من أذان الحج إلى أذان البراءة

 

منير إسماعيل الشامي

أمر الله تبارك وتعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج بعد أن أتم بناء بيت الله الحرام فَأذَّنَ استجابةً لأمر الله تبارك وتعالى من البيت الحرام ولا يوجد في تلك الأرض الشاسعة إلاَّ هو وزوجه وولده سيدنا إسماعيل عليهما السلام، وجعل الله صدى أذانه يتردد في مشارق الأرض ومغاربها وسمعه من في الأرض أجمعين فاستجابوا لذلك الأذان وقصدوا حج بيت الله الحرام من كل فج عميق.
ومن ذلك اليوم وحتى بداية هذا العام وبيت الله الحرام مقصد العباد حتى في فترة الجاهلية لم ينجح (إبليس لعنة الله عليه) خلالها في تعطيل البيت الحرام عن عبادة الله، فظل مقصد الموحدين من كل أنحاء الأرض رغم الأصنام التي نُصبتْ حول الكعبة، لكن الشيطان نجح اليوم في تعطيل البيت الحرام عن عبادة الله، وكيف لا ينجح وأولياؤه من بني سعود قد نفذوا ذلك جهاراً نهاراً فأغلقوا المسجد الحرام وأعلنوا إيقاف فريضة الحج هذا العام بحجة كورونا وفي العام القادم بلا حجة وبلا ذريعة.
ومن العجيب أن يتزامن إغلاق البيت الحرام هذا العام مع كشف نظام الرياض عن علاقاته الحميمة مع الكيان الصهيوني، وانطلاقه للتطبيع العلني مع هذا الكيان المجرم، وتحركه بكل جهده وطاقته هو والنظام الاماراتي وبكل الوسائل المتاحة لديهم لدفع العرب نحو التطبيع مع إسرائيل لدرجة القول بأن ذلك فرصة !! فعن أي فرصة تتحدثون أيها المجرمون؟
إن هذه الأحداث الكارثية والمصائب العظمى التي حلَّت على الأمة العربية والإسلامية حدثت بسبب واحد هو قيام هذه الأنظمة الطاغوتية بكشف ولائها الحقيقي لأعداء الله تبارك وتعالى، وإظهار براءتها من الله ورسوله والمؤمنين.
وفي ظل تردي وضع الأمة، ووصولها إلى هذا المستوى المرزي، والمخزي من الضعف والهوان، والخنوع، والخضوع، فإن أول خطوة أمامنا في التصدي لقوى الاستكبار والدفاع عن دين الله، ومواجهة طواغيت الأرض وقوى الشر الشيطانية، هو إعلان موقفنا من ذلك بإظهار ولائنا لله ولرسوله وللمؤمنين في موقف عملي صريح ،وتأكيد براءتنا من أعداء الله وطواغيت الأرض، وقوى الاستكبار فيها في موقف عملي صريح أيضاً، ولا أجد وسيلة لتحقيق ذلك غير صرخة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه ، تلك الصرخة التي تردد أول صدى لها في مدرسة الإمام الهادي بمران عام 2002م، من لسانه الطاهر الصدوق، ورددها بعده الحاضرون لديه والمستمعون لمحاضرته، ذلك اليوم، ثم قال لهم: رددوها وستجدون من يرددها معكم.
فهي أقوى سلاح فعال ضد من عطلوا بيت الله الحرام وهي أقوى موقف مؤثر في مواجهتهم ولإدانة جرائمهم وإفسادهم في الأرض، ولصدهم عن المسجد الحرام هم وكل الطغاة والمستكبرين، وهو ما أثبتته عمليا خلال ثمانية عشر عاما من ولادتها ،فهي الولاء وهي البراء وهي شعار مشروعه القرآني، وسلاح أنصاره المستضعفين، وهي موقف الحق الذي وقفوا عليه، وصداه الذي أغضب المستكبرين في الأرض من قوى الطاغوت، وأحزاب الشيطان، وأنظمة الشر والإجرام العالمية.
وهي أذان الحق بالبراءة من أعداء الله الذي تردد صداه في مسامع العالم وأقضَّ مضاجع طواغيتهم وأثار باطلهم وجمع أشتاتهم من مشارق الأرض ومغاربها، بنارهم وحديدهم، وجُندهم وجحافلهم ليكتموا صداه منذ ذلك الحين، وما زالت محاولاتهم مستمرة حتى اليوم، فما أفلحوا ولن يفلحوا أبداً، … ولماذا؟ لأن تلك الصرخة بحروفها وكلماتها، أقوى من قوتهم، وأكثر من عددهم، وأشد من أسلحتهم، فهي سلاح مرعب هد عروش أولهم، وسيهد عروش آخرهم، وذلك وعد الله ومن أوفى بعهده من الله .
فتأملوا معي الأحداث التي حدثت منذ اليوم الأول لولادة الصرخة وحتى يومنا هذا لتدركوا تزايد أنصارها المستمر كل يوم، وأنها تشبه في ذلك أذان سيدنا إبراهيم عليه السلام ويتوسع صداها رغم حربهم لها واجتماعهم عليها، لكتمها والقضاء عليها.
لقد أشعلوها حرباً ضروساً على مرَّان ليكتموا الصرخة في مهدها، فعمَّت محافظة صعدة كلها، فوسعوا حربهم على صعدة فتوسعت انتشاراً وتردد صداها في صنعاء عاصمة النظام المجرم قبل سقوطه وفي معظم محافظات اليمن ،فشنوها حرباً شعواء لا هوادة فيها على اليمن بتحالف دولي اجتمعت فيه أقوى الدول وأغناها وحشدوا العالم بعدوان غاشم على اليمن ﻷن شعبه صرخ بها، وفرضوا أشد حصار عليها فسمعوا صداها يتردد خارج اليمن في أقطار شتى.
قوتها في أولها، وعاقبتها في آخرها، وما بينهما براءة من أعداء الله من ألسنة المؤمنين بالله- أنصارها الحاملون لواءها والصادعون بها والمتحركون بمقتضاها والذين يتزايدون يوما بعد يوم.
وإذا كان أذان سيدنا إبراهيم عليه السلام هو المسار القولي لإعلاء كلمة الله ، والاستجابة له هو المسار العملي لذلك، فإن الصرخة جمعت المسارين القولي والعملي في آن واحد، فالبراءة من أعدائه والموالاة لأوليائه هو المسار القولي والعملي لإعلاء كلمة الله في الأرض.

قد يعجبك ايضا