دراسته في لبنان مكَّنته من مشاركة القوى الوطنية اللبنانية وقوى الثورة الفلسطينية في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان

في الذكرى الثالثة لرحيله: »عباس غالب« القلم الذي لم يمت .. وحبر الحقيقة الذي لم يجف

قال عنه الدكتور المقالح: لقد أوقف قلمه لفضح التخلف والدعوة إلى الارتقاء بالوطن عملياً وثقافياً

تحل علينا اليوم الذكرى الثالثة لرحيل الهامة الإعلامية البارزة والصحفي الكبير الأستاذ القدير عباس غالب محمد ثابت الأسودي -رحمة الله تغشاه – الذي توفي يوم الأربعاء 23/ذو القعدة / 1438ه الموافق 16/ 8/ 2017م.
وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على رحيله، إلا أن رنين اسمه ما يزال ساكناً في مسامعنا، وصرير قلمه لن يبارح ذاكرة كل من عرفه وزامله ورافقه وعمل معه، وكل من قرأ له ولو مقالاً صحفياً واحداً، لأن الأشخاص المتميزين يظلون خالدين في ذاكرة أهلهم وأصدقائهم وزملائهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، ودائماً تبقى مواقفهم المتميزة محل احترام وإعجاب كل من عايشها أو سمع عنها أو قرأ عنها.
الثورة / إعداد/ يحيى الضلعي

سيرة ومسيرة مبدع
وعندما نستحضر بعض المحطات من سيرة ومسيرة فقيد الصحافة اليمنية الأستاذ / عباس غالب نجد أنه كان فارساً في ميدان الإعلام والصحافة، ومتطلعاً وجريئاً في متابعة قضايا هامة اجتماعية واقتصادية وسياسية، وكان مكافحاً لإثبات وجوده وتطوير مواهبه ليكون عضواً فاعلاً ومؤثراً في الواقع الاجتماعي الذي يعيشه، فضلاً عن أنه تحلى بالأخلاق وحب زملائه وكان مثالاً في التواضع ونكران الذات والبساطة، ما أكسبته هذه السجايا والمواصفات احترام وتقدير الذين عاصرهم وتعامل معهم عن كثب.
هو من مواليد المقاطرة الغرب عام 1957م قرية الكبيبة، انتقل مع أسرته إلى المقاطرة الشرق منطقة مراضعة ( بئر الراعي )، ومن ثم درس علوم القرآن في قرية يعفة معلامة المقصورة(للولي عبدالرحمن)على يد المعلم / عبدالله الفقيه (رحمه الله ), أتى بعد ذلك واستلم معلامة المقصورة الأستاذ سلام سالم حفظه الله ورعاه.

دراسة وصقل مهارات
انتقل الأستاذ عباس بعد ذلك مع والده إلى مدينة عدن لغرض التعليم، ولكنه لم يمكث في عدن فترة طويلة بل عاد إلى القرية وانتقل مع أسرته إلى مدينة الحديدة التي استقر فيها مع عائلته في منطقة الحالي.
التحق بالدراسة في مدرسة الوعي التربوي الابتدائية في الحديدة، ثم واصل دراسته الإعدادية في مدرسة الثورة الإعدادية الثانوية, وأثناء دراسته كانت هوايته القراءة الأدبية والثقافية والسياسية والعلوم الإنسانية, وأكسبته تلك المطالعات معارف كثيرة جعلت منه كاتباً يولي اهتمامه بالشأن الثقافي والأدبي في المدرسة, وحصل على التشجيع من أساتذته الأفاضل، عند ذلك تبلورت ونمت معه هذه الهواية فاستغل هذه الموهبة في النشاط الثقافي والأدبي بالمدرسة.

