بغداد/ وكالات
في ذكرى تأسيس الحشد الشعبي في العراق کمولود مبارك من سلالة قوات محور المقاومة، أصبحت جغرافية هذه القوة الآن أقوى من أي حقبة أخرى في تاريخها، لتشكل مساحةً شاسعةً في المنطقة وتزيد من نطاق نفوذها کل يوم.
هذا الأمر بالإضافة إلى ترحيب الشعوب بالطبيعة الدينية والتحررية والداعية للعدالة لخطاب المقاومة، هو نتيجة شجاعة وجهاد الآلاف من الشهداء والجرحی المضحين في الحرب ضد الإرهاب والإمبريالية الغربية والصهيونية.
وفي هذه الأثناء يبرز دور الشهيد الحاج قاسم سليماني في النجاحات الحالية لمحور المقاومة، كالشمس في سماء هذه القوى، كما هو معروف في جميع أنحاء العالم باعتباره العقل المدبر والمؤسس للعديد من فصائل المقاومة، بما في ذلك الحشد الشعبي.
دور سليماني في تأسيس الحشد الشعبي
في يونيو 2014م، تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من اختراق جدران جيش ضعيف نظمه الغربيون، والاستيلاء على “الموصل” وأجزاء عديدة من محافظتي “صلاح الدين” و”ديالى” في وقت قصير، والتقدم إلى أبواب بغداد بحلول أكتوبر، وفي هذه الظروف، تم تشكيل قوة شعبية من الشيعة العراقيين على شكل حشد شعبي لمحاربة داعش والدفاع عن سيادة العراق.
في الواقع الحشد الشعبي العراقي يطلق علی تنظيمات عسكرية شعبية في العراق، تم تشكيلها بعد الهجوم المفاجئ لداعش على العراق، بأمر من “نوري المالكي” رئيس وزراء العراق آنذاك.
وبعد ثلاثة أشهر من أمر نوري المالكي، في 13 يونيو 2014م أصدر آية الله السيستاني الفتوى الشهيرة التي دعت إلى الدفاع الکفائي، وحثت العراقيين القادرين على حمل الأسلحة إلى الانضمام إلی القوات الأمنية للدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته ضد هجوم إرهابيي داعش.
في هذه الأثناء كان المصمم والمنظر الأصلي لتشکيل هذه القوات استراتيجيًا كبيرًا وخبيرًا عسكريًا هزّ اسمه الأعداء في ساحات المعركة، إنه اللواء الحاج قاسم سليماني المعروف للغرب كقائد قوة القدس التابعة لحرس الثورة الإسلامية، ودوره في الحروب في أفغانستان(2001م) والعراق(2003م) والحرب اللبنانية (2006م).
الإلمام الکامل بجغرافية العراق والعلاقات الواسعة مع المجاهدين في فصائل المقاومة العراقية مثل فيلق بدر وكتائب حزب الله وجيش المهدي وما إلى ذلك، الذين تعاونوا مع قوة القدس خلال الحرب المفروضة وفي الحرب على الإرهاب في سوريا، مكّن الحاج قاسم من قيادة تنظيم قوات الحشد الشعبي العراقي بسرعة لمواجهة داعش.
وسرعان ما انتشرت هذه القوات الشعبية في الأجزاء الجنوبية والشمالية والغربية لحزام بغداد، لملء الفراغ الأمني ولعب دور رئيسي في وقف تحركات داعش، بالنظر إلى التنسيق الممتاز بين الفصائل الشيعية المسلحة وقوات الأمن الحكومية، وفي النهاية کان الإنجاز الأكثر أهميةً لهذه الفصائل الشعبية تدمير قوات داعش، والذي تم بمساعدة وبسالة الشهيد الحاج قاسم سليماني.
وعلى الرغم من أن الحاج قاسم کان دائماً يرفض بتواضع أن يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام، لدوره في إنشاء الهياكل المهمة للحشد وتخليص العراق من داعش وجرائمه، ولکن هذه الحقيقة ذكرت مرارًا وتكرارًا من قبل شخصيات سياسية عراقية مهمة.
وفي هذا السياق في 29 أغسطس 2016م، أكد الأمين العام لحركة “النجباء” الشيخ “أكرم الكعبي” أثناء مشارکته في البرنامج المباشر “على خط الخبر” الذي تبثه القناة الإخبارية الإيرانية، على دور اللواء سليماني في تشكيل الحشد، وقال: يتألف الحشد الشعبي من شرائح الشعب العراقي بقيادة اللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس، ولهذه الهيئة جذور شعبية عميقة في العراق.
کما صرح الشهيد “أبو مهدي المهندس” رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، الذي استشهد مع الحاج قاسم في الهجوم الإرهابي الذي حدث العام الماضي، في 3 يوليو 2017م، على هامش الدورة التاسعة لاتحاد الاذاعات والتلفزيونات الإسلامية، أن الحاج قاسم سليماني لعب دوراً مهماً في تدريب وتخطيط القوات العراقية، وقد شارك هو وإخواننا في حزب الله بنشاط في القتال ضد داعش، وقد تم ذلك بناءً على طلب وموافقة الحكومة العراقية ورئيس الوزراء السابق.
