حارة السور بالحديدة.. عراقة وتاريخ.. وإهمال ينذر بكوارث

مختصون: لا بد من التحرك سريعا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المنازل التاريخية في هذا الحي
السكان يناشدون الحكومة لترميم منازلهم المتصدعة والآيلة للسقوط
* تعد حارة السور في مدينة الحديدة من أقدم الحارات في هذه المدينة الفاتنة وتقع هذه الحارة قرب البحر على بعد خطوات قليلة من الشاطئ والغرب أيضا من قلعة الحديدة التاريخية المعلم الأشهر في الحديدة وهذه الحارة بمنازلها التاريخية الكبيرة والواسعة ذات الزخارف والنقوش البديعة والنوافذ المستطيلة وعندما تتجول بين أزقة ومنازل هذه الحارة القديمة تشعر أنك تعيش في العصور الغابرة منازل الحارة أشبه بقصور كونها تمتاز بضخامة البناء وعظمة المعمار.

الثورة زارت الحارة وتجولت بين أزقتها ومنازلها والتقت عددا من سكانها الذين تحدثوا عن مأساة يعيشونها بين جدران هذه المنازل القديمة ذات القيمة الحضارية الاستثنائية.
بداية يقول أحد سكان حارة السور وهو الأخ محمد عبده حارسي إن هذه الحارة تعد أقدم حارة في مدينة الحديدة والدليل على ذلك أنها تقع بالقرب من قلعة الحديدة وهذه الحارة تعود منازلها إلى فترات زمنية مختلفة إلا أن معظمها كما تنص عليه الألواح التأسيسية أو بالأصح الخشب المردم الموجود فوق كل باب والتي تورد عددا من النصوص ربما قرآن كريم أو حكمة وفي بعض المنازل شعر وتورد هذه الألواح الخشبية الفترة الزمنية التي بني فيها كل بيت فمنها ما يعود تاريخه إلى ما قبل 300 عام وأخرى إلى 400 عام ومنها 200 عام..
وقال حارسي إن السكان يعيشون حالة من الرعب والخوف بسبب الحالة المتردية لهذه المنازل ويخشون أن تنهار عليهم بأي لحظة وتسقط على رؤوسهم..
وضرب حارسي مثالا بأحد المنازل الذي انهار قبل أشهر ولولا أن قدرة الله جعلته ينهار والسكان خارج المنزل لكانت كارثة بكل المقاييس فالأسرة التي كانت تسكن هذا البيت المنهار كبيرة أطفال ونساء ورجال بحكم أن كافة منازل الحارة كبيرة.
تهدم المنازل في أي لحظة
مواطن آخر أخذنا إلى منزله وأطلعنا على الأضرار الموجودة في هذا المنزل والتشققات المنتشرة هنا وهناك على الجدران والأسطح يقول: نخشى كل يوم عندما ننام أن لا تطلع علينا شمس ولا ندري ماذا نفعل حاولنا طرق أبواب الجهات ذات العلاقة في المحافظة رفعنا إلى صنعاء من أجل ترميم المنزل الذي لا نملك سواه ولكن دون جدوى وليس لدينا الإمكانيات المادية التي تجعلنا نقوم بالترميم كوننا من ذوي الدخل المحدود.
مواطن آخر يصيح من بعيد ماذا ستعمل لنا الحكومة والدولة هل ينتظرون أن تنهدم هذه المنازل على رؤوسنا ويعدها تتحرك ولكن بعد أن يفوت الأوان.
المنطقة التاريخية الوحيدة
* ما رأيناه في هذه الحارة القديمة ذات المباني الفريدة يندى له الجبين فالحالة التي وصلت إليها المنازل بفعل الإهمال وعوامل المناخ يصعب وصفها ويمكن أن تحدث كوارث في هذه الحارة من خلال تهدم تلك المنازل التي تمثل تاريخا عريقا فوق رؤوس ساكنيها.