(الصباح) ..المشوار الأول
وفي تلك الفترة شهدت مدينة الحديدة أول مطبعة قادمة من عدن التي تطبع فيها صحيفة الصباح الأسبوعية التي كان صاحب الامتياز فيها رئيس التحرير الأستاذ / سعيد علي الجريك، وقد دشنت إصدارها الأول في مدينة الحديدة 17 /2 /1970م، وقد قوبل ظهور صحيفة الصباح قوبل بالترحيب الواسع والحماس والاهتمام من المثقفين والأدباء والكتاب واعتبروا ذلك الحدث مشرفاً لمدينة الحديدة بعد أن فتحت لهم آفاقاً جديدة للحرية والتعبير عن الرأي وساهم العديد من المثقفين والأدباء والكتاب والواعدين في كتابة المقالات المختلفة وغيرها من التحقيقات والمساهمات.
هذه البدايات شجعت الكاتب الواعد الشاب عباس غالب – الذي لا يزال حينها طالباً في مدرسة الثورة المرحلة الإعدادية – وبهذا وجد ضالته والتحق بصحيفة الصباح الأسبوعية التي كانت تصدر كل خميس، وعندما كان متحمساً للعمل حظي بالدعم والتشجيع من رئيس تحرير صحيفة الصباح ووجد الكاتب نفسه يخوض أول تجربة صحفية..
وفي تلك الفترة كان الزخم الإعلامي والثقافي في مدينة الحديدة في أوج ذروته وكانت المكتبات والأكشاك زاخرة بالصحف والمجلات المصرية واللبنانية بشكل ملفت للنظر، وكان عباس غالب أحد القراء المدمنين على الصحف والمجلات وكانت معشوقته مجلة “الحوادث” اللبنانية و مجلة “روز اليوسف” وصحيفة “الأهرام ” المصرية إلى جانب بعض الكتب الأدبية والثقافية والسياسية.
هذه القراءات والمطالعات لتلك الصحف والمجلات أكسبته المهارة والقناعة والرغبة والحب لمهنة الصحافة فأخذ يتعلم ويترعرع وينمو من خلال إطلالته على صفحات الصباح، وظلت آماله وطموحاته تعمل بكل همة واجتهاد , وكرَّس حياته ومستقبله لهذه المهنة وظل يمارس عمله في التنضيد اليدوي للحروف بالصحيفة كما كان يمارس هوايته في كتابة المقالات والمساهمات والتحقيقات.

(الثورة) .. بداية وإبداع
ظروفه الخاصة قادته للانتقال إلى مدينة صنعاء، حيث اتجه إلى مقر صحيفة “الثورة” وكان مقر الصحيفة في شارع القيادة وقدم طلباً إلى الأستاذ محمود الحاج مدير تحرير صحيفة ” الثورة ” والقائم بأعمال رئيس التحرير الموقف حينها بأمر من الرئيس الحمدي وقد قوبل طلبه بالموافقة حينذاك.
باشر عمله في صحيفة الثورة الرسمية عام 1974م في ” قسم التحقيقات “، وكان من ضمن الصحفيين الميدانيين، وفي تلك الفترة كان المحررون في الصحيفة يتنافسون على تقديم السبق الصحفي والتفرد بأخبار وتحقيقات بدعم وتشجيع وإشادة من قبل هيئة التحرير بالصحيفة.
ومع مرور الوقت اختير ليكون مسؤولاً إعلامياً للصحيفة في مكتب محافظة صنعاء، وكان آنذاك محافظ المحافظة الأستاذ/ يحيى مصلح الذي أحب الأستاذ/ عباس غالب وشجعه لإخلاصه وتفانيه واستيعابه لأعماله، وقد حظي بدعم وتشجيع الرئيس الراحل/ إبراهيم الحمدي (رحمه الله) لما كان يكتب من تحقيقات واستطلاعات, بحكم اتساع ثقافته ومعارفه، إلى جانب هذا كان يواصل تعليمه في المرحلة الأخيرة للثانوية في مدرسة سيف بن ذي يزن.

عباس ..من سوريا إلى لبنان
وفي عام 1976م ابتعث الأستاذ عباس غالب للدراسة الجامعية في سوريا ولكنه لم يجد ضالته (الصحافة) فاتجه إلى لبنان حيث وجد ضالته هناك في الجامعة اللبنانية قسم الإعلام، وأثناء بقائه ودراسته الجامعية واصل اهتمامه بالقضايا والأحداث والحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان بين الفصائل اللبنانية، وواكب تلك الأحداث المؤسفة والصراع الدموي وساهم بدوره من خلال كتابته في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية , كما عمل في مجلة (أضواء اليمن) آنذاك..
وبعد تخرجه من الجامعة عمل في مجلة الأفكار اللبنانية وكان محرراً للشؤون العربية التي كان يرأس تحريرها الأستاذ وليد عوض, وقد شارك مشاركة فعالة مع القوى الوطنية اللبنانية وقوى الثورة الفلسطينية في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان وغزو بيروت، حيث شارك في تحرير نشرات صحفية خاصة بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية وكان من بين العناصر التي واجهت الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م بالكلمة الشجاعة، حيث تطرق الكاتب اللبناني الأستاذ / رشاد أبو شاور, في كتابه (آه يا بيروت) والذي تحدث فيه عن الطالب اليمني الذي يدرس صحافة في لبنان وكيف ساهم مع القوى الفلسطينية واللبنانية عقب الغزو الإسرائيلي لبيروت وهذا الطالب هو عباس غالب , وبعد كل هذا عاد إلى أرض الوطن واستقر به الحال في صنعاء.