ومن الشخصيات العراقية البارزة الأخری التي اعترفت بدور الحاج قاسم في تشكيل وتنظيم الحشد الشعبي، رئيس الوزراء العراقي السابق “حيدر العبادي” الذي شكر إيران أثناء کلمته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، على التسليم “الفوري” للأسلحة والذخائر، واحتفظ بإشادة خاصة باللواء قاسم سليماني، واصفاً إياه بأنه أحد أهم حلفاء العراق في الحرب ضد داعش.
ومن بين الشخصيات الإعلامية العراقية البارزة أيضاً، “صلاح التكمجي” وهو ناشط سياسي ومدير شبكة “المرصد العراقي”، الذي قال لوكالة “تسنيم” للأنباء في نوفمبر 2016م، إن القادة الإيرانيين البارزين بمن فيهم الحاج قاسم سليماني، لعبوا دورًا مهمًا للغاية في تشكيل فصائل المقاومة في العراق، والتي تشکل النوى المركزية لقوات الحشد الشعبي.
إرث قاسم العسكري الثمين للحشد الشعبي
بعد عدة سنوات من سقوط خلافة داعش في العراق وسوريا، أصبحت قوات الحشد الشعبي القوية والواثقة من نفسها، ركيزةً قويةً وسداً منيعاً يحفظ أمن العراق أمام عودة ظهور داعش، على الرغم من المؤامرات الأجنبية واسعة النطاق، بحيث أنهم قضوا علی تحركات داعش في الأشهر الأخيرة قبل أن يتسع نطاقها.
ومن المؤكد أن قادة الحشد قد تعلموا الاستراتيجيات الحربية للحاج قاسم في محاربة الإرهاب ويستخدمونها، وفي الواقع كان للحاج قاسم، بالإضافة إلى دوره الحاسم في تشكيل الحشد الشعبي، حصة خاصة في مجال التنظيم والقيادة العملياتية أيضاً.
وفي هذا الصدد في يناير 2017م أکد المتحدث باسم کتائب حزب الله العراق “محمد محيي” في حوار مع قناة “الميادين”، أن جميع الفصائل والجماعات العراقية تقرّ بدور الحاج سليماني في مساعدة العراق على هزيمة داعش، وقال: لا يمكن لأي عراقي أن ينسى الدور العظيم والمشرف للواء سليماني ووجوده في الخطوط الأمامية لهزيمة داعش.
يشار إلی أنه في يونيو 2014م، استولی إرهابيو داعش على مدينة الموصل التي يسکنها ما يقرب من مليوني شخص في شمال العراق، ثم تقدم الدواعش بعد ذلك إلى إقليم كردستان ومدينة “أربيل”، وتمكنوا من صد قوات “البشمرکة” وارتکاب المآسي بحق سنجار واليزيديين، وکادت هذه المأساة أن تتكرر بشکل أشد مع سقوط أربيل، لكن حضور الحاج قاسم في الوقت المناسب حال دون ذلك.
قبل 48 ساعة من انضمام المقاتلات الأمريكية إلى عملية الدفاع عن أربيل، دخلت وحدة من القوات الخاصة تحت قيادة اللواء قاسم سليماني ساحات المعارك في غوير ومخمور وخازر، وقاتلت داعش جنباً إلى جنب البشمركة الكردية، وكان وصول هذه القوات بناءً على طلب مباشر من “مسعود بارزاني” رئيس إقليم كردستان العراق.
وفي هذا السياق قال بارزاني في وقت لاحق في مقابلة مع صحيفة “زمان” التركية في 8 يناير 2015م: “كان الحاج قاسم في مطار أربيل صباح الغد”، ذهبت لاستقباله جاء الحاج مع 50 من قواته الخاصة، ذهبوا على الفور إلى موقع الاشتباك وأعادوا تنظيم قوات البيشمركة، وفي غضون ساعات قليلة انقلبت المعرکة لصالحنا.
وقد وصف بارزاني أهمية وجود الحاج قاسم سليماني وتأثيره النفسي على انسحاب داعش من إقليم كردستان بالقول: “لقد اعتقلنا لاحقًا قائدًا في داعش وسألناه كيف انسحبتم فجأةً وأنتم کنتم علی وشك فتح أربيل؟ قال لنا الداعشي الأسير: “أبلغنا جواسيسنا في أربيل أن قاسم سليماني موجود في أربيل، لذا هبطت معنوياتنا وتراجعنا”.
اليوم في الذكرى السادسة لتأسيس هيئة الحشد الشعبي، لم يعد لتنظيم داعش الإرهابي أي أرض مهمة في العراق، لكن الحشد يزيد يومًا بعد يوم من قوته وشرعيته في العراق، والشعب العراقي وشعوب المنطقة يعتبرون أن ثمار هذه الشجرة الطيبة جاءت نتيجةً لشجاعة وتضحيات الآلاف من شهداء المقاومة، وخاصةً الحاج قاسم، هذا اللواء الذي ينحدر من سلالة أمير المؤمنين علي (ع).