وحول الأهمية التاريخية والحضارية لهذه المباني يقول المهندس نبيل منصر نائب رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والذي كان سبق وأن زار هذه الحارة عدة مرات: فعلا حارة السدر تحوي منازل غاية في الجمال والأهمية التاريخية وتستحق هذه الحارة أن تكون منطقة محمية لأنها المنطقة الوحيدة التاريخية المتبقية في مدينة الحديدة ويجدر بالدولة الحفاظ عليها وإن كانت الحارة بهذه المنازل القديمة تستحق وبجدارة أن تندرج ضمن قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو إلا أنه ينبغي على الأقل أن تدرج ضمن القائمة الوطنية لدى الحكومة اليمنية.
وأضاف: لا بد على الجهات المعنية أن تبدأ سريعا بالتحرك في ترميم المنازل والحيلولة دون سقوطها فهذه المباني فعلا جميلة وكبيرة يمكن إعادة استخدامها كمساكن للسكان ليس لأسرة واحدة وإنما لعدة أسر في البيت الواحد أو يمكن أن تستخدم مراكز حكومية أو مبانُ عامة.
مبانُ تتلاءم مع البيئة
ومن الناحية الفنية يؤكد منصر أن هذه المباني تاريخية وتعكس تاريخ مدينة الحديدة وعلاقتها بالبحر وبالعالم وعلاقتها بالمناطق المجاورة على مستوى تهامة وساحل البحر الأحمر..
مشيرا إلى أن هذه المباني ربما تكون قد عملت البناء وفن العمارة للمناطق المجاورة خارج اليمن لا سيما تلك المناطق القريبة من البحر ولهذا لا بد من الحفاظ على هذه المباني وإعادة تأهيلها..
ولعل الأشياء التي تشوه النسق المعماري من هذه الحارة القديمة هو انتشار العمارة الحديثة المستخدمة الاسمنت والخرسانة المسلحة يوضح نبيل منصر أن هذه المباني الحديثة لا تشوه الطابع التقليدي بشكل كبير كما هو الحال في المدن التاريخية والأهم من كل هذا هو سرعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المباني التاريخية القديمة التي صممت بعناية فائقة تتلاءم مع العوامل البيئية وعوامل التهوية بل وعوامل العيش السليم.
مبانُ جميلة ولكن
ويقول خبير التراث العالمي الدكتور كمال بيطار والذي زار الحارة عندما جاء على رأس بعثة أرسلتها اليونسكو لتقييم الأوضاع في زبيد أن هذه الحارة بهذه المباني لو كانت في دولة أخرى مثلا خليجية لكانوا عملوا لها هالة إعلامية ضخمة وسجلوها ضمن قائمة التراث العالمي ووفروا لها كافة عوامل الشهرة ومشاريع الترميم المتتالية وجلبوا إليها السياح من كل أنحاء العالم.
وأضاف: هذه البنايات جميلة جدا ورائعة ومعمارها فعلا مميز والكيفية التي بنيت فيها تستحق التقدير والوقوف عليها بكل تمعن بالدراسات والبحث وما يشعرنا بالحزن هو الوضع الذي آلت إليه هذه المباني إهمال له عشرات السنين يتراكم عاما بعد آخر أدى إلى تصدع هذا المنازل أو معظمها وبشكل كبيرة ورغم أن هذه المنازل تمثل جوهرا تاريخيا ينبغي على الجهات الحكومية في اليمن الاهتمام بها والعمل سريعا على ترميمها ولكن هناك شقا آخر إنسانيا وهو أن هذه المنازل باتت وبهذه الأوضاع التي هي عليها تمثل تهديدا خطيرا على ساكنيها..
مشيدا بالموقع الاستراتيجي الذي احتلته هذه الحارة التاريخية وإذا ما تم الاهتمام بهذه الحارة وترميم منازلها يمكن أن تشكل أبرز المزارات السياحية في الحديدة خاصة أنها تقع في نفس النطاق الذي تقع فيه قلعة الحديدة.

تصوير/ فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا