بيروت/
لم تعد عروس الشرق قادرة على الحفاظ على ثوبها الأبيض، حتى وإن ارتدت هذا الثوب هل سيكون هناك حضور؟، الجميع حزين على لبنان وما آلت إليه الأمور هناك، ورغم أن البعض يتعاطى مع أزمة لبنان بشكل ساخر إلا أنه موجوع ومتأزم مما يحصل لدولته، فلم يعد لبنان قادراً على تحمل المزيد من الضغوط الاقتصادية التي أوصلته إلى حافة الانفجار، وأكثر ما يجعل الأمور تزداد سوءاً هو الانقسام الطاغي على الجو السياسي في لبنان، وحالياً وصلت الأمور إلى مكان خطير جداً وعلى جميع اللبنانيين وضع الخلافات جانباً للخروج من هذه الأزمة التي قوضت مكانة لبنان ووضعته على حافة الإفلاس.
الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب تحاول قدر المستطاع إنقاذ الموقف وتقديم مقترحات للخروج من الأزمة ولكن هناك من يضع عصي في الدولايب لإبقاء الأزمة على ما هي عليه، ويقترح دياب الاتجاه شرقاً لإيجاد حل لما يحصل بعد أن تكالبت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحتى الأوروبيين وبعض الدول الخليجية على لبنان لإرضاخه بالقوة للمشروع الغربي واخراجه عن قراره المستقل، ولا تزال الأمور عالقة في الوقت الراهن بين من هم مع التوجه شرقاً ومن هم ضد هذا التوجه ويفضلون رفع العلم الأمريكي أمام السفارة الأمريكية في بيروت للتبريك لها بعيد استقلالها، ماذا عن استقلال لبنان وهل حقاً واشنطن تريد أن يكون لبنان مستقلاً؟ أمثلة العراق وليبيا وافغانستان وعشرات الدول الأخرى دليل على ذلك.
اللبنانيون لم يعد بإمكانهم الاستمرار في هذا الوضع الاقتصادي المتدهور، فالناس بدأوا يتضورون جوعاً ولم يعد بإمكانهم الذهاب للمشافي للمعالجة ولا حتى دفع أقساط المدارس لأولادهم، فلا حل في الأفق ولا شيء واضح ولا احد يعلم إلى أين سيتجه لبنان، ولكن المؤكد أن الفقر بدأ يضرب أطنابه في لبنان فالفقير ازداد فقرا والطبقة المتوسطة بدأت تزول بعد أن ارتفعت الأسعار بشكل جنوني ولم يعد بإمكان أبناء هذه الطبقة حتى استرداد أموالهم من البنوك.
الشيطان الأكبر
إذا بحثت عما يحصل في لبنان عليك أن تراقب نشاط السفارة الأمريكية في عوكر لتتأكد من الجاني الحقيقي، لا نقول هنا إن واشنطن فقط هي السبب وهناك أسباب أخرى تتعلق بالإختلاس والفساد والسرقة وعدم وجود رأي موحد في لبنان، ولكن الولايات المتحدة استغلت هذا الضعف لتخترق لبنان وتمارس عليه أكبر ضغط ممكن لإرضاخه بالقوة، وما فرض قانون قيصر على سوريا إلا دليل بسيط على ذلك، فالحصار والعزل الذي تفرضه أمريكا على ايران وسوريا حاليّاً يفوقان الحصار الأممي الذي فُرض على العراق في التسعينيات، فهذه الآليات قد تطوّرت وجعلتها واشنطن أداةً للحرب المستمرّة، أمّا في بلدٍ هشٍّ يعتاش على تدفّق الدولار مثل لبنان، فإنّه لا يحتاج إلى عقوبات، يكفي أن تقاطعه أمريكا وحلفاؤها حتى يدخل دائرة الانهيار، المسألة ليست “خياراً” بين شرقٍ وغرب، المسألة هي أنّ “الغرب” قد أوصلك إلى هنا.
حسان دياب ألقى خطابا أمس الأول في مجلس الوزراء ركز فيه على خيار “المواجهة” وعدم الاستسلام، وفضل الاتجاه شرقا للخروج من الأزمة، وتحدّث عن الانهيار الذي تقف خلفه جهات محلية وخارجية. وتحدّث عن أدوات خارجية لا يهمّها إلا دفتر حسابات المصالح الشخصية المغلّفة بحسابات سياسية وطائفية.
كرر دياب اتهام (هم) بلعب لعبة رفع سعر الدولار الأمريكي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ومحاولة تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار، وتعطيل فتح الاعتمادات للفيول والمازوت والدواء والطحين، ليقطعوا الكهرباء عن اللبنانيين ويجوّعوهم ويتركوهم يموتون من دون أدوية، وفوق ذلك، يتحدثون عن حرصهم على لبنان ومساعدة الشعب اللبناني».
وصلت رسائله إلى السفيرين الأمريكي والسعودي، إذ أشار إلى ممارسات دبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية، والدبلوماسية، معتبراً أن هذا السلوك تجاوز كل مألوف بالعلاقات الأخوية أو الدبلوماسية. والأخطر من ذلك، بعض الممارسات أصبحت فاقعة في التدخل بشؤون لبنان، وحصلت اجتماعات سرية وعلنية، ورسائل بالحبر السري ورسائل بالشيفرة ورسائل بالـ”واتس آب”، ومخططات، وأمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل”.
زبدة الكلام “نحن أمّ الصبي، هذا البلد بلدنا، وهذا الشعب شعبنا، والناس أهلنا وناسنا، نحن حريصون على علاقات الأخوّة والصداقة، لكن بالتأكيد، لدينا خيارات عديدة، وأوراق كثيرة نكتب عليها رسائلنا، وليس بالشيفرة، رسائلنا نكتبها بحبر واضح وبلغة مبسطة وصريحة، لن نقبل أن يكون البلد والشعب اللبناني صندوق بريد داخلي لمصالح ومفاوضات وتصفية حسابات خارجية”.
مصادر حكومية أوضحت أن كلام دياب حسم مسألة تخلّيه عن الحذر في مقاربة كل الخيارات المتاحة لمساعدة لبنان. الخطوة الأولى كانت في استقباله السفير الصيني، بحضور وزراء البيئة والصناعة والأشغال والنقل والسياحة والطاقة، وبحسب المعلومات، فتحت كل الملفات المتعلقة بمجالات التعاون، ولا سيما في المشاريع التي يهمّ الشركات الصينية الاستثمار فيها، الرسالة الأبلغ كانت في تكليف وزير الصناعة عماد حب الله متابعة الاتصالات بشأن الملف المتعلق بإمكانيات التعاون، مصادر مقربة من رئاسة الحكومة أكدت أنه لم يعد جائزاً تضييق الخيارات أمام لبنان لأسباب سياسية، الصين كما غيرها من الدول مرحّب بها للاستثمار في لبنان، والمنافسة ستكون متاحة أمام الجميع.
الانفتاح على الشرق يتمثل اليوم أيضاً بزيارة وفد وزاري عراقي للبنان، حيث يتوقع أن يلتقي رئيس الحكومة لمناقشة سبل التبادل التجاري، بحيث يؤمن العراق الفيول للبنان، مقابل استيراد منتجات زراعية وصناعية لبنانية