على الرغم من كل المعضلات التي يعاني منها اليمن¡ سواء ما يتعلق منها بمعدل النمو السكاني المرتفع والذي يصل إلى 3.5% والذي يعدø◌ْ أحد الأسباب المولدة للفقر¡ أو تلك المشكلات الناجمة عن بعض الممارسات الخاطئة التي تغذيها عناصر حاقدة على اليمن¡ يبقى من المؤكد أنø أهم تحدø نواجهه في هذا البلد هو العامل الاقتصادي الذي صار يستغل من قبل أكثر من طرف وفي المقدمة منها عناصر الإرهاب والتطرف التابعة لتنظيم القاعدة¡ والتي أضحت كما أشار فخامة الرئىس علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية خلال لقائه يوم أمس في العاصمة البريطانية (لندن) بعدد من الوزراء البريطانيين لا تدخر جهدا◌ٍ في استهداف بعض الشباب العاطلين عن العمل وإغوائهم ودفعهم إلى طريق الضلال والانحراف والانجرار إلى مهاوي التطرف والتشدد والغلو وتحويلهم إلى قنابل ناسفة¡ وهو أمر ما كان له أن يحدث لو أن هؤلاء الشباب توفرت لهم فرص العمل ومقومات الحياة الكريمة وسبل العيش الشريف خاصة وأن من اندفعوا إلى ذلك المسلك الخطير والشائك لم يندفعوا لقناعة دينية أو ثقافية أو اجتماعية بفكر الإرهاب وانما انساقوا إلى ذلك نتيجة حالة الفراغ وما تفرزه هذه الحالة من شعور باليأس والإحباط¡ لأنه لا نسب ثقافيا أو دينيا للسلوك الإرهابي في اليمن¡ ولا رابطة فكرية لهذا السلوك مع اليمنيين الذين يتميزون بروح التسامح والاعتدال والوسطية¡ وكذا بنبذهم للغلو والتعصب والتشدد والتطرف¡ وهو ما يمكن استشرافه في مواقفهم من قضايا كثيرة¡ وعلاقاتهم المنفتحة مع الآخر¡ وبالتالي فإن من الخطأ الظن بأن اليمن يمكن أن يصبح ملاذا آمنا للإرهاب أو أن أبناءه سيرتضون باستجلاب أفكار غريبة عنهم لإحلالها محل منظومة القيم التي توارثوها جيلا بعد جيل. وإذا كان هناك من سبب لروح التمرد التي تسيطر على بعض الشباب والمراهقين فإننا سنجد أن جنوح هؤلاء وانحرافهم وانخراطهم في لعبة الإرهاب ليس سوى نتاج لإحساسهم بالفراغ القاتل¡ وانضمامهم إلى طابور البطالة وشعورهم بأنهم لا يملكون رهانات من أي نوع يرتبون على أساسها مجريات حاضرهم ومستقبلهم. وفي هذا الصدد نجد فخامة الرئىس علي عبدالله صالح يؤكد من جديد على أن الحلول بعيدة المدى التي ستحفظ الاستقرار السياسي والاجتماعي تتركز في كيفية تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية إلى اليمن لإدراكه العميق أن وجود هذه الاستثمارات هو وحده من سيفوت الفرصة على العناصر الإرهابية والمتطرفة في جذب الشباب واستغلال ظروفهم الاقتصادية والانزلاق بهم إلى محرقة الإرهاب بعد غسل أدمغتهم وتكريس نزعة العنف والحقد في دواخلهم. والأخ الرئيس بهذا التوصيف ينطلق من شواهد عدة تبرهن على أن الإرهاب حتى وقد أصبح ظاهرة عالمية ما كان له أن ينفذ إلى اليمن لولا حالتي الفقر والبطالة¡ كما أن القلاقل التي تحدث بين حين وآخر لا تعدو أن تكون ظاهرة الصورة ليس إلا للسبب الرئىسي والمتمثل في الظروف الاقتصادية. ونعتقد أن أكبر خدمة يمكن أن يسديها الأشقاء والأصدقاء لليمن هي توجيه استثماراتهم إليه لما من شأنه بناء قاعدة استثمارية قوية تسهم في إيجاد المزيد من فرص العمل أمام الشباب الذين يشكلون النسبة العالية في السكان¡ وبما يمكن اليمن من توظيف قدرات هؤلاء الشباب توظيفا إيجابيا لصالح أهداف التنمية بدلا من تركهم نهبا لعناصر التطرف والإرهاب. وما الذي يمنع أشقاء وأصدقاء اليمن من الالتفاف حوله خاصة وأن يمنا آمنا ومستقرا وموحدا◌ٍ أمر مهم لاستتباب عوامل الأمن والاستقرار في هذه المنطقة التي تلتقي فيها الكثير من المصالح الدولية. ومن الواضح أن زيارة العمل التي يقوم بها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح للعاصمة البريطانية لندن تصب في هذا المجرى¡ وكل المؤشرات الأولية عن هذه الزيارة تدل على أن هناك تفهما◌ٍ بريطانيا لما يطرحه اليمن¡ وأن مؤتمر «أصدقاء اليمن» الذي سينعقد في نيويورك في شهر سبتمبر القادم¡ سيضع اللبنات الأساسية لشراكة استثمارية قوية وحقيقية بين اليمن وشركائه¡ بعد أن تعززت القناعة لدى هؤلاء الشركاء جميعهم بأن التحول السياسي والديمقراطي والاجتماعي الذي يعيشه اليمن أصبح يشكل أنموذجا◌ٍ ينبغي الحفاظ عليه عن طريق تقوية أواصر التعاون مع هذا البلد ومساعدته على النهوض من كبوته الاقتصادية. وإنه لا بديل عن دعم الاقتصاد اليمني وتدفق الاستثمارات الشقيقة والصديقة إليه حتى يتسنى لهذا البلد استنهاض قدراته الكامنه وتحقيق القوة المطلوبة¡ والاضطلاع بدوره الفاعل والمؤثر في خدمة عوامل الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي. وفي ذلك مصلحة¡ ليس لليمن فحسب¡ وإنما لجميع أشقائه وأصدقائه.