واشنطن/ وكالات
لا تزال مصائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستمرة بالتزامن مع آخر أيام وجوده في البيت الأبيض بعد قُرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكان الرئيس الأمريكي قبل عام من الآن يرى موقفه مُحكماً في البيت الأبيض، لكنه في الظروف القائمة يشعر أن أسس حكومته ضعيفة وهشة.
وفي آخر حدث مؤسف لترامب- أصدر جون بولتون- وهو مؤيد قديم ومستشار سابق للأمن القومي في البيت الأبيض- كتاب مذكّراته حيث كشف فيه عن تسريبات ومعلومات صادمة حول ترامب، وتزامن ذلك مع أسوأ وقت ممكن لترامب.
وبينما تسعى إدارة ترامب إلى منع إصدار الكتاب عن طريق الطرق القانونية والذي من المقرر أن يصدر في 23 يونيو نُشرت مقتطفات من الكتاب الأربعاء الماضي في صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ووول ستريت جورنال.
في هذه التسريبات يكشف بولتون بعض الأمور حول جهل ترامب أبسط القضايا في العالم، حيث سخر منه أقرب مستشاريه، بالإضافة إلى انتقاده بعدم أخذه برأي مستشاريه واتخاذه قرارات أحادية الجانب، ويدَّعي بولتون في قضية مثيرة للجدل للغاية أن ترامب طلب من الرئيس الصيني دعمه في الفوز بالدورة الانتخابية الثانية.
ويستشهد بولتون باستخدام ترامب السياسة الخارجية كأداة لتعزيز مصالحه الشخصيّة، ويشير إلى حدث على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا- اليابان، إذ قال إنّه خلال محادثاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ، دفع ترامب “النقاش نحو الانتخابات الأمريكية المقبلة”، وطلب من الرئيس شي دعمه للفوز مرة أخرى.
يمكن أن تكون هذه التسريبات ضربة قوية للحملة الانتخابية للجمهوريين، بالنظر إلى تاريخ التحقيقات التي أجراها الديمقراطيون على مدى السنوات الأربع الماضية بشأن حملة ترامب غير القانونية للفوز في الانتخابات الرئاسية، من العمل مع الروس إلى الضغط على أوكرانيا لتقديم دعوى قضائية ضد بايدن.
إدراكاً لهذا الخطر يعمل البيت الأبيض الآن على منع نشر كتاب بولتون أو على الأقل تأخير نشره،ومن أجل منع عملية إصدار الكتاب يعمل فريق ترامب القانوني الآن على تبرير يفيد بوجود قانون يمنع موظفي الحكومة من نشر وثائق ومعلومات سرية.
وعلى هذا الأساس قدّم ترامب شكوى من خلال وزارة العدل الأمريكية، وقال للصحفيين يوم الاثنين الماضي “إنني أعتبر أيّ محادثة أجريتها كرئيس للبلاد، سريّة تماماً، هذا يعني أنّ “بولتون” إذا كتب كتاباً وأصدر الكتاب، فسيخالف القانون وأعتقد أنه سيواجه مشكلات قضائية.
ومع ذلك، فإن ترامب- الذي يدرك الآثار السلبية المحتملة لجهوده لمنع نشر كتاب بولتون- نشر تغريدات على منصة تويتر في محاولة منه لتكذيب ما سرّبه بولتون وأن هذه التسريبات هي نتيجة غضبه بعد طرده من البيت الأبيض.
وفي تغريدة يوم الخميس الماضي وصف ترامب كتاب بولتون بالأحمق والممل للغاية وقال “كتاب جون بولتون الممل جداً ملئ بالأكاذيب والقصص الخيالية.
وأضاف إنّ مستشاره السابق كان يقول كل شيء جيد عنه، بالأدلة، إلى أن تمت إقالته من منصبه، واصفاً بولتون بالأحمق الممل والساخط الذي يريد فقط الذهاب للحرب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وانسياق الفضاء السياسي والإعلامي للولايات المتحدة في هذا الاتجاه، سيواجه ترامب بالتأكيد تحدي خطابات حلفائه السابقين ومخالفيه المُسرّبين الذين ستصحب خطاباتهم تغطية إعلامية واسعة النطاق.
في الواقع كتاب بولتون الجديد ليس الأول من نوعه فيما يخص تسريبات ضد ترامب، ففي عام 2018م نُشر كتاب بعنوان “نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض” يكشف تفاصيل كثيرة ضد الرئيس الأمريكي.. هذا الكتاب الذي كان ضمن الكتب الأكثر مبيعًا لعام 2018م- كتبه صحفي يدعى مايكل وولف، واستندت المعلومات والتسريبات في الكتاب إلى حدّ كبير على معلومات مقربين من الرئيس ترامب.
على سبيل المثال: نقل الكتاب عن ستيف بانون الاستراتيجي البارز السابق لترامب قوله إنّ اجتماع يونيو 2016م مع مجموعة من الروس حضره دونالد جونيور وكبار مسؤولي حملة ترامب كان “خيانة” و “وإهانة للوطنية”.