(الثورة) من جديد
أدى الخدمة الإلزامية للدفاع الوطني في التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ومن ثم عمل في صحيفة 26 سبتمبر وكان يكتب المقالات ويقوم بعمل ندوات صحفية في صحيفة 26 سبتمبر وله العديد من المقالات فيها.
أنهى خدمة التجنيد الإلزامية ليعود إلى صحيفة الثورة واستيعاب عمله المهني بكفاءة واقتدار، وواصل عطاءه بقسم التحقيقات وكان هذه المرة أكثر ثراء فكرياً ومهنياً , وشكلت عودته إلى الصحيفة نقلة نوعية في تحسين الأداء الصحفي وبالذات في قسم التحقيقات وأيضاً مساهمته المميزة في تطوير الإخراج الصحفي نظراً لخبرته واحتكاكه بالمدرسة الصحفية اللبنانية.
تصدر الأستاذ / عباس غالب أعمالاً إشرافية، حيث عُيِّن نائباً لمدير التحرير في الصحيفة ولم يقبل عباس غالب لقلمه أن يسترخي خلال تلك الفترة رغم طبيعة عمله بل واصل بقلمه الرشيق الكتابة في عموده اليومي الذي كان عنوانه ( على مسؤوليتي ) ، وكانت علاقته طيبة مع كل زملائه و قائمة على الود والاحترام ، حتى توفاه الله يوم الأربعاء الموافق 23/ذو القعدة / 1438ه الموافق 16/8/ 2017م.

الصحفي الملتزم
إثر وفاته كتب الكثير من الأدباء والمثقفون والأكاديميون والصحفيون عن حياة الفقيد الأستاذ عباس غالب محمد ثابت الأسودي( رحمه الله).
ومن أبرز هؤلاء الأستاذ الدكتور/ عبدالعزيز المقالح الذي كتب عن الفقيد وما سطره قلمه قائلاً:( لقد كان عباس صحفياً ملتزماً بأخلاق المهنة التي أختارها واستوعب قواعدها ودخل إليها من باب دراسته الإعلامية ولم يقفز إليها من الرصيف، وهذا ما حماه من الوقوع في براثن الانتماء “الشللي” والدخول في المعارك الجانبية فلم يجرح إنساناً، وإذا كان قد تنقل بين المنابر الصحفية اليمنية فقد أوقف قلمه لفضح التخلف والدعوة إلى الارتقاء بالوطن علمياً وثقافياً واقتصادياً والخروج من نفق الصراعات الذاتية)..
ويضيف الدكتور المقالح ( كنت قد تعرفت عليه بعد عودته من دراسته وتابعت نشاطه وحيويته في السنوات الأولى وحين حملته رياح التغييرات إلى خارج مدينة صنعاء لم أعد أتابع سوى القليل جداً من تلك الأنشطة التي لم تتوقف رغم ما تعرّض له في أحيان كثيرة من إحباط.. تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه)..

بروفايل(C.V)
– عباس غالب محمد ثابت الأسودي، من مواليد/ 1957م.
– بدأ رحلة الحرف بالعمل في التنضيد اليدوي بصحيفة ” الصباح ” بالحديدة مطلع السبعينيات.
– خريج الجامعة اللبنانية – ليسانس صحافة – بيروت 1982م .
– عمل في صحيفة الثورة الرسمية محرراً مبتدئاً في قسم التحقيقات 74م.
– ابتعث للدراسة الجامعية عام 76م إلى لبنان، عمل بعد تخرجه رئيساً لقسم الشؤون العربية في مجلة “الأفكار” اللبنانية، ومجلة “أضواء اليمن” .
– عمل نائباً لمدير تحرير صحيفة الثورة .
– عمل نائباً لمدير تحرير مجلة معين 1986م .
– عمل مستشاراً لمجلة الاقتصاد والتجارة .
– شغل منصب مدير تحرير صحيفة الثورة 90 – 95م.
– شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة , نائب رئيس التحرير لوكالة الأنباء اليمنية سبأ 95 – 97م .
– رأس تحرير صحيفة الميثاق 97 – 2001م.
– رأس تحرير صحيفة 14 أكتوبر 2001م.
– عمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية.
– عمل مراسلاً لوكالة الأنباء العالمية الاسوشيتد برس في صنعاء .
– شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة لصحيفة الجمهورية ونائب رئيس التحرير .
– عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين .
– عضو اتحاد الصحفيين العرب .
– عضو اتحاد الصحافة الدولية .
– عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين .
– عمل مراسلاً لعدد من وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية
– من مؤلفاته: “رياح أيلول، طماطم وقنابل، قواميس الرماد, تحت الطبع” .

قد يعجبك ايضا