مقال ضائع!
عبد العزيز البغدادي
من بين المواضيع التي ضاعت قبل أن ترى النور مقال كنت كتبته بالمواكبة لحالة التهريج الإعلامي التي أشعلها النظام احتفاءً بحكم التحكيم الذي صدر في 1998بشأن النزاع الذي اختلقته اريتريا حول أرخبيل حنيش التي دفعها الكيان الصهيوني في 15/ ديسمبر / 1995 لاحتلالها مستغلة ظروف اليمن الخارجة للتو من حربها الداخلية القذرة التي اختلقها انفصاليو النظام ضد أبناء الشعب في الجنوب وسماها حرب تعميد الوحدة بالدم لتكون المنطلق للإساءة البالغة للوحدة وإنهاء طابعها السلمي التي كانت نتيجة حوار مبكر وواع بين أحرار وحكماء اليمن !، والحروب القذرة الست على صعدة بمبررات واهية وكاذبة والتي لم تكن في الحقيقة إلا تنفيذاً لتوجيهات الرياض المنفذة لتوجيهات واشنطن وتل أبيب ولندن !!؛:
نعم استفزَّتني المبالغة في الاحتفاء بالحكم وما صاحبه من بروباغندا إعلامية تتحدث عن حكمة الزعيم ووداعته في مواجهة الاعتداءات الخارجية على اليمن مثل موقفه من اعتداءات السعودية المتكررة وتكريمها بالتنازل عن نصف اليمن بموجب اتفاقية جدة وهي بالمناسبة غير دستورية وغير قانونية بل ولا يوجد أكثر عاراً واستهتاراً منها بين تسويات الحدود في التأريخ ولو أقرها مجلس النواب العتيق فإقراره ليس فقط غير دستوري بل هو أقرب إلى الخيانة ، وتمادياً منه في موقفه لم يقم بمجرد التلويح بالانسحاب من الاتفاقية رداً على العدوان حسب معاهدة الطائف بين الإمام يحيى وعبدالعزيز آل سعود التي اعتبرتها اتفاقية جدة أساسها وتقضي بحق أي من الطرفين يقع عليه اعتداء من الطرف الآخر في الانسحاب من المعاهدة ، وكذا تأييده للجوء إلى التحكيم بتلك السرعة في قضية احتلال جزر حنيش أي بعد احتلالها بثلاثة أيام فقط وبدون أي مقاومة !،
استفزّني الاحتفاء بالحكم كما استفزني تعامل النظام مع دولة ولدت عام 1993 لتعتدي بعد عامين من ميلادها أي في عام 1995 على اليمن التي يمتد عمر حضارتها وسيادتها على الأرخبيل آلاف السنين ومقابلة كل هذا الاستهتار والصلف بالتحكيم حول سيادة اليمن على الجزر الثابتة تأريخاً وواقعاً ما يؤكد أن السيادة الوطنية ليست ضمن اهتمامات رأس النظام المنشغل بترتيب بقائه في الحكم بل وسعيه لتوريث السلطة ، “أسدٌ علي وفي الحروبِ نعامةٌ * ربداء تجفُلُ من صفيرِ الصافرِ” .
ولكي تطمئن كيانات الفساد المجاورة التي أرعبها حديث إعلام النظام ليل نهار عن جمهوريته وديمقراطيته بأنه ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً بل انه أكثر فسادا واستبداداً منها وتأتي هذه الاعتداءات ضمن السيناريوهات التي أدارتها بوضوح دولة الكيان الصهيوني المسيرة لهذه الكيانات المرتبطة بها وجوداً وتأريخاً ومصيراَ ولهذا كانت اريتريا في عدوانها على جزر حنيش مجرد عنوان ظاهر أما التواجد الفعال في الجزر فهو للكيان الصهيوني المرتبط بالكيان الاريتري الناشئ ورئيسه بروابط وصلات عميقة يبدو أنها أهم أسباب تمكينه من كامل الشريط الساحلي الذي كان جزءاً من اثيوبيا التي تم فصلها نهائياً عن البحر الأحمر رغم حجمها الجغرافي والسكاني وهو ما يسعى تحالف العدوان السعو صهيو أمريكي إلى تنفيذه مع اليمن في الساحل الغربي على البحر الأحمر ؛
وقد كانت حرب 1994 القذرة على أبناء الجنوب بذريعة الحفاظ على الوحدة وضد الشريك السلمي في تحقيقها الذي ذهب إليها مدفوعاً بالعاطفة الوحدوية التي نشأ عليها فكان الجنوب كما أكرر باستمرار موطن تصدير الثقافة الوحدوية وقد نص دستوره على أن تحقيق الوحدة هدف للشعب اليمني وقد دفعت هذه الخلفية بالسلطة الجنوبية إلى التنازل عن الموقع الأول في الرئاسة لرئيس الشطر الشمالي وبصلاحيات مخيفة وكأن النظام بتلك الحرب وممارسات ما بعد الوحدة مع الأسف قد عاقب أبناء الجنوب على عاطفتهم الجياشة نحو الوحدة لدفعهم إلى رد فعل معاكس ، وقد أدت تلك الحرب البشعة إلى تدمير أهم عناصر قوة وحدات الجيش في الجنوب (البحرية والجوية) والتي ما كان لإريتريا ولا لمن دفعها أن تتجرأ على القيام بعدوانها لو بقيت في المستوى الذي كانت قد وصلت إليه ولا لدويلة الإمارات والسعودية أو من دفعهم للقيام بهذه العربدة على شواطئ اليمن ، وانطلاقاً من هذه الروح الوحدوية الجنوبية عين في الجنوب محافظ للجزر مهمتها المحافظة كل الجزر اليمنية في الشمال والجنوب في البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب ، وكان أمنها جميعاً هاجساً لدى الرئيسين الشهيدين إبراهيم الحمدي و سالم ربيع علي دفعهما إلى السعي لتشكيل تكتل يضم الدول المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب ولهذا الغرض دعا الشهيد الحمدي إلى عقد مؤتمر تعز في 22 – 23/مارس/1977 كما عملا على تسريع الخطى نحو تحقيق وحدة حقيقية ، وأعتقد أن هذين الموضوعين إلى جانب نزوعهما نحو إنجاز سيادة واستقلال حقيقيين كانت أهم عوامل مسارعة القوى المعادية وفي المقدمة النظام السعودي بدفع وتوجيه صهيو أمريكي إلى اغتيالهما ! ،
هذه المفارقات كتبت عنها المقال الضائع وعنوانه سؤال موجه للمحتفين : (عادت حنيش فأين اليمن ؟!).
إني أفتش عن روحي وعن وطني * أنا وجدتهما وجدت طريقي