وقال ترامب ردّاً على الاقتباس “لقد فقد بانون عقله” لذلك، نظراً للعدد الكبير من المسؤولين والشخصيات المقربة من ترامب الذين طُردوا من البيت الأبيض على مدى السنوات الأربع الماضية يجب أن يشعر ترامب بالقلق من تصاعد موجة التسريبات في الأشهر التي تسبق الانتخابات.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يواجه دونالد ترامب جبلاً من التحديات فقبل عام من الآن لم يكن بإمكان حتى أكثر المعارضين تفاؤلاً لترامب داخل الولايات المتحدة التكهن بمثل هذه الظروف التي يعاني منها الرئيس الحالي.
وبينما تتحدى الولايات المتحدة المشكلات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا يفقد ترامب ذراعه القوي الوحيد للفوز على الديمقراطيين، ما يزيد بشكل كبير فرص نجاح الديمقراطيين.
من ناحية أخرى أدّت أزمة الاحتجاجات المناهضة للعنصرية واستمرارها خلال الشهر الماضي بعد محاولة البيت الأبيض قمع المتظاهرين بدلاً من معالجة مطالبهم بتحقيق العدالة إلى ظهور موجة كبيرة مناهضة لترامب بين الأقليات والسود والعنصريين في المجتمع الأمريكي.
وقد أدّى ذلك إلى تنحّي شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري عن دعمهم لأداء ترامب وسعيهم حالياً لتوجيه ضربة له في الانتخابات القادمة، والآن علينا أن ننتظر ونرى كيف سيواجه ترامب هذا الجبل الكبير من التحديات.
إلى ذلك تجمع الآلاف في مدن أمريكية أول أمس للاحتفال بيوم “تحرير العبيد”، وهو عطلة لإحياء ذكرى انتهاء العبودية، تحمل صدى خاصاً هذا العام بعد موجة من الاحتجاجات، والبحث عن الذات حول إرث البلاد من الظلم العنصري.
ويمثل هذا اليوم احتفالاً سنوياً بإعتاق “العبيد” منذ قرن ونصف القرن، ويحمل معنى خاصاً هذا العام، مع الاحتجاجات التي أثارها مقتل الأمريكي من ذوي البشرة السوداء جورج فلويد، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن جثم ضابط شرطة أبيض في منيابوليس بركبته على رقبته لتسع دقائق تقريباً.
ومع إلغاء معظم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم بسبب إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجد نظم نشطاء بدلاً من ذلك مسيرات في الشوارع و”قوافل بالسيارات” في مسعى منهم لمنح الناس متنفساً للتعبير عن غضبهم وتضامنهم.
وفي مدينة نيويورك تجمع المئات خارج متحف بروكلين، حاملين لافتات عليها عبارات من قبيل “حياة السود مهمة” و”اذكروا أسماءهم”.
وكانت إحدى أكبر تلك المسيرات في أتلانتا، تلك التي شهدت عواطف متأججة بعد مقتل رايشارد بروكس، وهو أمريكي من أصل أفريقي أصيب بالرصاص في ظهره على أيدي شرطي أبيض في مرأب للسيارات في مطعم للوجبات السريعة.
وفي تكساس التي بدأت منها فكرة اليوم أشرفت لوسي بيرموند على ما يعتقد أنه أقدم احتفال سنوي عام بهذه المناسبة في حديقة التحرر في هيوستون، التي تقع في منطقة “ثيرد وارد” حيث قضى فلويد معظم حياته.
وعادة ما جذب هذا التجمع نحو 6000 شخص إلى الحديقة التي اشتراها العبيد المحررون عام 1872م للاحتفال بهذا اليوم.
وعلى مدى أسابيع حركت المطالب المتصاعدة بإنهاء وحشية الشرطة والظلم العنصري مسيرات كانت متوقعة في مدن أمريكية من أقصى شرق البلاد إلى أقصى غربها، بما فيها العاصمة واشنطن وفيلادلفيا وشيكاغو ولوس انجليس.
ويحيي يوم “تحرير العبيد” الذي يعرف باسم (جون-تيينث)، وهو اسم مركب من كلمتي (جون) أي شهر يونيو و(تيينث) في إشارة إلى اليوم 19 ذكرى إلغاء الولايات المتحدة الرق بموجب إعلان “إعتاق العبيد” الذي أصدره الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن عام 1863م، وأعلن جيش الاتحاد عنه لاحقاً في جالفيستون بولاية تكساس في 19 يونيو عام 1865م بعد انتهاء الحرب الأهلية.
وأعلنت ولاية تكساس عام 1980م هذا اليوم عطلة رسمية، وحذت حذوها فيما بعد 45 ولاية أخرى بالإضافة لمقاطعة كولومبيا. وفي العام الحالي، أعلنت مجموعة من الشركات الكبرى يوم 19 يونيو، المعروف أيضاً باسم يوم التحرر أو يوم الحرية، عطلة مدفوعة الأجر للموظفين.