مما لا شك فيه أن اللقاء الذي جمع يوم أمس فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وأخاه محمود عباس “أبو مازن” رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية قد اكتسب معنى إضافيا◌ٍ أكان ذلك من حيث توقيته أو الموضوعات التي نوقشت فيه.
فمن ناحية التوقيت فإن اللقاء بين القائدين العربيين¡ يسبق بأيام قلائل المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التئامها في واشنطن في الثاني من سبتمبر القادم¡ مما يدل على أن توقيت هذا اللقاء جاء في لحظة مفصلية حساسة وبالغة الأهمية¡ وهو الأمر الذي يجعل من الموضوعات التي جرى البحث فيها والتشاور حولها خلال اللقاء بنفس تلك الأهمية.
وليس بغريب أن تحرص القيادة الفلسطينية دوما◌ٍ على استشراف وجهة نظر القيادة اليمنية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية المشهود له بالحكمة والرؤية الثاقبة والحنكة السياسية والمواقف الشجاعة المناصرة لقضايا الأمة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني
والمعروف عنه دائما◌ٍ أنه الذي لم يدخر جهدا من أجل الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني وتماسك جبهته الداخلية.
ولعل مثل هذه الخصائص كلها قد وفرت لفخامة الرئيس مساحة أكبر للاضطلاع بدور نشط في الدفاع عن القضية الفلسطينية وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء الفلسطينيين¡ وقد تجلى ذلك في مساعيه الحثيثة والمخلصة لرأب الصدع بين فتح وحماس وهي الجهود التي لم تتوقف حتى اليوم¡ لإيمانه أنه لا سبيل لمواجهة المشروع الإسرائيلي إلا بوحدة الصف وتعزيز التلاحم الداخلي والالتزام الصادق بما تمليه مصلحة الشعب الفلسطيني.
واستنادا◌ٍ إلى كل هذه المعطيات جاء تأكيد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مجددا◌ٍ على أن اليمن سيظل متمسكا بموقفه الثابت والداعم للقضية الفلسطينية وخيارات الشعب الفلسطيني¡ وحقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف¡ مشيرا◌ٍ في هذا الصدد إلى أن السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق دون اعتراف إسرائيل بالحق الفلسطيني¡ والتزامها بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي.
وإذا كانت هذه المضامين قد جسدت جوهر الرؤية اليمنية لقيام السلام العادل والشامل الذي يخرج المنطقة من بؤر التوترات والأزمات¡ فإن مثل هذه الرؤية أيضا هي من تتطابق اليوم مع الموقف العربي والإسلامي الذي يتطلع في أن تفضي المفاوضات المباشرة إلى سلام عادل ينهي الاحتلال ويعيد الحقوق إلى أصحابها كاملة ودون أي انتقاص.
ولبلوغ هذه الغاية يجب على الراعي الأمريكي والأطراف الدولية الأخرى مخاطبة إسرائيل بلغة جادة وصارمة تلزمها بمتطلبات السلام واستحقاقاته والتخلي عن سياستها التوسعية والاستيطانية ولاءاتها التي تتعارض مع السلام حتى تدرك إسرائيل أن استمرارها في اغتصاب حقوق الغير هي مسألة غير مقبولة وأنها إذا ما أرادت ضمان الأمن والاستقرار والتعايش مع دول المنطقة فإن عليها الجنوح لقرارات الشرعية الدولية خاصة بعد أن فشلت في كل خياراتها ومراهناتها الرامية إلى طمس القضية الفلسطينية بما في ذلك أعمال البطش والتنكيل التي مارستها طيلة أكثر من ستين عاما◌ٍ ومع ذلك فلم تنجح في النيل من إرادة الشعب الفلسطيني وإرغامه على التنازل عن حقه في الحياة والسيادة على أرضه.
وخلاصة القول أن ثمة ضرورة لإفهام إسرائيل أن استمرار تهربها من استحقاقات السلام إنما هو الذي سيجر المنطقة إلى خيارات مؤلمة ستكون هي أول من سيدفع ثمنها وأنها وما لم تجنح إلى السلام العادل والشامل فإنها تكون بذلك قد اختارت السير في طريق شائك مليء بالألغام.
وعليه فإذا كانت إسرائيل قد استفادت خلال الفترة الماضية من حالة التشظي الفلسطيني فإن هذا الوضع لن يدوم طويلا فمهما كان الخلاف بين الإخوة الأشقاء وأبناء الوطن الواحد فلا بد وأن يستعيدوا ل◌ْحمتهم ووحدة صفهم لأن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم ويكفي أنهم من يؤمنون جميعا◌ٍ بأن وحدتهم الداخلية هي مصدر منعتهم واقتدارهم وقوتهم وصمودهم في وجه الغطرسة الإسرائيلية وإن بلوغ تطلعاتهم المنشودة في التحرر وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف مرهون أيضا◌ٍ بتلاحمهم ووحدة صفهم واستشعارهم بمسؤولياتهم الوطنية.
ومثل هذا الموقف هم أحوج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
Prev Post
Next Post