، فالحرب هي جوهر الاتفاق وليس السلام .
نجحت دولة الكيان الإسرائيلي في التوصل إلى اتفاقات سلام مع كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وسميت تلك الاتفاقات باتفاقات سلام، لأنها أبرمت لمنع حدوث حروب مستقبلية بين دولة الكيان الإسرائيلي والدول العربية الموقعة، بغض النظر عن المكاسب التي حققتها أطراف تلك الاتفاقات .
لكن الاتفاق الأخير الذي سيوقع بين دولة الكيان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ليس اتفاق سلام، ولا ينطبق عليه اسم “اتفاق سلام ” فلم يسبق لهما أن دخلا في حروب أو مواجهات عسكرية، وليس بينهما حدود مشتركة برية أو بحرية، وقد جاء الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي في ظل العديد من الصراعات والأزمات التي تعصف بالمنطقة، لا ليؤدي إلى تخفيف حدة الصراعات والأزمات في المنطقة، بل ليؤججها ويرفع من وتيرتها ويزيد من تعقيداتها، ولذلك فإن ما يسمى تمويهاً “اتفاق سلام ” بين الإمارات وإسرائيل هو في الحقيقة “اتفاق حرب ” بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
ويمكن القول إن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي يضع المنطقة برمتها على كف عفريت، فهو بداية مرحلة جديدة من الحروب والصراعات .
لم يكتف الإسرائيليون بعقد اتفاقات السلام مع العرب، واعترافهم بكيان العدو كدولة شرعية في المنطقة، بل تجاوز الإسرائيليون ذلك إلى التحالف مع العرب وتهيئتهم للمشاركة في حروب الكيان الاسرائيلي مع دول المنطقة، وبدلا من مطالبة الإسرائيليين بإخلاء المناطق العربية التي يحتلونها في فلسطين ولبنان وسوريا، ها هم يتمددون من شواطئ المتوسط إلى شواطئ الخليج ، وباتت أرض العرب وبحارها وسماؤها مُسخَّرة لخدمة إسرائيل الكبرى .
بموجب إتفاقية كامب ديفيد، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء بمساحة 23500 كيلومتر مربع، وهي أكبر من مساحة دولة كيان العدو البالغة نحو 22 ألف كم مربع وتساوي نحو 85% من مساحة فلسطين التاريخية، ومع ذلك جرَّمت مصر وقاطعتها جميع شقيقاتها العربية، وحتى الآن لا يجرؤ السائح الإسرائيلي إعلان هويته في الشوارع المصرية . فما الذي استعادته الإمارات من كيان الاحتلال ؟، لا شيء سوى الخزي والعار، ومع ذلك يجري الدفاع عن الاتفاق وتسويقه بشكل مستفز على طريقة “الجهر بالفاحشة “.
بموجب كامب ديفيد أيضاً، تحصل مصر على مليار دولار سنوياً من الولايات المتحدة، بغض النظر عن شرط ومجال إنفاقها، فما الذي كسبته الإمارات من اتفاق “أبراهام “؟،لا تحتاج الإمارات إلى أموال، فلديها الكثير من المال الذي لا تعرف كيف تنفقه، فالدولة مجرد خزينة أموال، والحاكم “كاشر “، وحتى وإن حصلت الإمارات على طائرات “إف 35” وستدفع قيمة مضاعفة بالتأكيد وبميزات أقل ـ إن هي اشترتها ـ فهل يمكن أن يكون ذلك هو ثمن الاتفاق ؟ يا لها من صفقة بخسة، أبخس من صفقة أبي غبشان الذي باع مفاتيح الكعبة بزق من الخمر وليلة حمراء .
ما الذي ستضيفه “إف 35 ” إلى قوة الإمارات العسكرية؟ ، هل ستهزم بها إيران أو تركيا ؟ .. لا مجال لمقارنة عسكرية بينها وبين من تعتبرهم خصومها، و “إف 35 ” لن تحولها إلى قوة عظمى، ولن تكون أكثر من “بلاك ووتر كبيرة “.
مفارقات
كل الاتفاقات التي وقعها الإسرائيليون مع العرب تقع بين 13 سبتمبر و2 أكتوبر، وهاذان الشهران تكثر فيهما الأعياد اليهودية ـ رأس السنة العبرية، الغفران، وعيد العرش – وتستمر الاحتفالات اليهودية لأسابيع، وخلال الشهرين من كل عام، تتزايد الاعتداءات على الأقصى بتأثير نشوة اليهود بأعيادهم .
تأملوا كيف يفرض الإسرائيليون على العرب، حتى توقيت التوقيع؟ ففي 17 سبتمبر 1978م وقعت كامب ديفيد مع مصر، وفي 13 سبتمبر 1994م وقعت اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، وفي 2 أكتوبر 1994م وقعت معاهدة وادي عربة مع الأردن، وقد كان مقررا أن يوقع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في 13 سبتمبر الجاري بالبيت الأبيض، لكن ارتباطات نتنياهو أجلته إلى الـ 22 من الشهر الجاري، يعني بين عيد رأس السنة وعيد العرش .
هكذا يتعمد الاحتلال الإسرائيلي تزمين وربط أحداث وقرارات مشهورة بمسميات ومواعيد ترتبط بالبعد الديني التوراتي والتلمودي، كما يحدث في تسمياته للحروب والمعارك، أو في أسماء الشوارع والمدن والتجمعات السكانية والأبنية العامة، بينما وجد البعض في قرار وزارة التربية والتعليم في بلادنا تغيير أسماء المدارس التي تحمل مسميات أجنبية أو أسماء دول العدوان مجالاً للتهكم والسخرية .