المستشار في الأنظمة الاستبدادية!
عبد العزيز البغدادي
من معالم ثقافة الاستبداد أن تكون الأسماء بعيدة عن مسمياتها والألقاب بعيدة عن مضامينها إذ يصبح الحاكم محكوماً ومستبداً بالوكالة فما هي مهارات مستشار هذا النوع من الحكم الغائب أو المغيب ؟!!؛
من هذه المهارات تنميق الكلام وسبك الجُمَل وحبكها وإدخال المحسنات اللفظية عليها واللف والدوران حول الموضوع وتجنب الدخول في جوهره واعتبار غض الطرف عن الفساد من مهارات السياسة التي يوهمك عدوك الشريك أو شريكك العدو أنك لا تتقنها أي أنك لكي تتقن هذا النوع من السياسة عليك اتقان فن الكذب!!؛
وتبعاً لذلك فالمستشار المطلوب هو الذي يتناسى ، ويضع جانباً خزان الحكمة الذي تكوَّن لديه نتيجة العلم والمهارات والقدرات التي اكتسبها بل والدين الذي يفترض أنه يؤمن به إن كان يمتلك هذا أو شيئا منه !، وهو الذي يتعلم ويذكر ويتذكر فقط كيف يكون قريباً ومقبولاً من الحاكم بأمر موكله أو لديه يقدم له ما يشرح صدره ويزيل همه وغمَّه ، ويفتح أمامه الآمال المبنية على مادة الخيال غير العلمي ، وعليه أن يتمرن كيف يتقن فن قلب الحقائق ، فالفساد والإفساد الأوضح من الشمس الناتج عن سوء اختيار المسؤولين يحتاج إثباته إلى دليل شرعي متذكراً قاعدة : (المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) ومتناسياً قاعدة (من أين لك هذا؟) و(الفاسد مدان) طالما أصدر قرارات بتعيين الفاسدين أو غير المؤهلين في المواقع التي عينوا فيها )وأن (الفساد الإداري أخطر من الفساد المالي) أي أن تطبق القواعد الخطأ في المكان الخطأ ، على المستشار الحاذق أن يجد المبررات العبقرية للرد على من ينتقد الفساد بأن سوء الاختيار ناتج عن حكمة و يطبق عليها النصوص القرآنية والفقهية مثل : (عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم) ، (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك من يشاء ) المفهوم السائد الخاطئ لنظرية الحكم في الإسلام يجرد المواطن من حريته في اختيار حكامه ويصبح الحاكم الفاسد قضاء وقدرا !، والمستشار المحبوب يجيد التحدث بضمير هذا الحاكم وما يريد لا بضميره الحر، وعليه إجادة قراءة حالاته النفسية وتقلباتها وفق قاعدة : (لكل حالة مقالة) وليس ليقدم الحقائق في أوقاتها ، يجيد فن إخفائها والتلاعب بها وطمسها وتقديم العلم والدين والأخلاق قرباناً للحاكم وعلى طبقٍ من ذهب !؛
يتقن فن تنويم الضمير فيقلب الحقائق ويزين الأباطيل وفق رؤية الحاكم الرمز!، يهرب من بذل أي جهد لأداء أمانة العلم والحكمة ومقتضيات الدين الصادق النابع من ضمير حي، المستشار المنافق يسهم في خلق الحكام الطغاة الفراعنة وتقديسهم وتضليلهم، وهو الذي يجند علمه ودينه وخبرته لترويض روحه وتدريبها على جعل فكره ورأيه وهواه وكل طاقاته وقدراته عباد شمس تدور مع هوى الحاكم حيثما دار وتحل حيثما حل وهكذا تفعل الفتاوى التي لا يتحوط مطلقوها !؛
الخطأ والصواب في هذه المدرسة نسبي والنسبية تتأرجح مع هوى الحاكم وعلى المستشار إجادة قراءته كلما التقاه إن سنحت الفرصة للقائه، ليتفحص مزاجه كتفحص التاجر الحاذق لتقلبات أسعار البورصة وليكون في الخدمة ورهن الإشارة !!؛
الحكمة بين هذا المستشار وذاك المستشير ليست ضالة المؤمن ولكنها موجودة دائماً في إتقان مهارات طاعة الحاكم وملك يمينه !!، والمستشار وفق هذه المدرسة يُعَلِّم العلم الذي تَعَلَّمَهُ والحكمةُ التي يفترض أنه راكمَها كيف تكونا طيعتين غير مستفزَّتين ويبذل قصارى جهده لصرف الذهن عن أهميتهما في بناء الأوطان وتحقيق العدل ومحاربة الفساد ويروضها على فن الغوص في بحار ظلمات ذهن الحاكم المستبد وفساده وخصائص نفسيته وأحوالها ليشيد بها ويقدمها للناس على أنها عين الحكمة ومنطلق كل الكائنات !، والحاكم المستبد الذي يجد هذا النوع من المستشارين والعلماء يغنوه عن الحاجة لمحتوى حديث أو مقولة: (الحكمة ضالَّةُ المؤمن أنّى وجدها التقطها) التي تشكك في حكمته المطلقة المتمثلة في إطاعة أوامره ونواهيه وتنتقص من قيمته وهيبته !؛
هذه المهارات فن لا يحتاج إلى عناء ، خلاصة هذا الفن البديل : كيف تسيّس الحكام وتتجاهل وجوب أن يكونوا سياسيين علماء أتقياء ورعين ليقدروا العلم ويحترموا الحكمة ، وأن حكمة المستشار إن وجدت ليست بديلاً عن حكمة المستشير ولكنها متممة لها لأن الحاكم كما يفترض مشغول بأمورٍ كبيرة معقدة تتعلق بسياسة وإدارة الدولة ويحتاج إلى الوقت ، والمستشارون يفترض أنهم بيت الحكمة والحاكم السوي هو من يقصد هذا البيت للتزود بالحكمة باعتبارها خلاصة العلم المكتسب والملكة الموهوبة ، ولهذا لا ينبغي أن يبقى اللجوء للمشورة حق مرهون برغبة الحاكم بل واجبٌ عليه فاحترامه للعلم والحكمة لا ينتقص من مكانته ، لا يطلب الحكمة إلا حكيم ولا يتعالى على الحكماء والعلماء إلا جاهل أخرق أو به عقدة نقص !؛
واقعُ المستشار الذي يستشار هو من يجيد إبعاد المستشير عن الواقع المرهِقْ ويضلله ويقربه من الخيال المريح المخدِّرْ، والاستشارات المطلوبة هي أشد أنواع المخدرات المعنوية فتكاً بالمجتمع والسلطة معاً!
الشعبُ أقوى شوكةً لو تعلمونْ * والظلمُ قبرُ الظالمِ المتهورِ