ما بعد الإعلان السياسي
علي محمد الأشموري
كانت الأمور مستتبة نوعاً ما، وكان البحث عن مصيدة لذلك الخريج الحديث العهد تذكر الخناجر التي تنهال على نفسيته من كل حدب وصوب، ففي تلك الفترة من عقد الثمانينيات استضافت الأردن مؤتمراً عربياً، وكان المنتمي إلى مهنة البحث عن المتاعب قد رافق الوفد الليبي الزائر برئاسة فوزية شلابي الأمين العام للإعلام الليبي والوفد المرافق لها، كانت العيون عليه مفتحة، وأصبح “هدفاً” وليس كافياً وكتب عن الزيارة ولكن في نهاية المطاف أسقط اسمه من المكافأة “عنوة” قال له المسؤول عن الإعلام المرافق: لا تزعل فالليبيون هكذا.. لم يكترث لكلامه، ولإبداء حسن النية أخذ القلم والورقة ووضع المحاور التي يراها من وجهة نظره، وهي محاور مهنية لا تشوبها أية شائبة..
دخل على السيدة “شلابي” في فندق الشيراتون وكانت الأجهزة التي يديرها مدير الإعلام الليبي تلتقط كل نفس وحركة وصوت، انتهى الحوار فقد قُدمت له دعوة لزيارة “أرض كل العرب” الجماهيرية “العظمى” التي أرسلت قبلها اثني عشر ألف لغم صرفت التذاكر عبر “الهريتس” مندوب اليمن حينها فكان خط الرحلة صنعاء –لارنكا- وطرابلس.. صنعاء.. كانت الأردن قد استضافت زعماء العالم العربي وكان القذافي معارضاً للقمة بحُجَّة أنها مسيَّرة من رأس الشر والشيطان الأكبر، ولكن الموقف المتناقض قد جعل الجميع في حيرة.. هبطت الطائرة في مطار “قبرص” لارنكا بوابة أوروبا، وفي اليوم التالي توجهنا ثلاثتنا “كاتب السطور عن “الثورة” كما أسلفنا، ومحمد الشيخ عن معين، وعبدالواحد أحمد ثابت عن الجمهورية.. تم التواصل مع الأخ العزيز ياسين الحتيبة، وكان مكتبه في “تيقوسيا” وظل يتابع بنفسه بدء مؤتمر الممانعة: ورغم أن القذافي أرسل إلى عمان عبدالسلام جلود بعد تصريحات الرفض للمؤتمر.. وبجهود المضيف ياسين انتقلنا بعد أسبوع من “البلاك لست” إلى السفر عبر لارنكا- مطار عالية عمَّان- وحطت بنا التونسية رحالها في طرابلس.. أدخلت الحقائب وظللنا في صالة الانتظار نقرأ الشعارات “الثورية” لعشر ساعات، وكلما كنا نسأل يقولون لنا: انتظروا.. لارشفة ماء قدمت للضيوف ولا أي شيء، خرجت مندوبة الجوازات سمراء ببزتها الأمنية وسألتْ: من استضافكم؟ أجبنا بحنق: “القذافي”.. تمام.. انتظروا فنحن نتواصل مع السيدة فوزية شلابي، خرج ثلاثة ضباط يحملون هراوات وبدأوا ينهالون ضرباً على وافدين من دولة جارة لهم وحينما اقترب أحدهم منا كالمعتوه حذرته بأننا وفد.. تراجع مع زملائه وقال انتظروا وقبيل مغيب الشمس جاء آخر وقال بالحرف “يسعد الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى أن تستضيف وترحب بـ”مندوب الجمهورية ومندوب “الثورة” وبلغة صلفة ولا يشرفها أن تستضيف “الشيخ” عن معين.. قلت: لماذا؟
قال: هذا ما عندي. أجبت: إما أن ندخل ثلاثتنا أو نعود أدراجنا أجاب: وأنت من حتى تقرر؟
قلت: رئيس الوفد.. قال: الطائرة “التونسية” في انتظاركم..
قلت: وحقائبنا؟ أجاب: سوف تلحقكم.
عدنا أدراجنا من البوابة التي تستقبل كل العرب وتم تسليمنا لأحد ضباط المخابرات الأردنية الذي حاول ملاطفتنا ولكن كانت الكارثة عندما طلبت الحمام فقد أرسل ثلاثة بجانبي..
أحسست أن المسألة مدبرة وسنواجه صعوبات، وفي مطار عمَّان نادى بالجهاز شخصياً آخر “انتبه للضيوف”.. ظلينا في الترانزيت اليوم الأول وحاولنا الاتصال بالسفير “أبو لحوم” وقتها ولكنه غير موجود ومشغول مع الرئيس.. كانت الكاميرات ترصد كل تحركاتنا.. وبعد ثلاثة أيام أضربنا عن الطعام وصاحبنا محمد الشيخ -رحمه الله- كان يلتقي برؤساء الوفود العائدة إلى اليمن وحيداً ويشرح ظروفنا ويستلم معونات لم يصل منها شيء.. في نهاية المطاف وبعد أسبوع من التحقيقات سُئلت: هل تعمل في صيفة “الثورة” الجنوبية؟ قلت اسمها صحيفة “الثوري”..
ماذا أعطاكم “القذافي” من أسلحة وما هي المهام الموكلة إليكم؟
كان ضباط الاستخبارات الأردنيون يتناوبون علينا من أصغر ضابط حتى أكبرهم..
وفي نهاية المطاف تواصلت بعد عناء بالأستاذ الزرقة –رحمه الله- قال: الدخول ممنوع.. قلت: نريد العودة.. واتضح أننا عالقون ومطلوب من كل عضو دفع 1200 دولار “فارق الخط” رفضت أنا وعبدالواحد أحمد ثابت لأن بدل السفر انتهى، فيما قال محمد الشيخ أنا مستعد أن أدفع فارقي..؟
تواصلت مع الأستاذ الزرقة وقال: لقد حلت المشكلة ولكنكم ستجلسون ثلاثة أيام في الرياض رفضنا فمن يد المخابرات الليبية إلى الأردنية إلى السعودية ويعلم ما كان يدبر..
وفي نهاية المطاف قيل ولو ساعة ترانزيت.. وعند العودة قابلت وزير الخارجية مع الزملاء وتحدثنا عن الرحلة المشؤومة.. ولم يعلم أحد منا ماذا جرى في الكواليس حينما جاء القائم بأعمال الملحقية الليبية ومعه ثلاثة “أثوار”..
خرج محمد الزرقة.. قال: ما ذنب “الأثوار” المشكلة المفترضة أن تبقوا مكان “الأثوار” وهذه بداية رحلة البحث عن المتاعب وهذا فيض من غيض لرحلة البحث عن المتاعب في ثمانينيات القرن المنصرم أو بعد منتصفه..
وحينما شعر آل سعود وجهال زايد باليمن السعيد عادوا إلى وصية المؤسس بحقد البعير خاصة عندما شعروا بأن اليمن يريد الخروج من العباءة السعو- إماراتية فاشتروا الأذيال وبدأت اللعبة كشف حول أطماعهم في الساحل الغربي والموانئ اليمنية التي سال لها لعاب “البعران” وأنبوب النفط في المهرة قلنا أنها لعبة ولعبة على أوراق رقعة الشطرنج خاصة ما حدث من 2015م ففي منتصف السبعينات كان الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وما بعد 2015م فقدت اليمن الرجل الأسطورة صالح الصماد في غارة جوية لأنه كان يحمل مشروعاً نهضوياً بعيداً عن عباءة السعو-إمارات..
ورغم الجريمة النكراء التي صُنفت بحريمة حرب، فقد ظل العالم ما بين صامت وداعم، ولن أزيد لأني بحاجة إلى مجلدات عن الجرائم التي بدأت منذ التأسيس وما زال النزيف مستمراً.