الرياض/
تُحاول السعودية لعبة دور حصان طروادة، وتُحاول إتقان هذا الدور بكل ما أُتيح لها من قوّة، وآخر ما تفتق عنه العقل السعودي هذه الأيام هو استضافة الرياض لمؤتمر إسلامي ربما-لوزراء خارجية الدول الإسلامية- وذلك في للوقوف بوجه ضم الكيان الإسرائيلي للضفة الغربية ووادي الأردن!.
ربما لا يعجب القارئ من وجود هكذا مؤتمر، ولكن قد تُصيبه الدهشة بعد أن يعلم أن الدولة الراعية لهذا المشروع هي السعودية، خصوصاً بعد أن بات الجميع يعلم أنّ آل سعود هم رأس الحربة في مشروع صفقة القرن المشؤومة، ورأس الحربة أيضاً في مشاريع التطبيع التي يُحاول الكيان تفعيلها مع كافة الدول العربية والإسلامية.
ما هو الهدف السعودي؟
بات من المعروف أنّ ساسة آل سعود لا يخططون لشيء على أرض الحرمين، إنّما من يقوم بالتخطيط لهم مُستشارون أمريكيون وبعضهم يهود، واختار هؤلاء المستشارون أن تدعو السعودية لعقد هكذا مؤتمر حتى تستطيع كسر الصورة النمطيّة التي تشكلت عند جماهير المسلمين، وهنا كان لا بدّ من عملٍ من شأنه إعادة بناء سمعة آل سعود بعد أن وصلت إلى الحضيض.
ومن الواضح أنّ الدعوة لهكذا مؤتمر من شأنها أن تُعيد مكانة آل سعود الدينية، بعد أن خسرتها لصالح الأتراك والإيرانيين والقطريين، وبعد أن علِم آل سعود، ومن خلفهم مُستشاريهم أنّ مشروع الضم بات بحكم الميِّت بعد أن وقفت كافة دول العالم بوجه هذا المشروع، وعلى رأس هذه الدول أوروبا وأمريكا، حاولوا أولئك المُستشارون الاستفادة من فشل المشروع وتسويق آل سعود من خلال الادعاء أنّها تقف بوجه هذا المشروع، ولهذا السبب دفعوا ساسة آل سعود إلى دعوة الدول الإسلامية لإقامة هكذا مؤتمر لما سيجرّه من عمليّة تبييض سياسيّة لهذه العائلة.
أكثر من ذلك؛ إن استطاع آل سعود تنظيم هذا المؤتمر المعروفة نتائجه سلفاً وهي تنديد وشجب ودعوة للتعقل، فإنّها ستستطيع التغلغل إلى الوجدان الإسلامي وتقديم نفسها على أنّها مُدافعة عن الفلسطينيين وحقوقهم، خصوصاً إذا علمنا أنّها تخوض مفاوضات مُعمّقة مع الكيان الإسرائيلي بهدف إشراك آل سعود في إدارة الحرم القدسي إلى جانب الأردن.
علاقات السعودية والكيان
علاقات آل سعود والكيان والمُستمرّة منذ تأسيس هذا الكيان دائماً ما كانت سريّة، وكثيراً ما كان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان حريصاً على الإعلان عن هذه العلاقات لتكون مفتاحاً لمزيد من التطبيع بين إسرائيل والدول الإسلامية، ومع أنّ هذه العلاقات ظلّت وإلى فترةٍ طويلة تُحاط برداءٍ من السريّة، غير أنّ نتائجه كانت واضحة للعيان، فمن خلال الدفع السعودي على مر السنين الماضية، تلاشى وإلى حد كبير عبارات على شاكلة “التضامن العربي” و”مقاطعات الكيان الصهيوني”، وذلك بالطبع نتيجة السياسات السعودية التي عملت على ذلك طيلة سنين.
مؤخراً؛ وقبل حوالي عشرة أعوام كان الدافع الأصلي لتوثيق العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج وعلى رأسها السعودية هو الكره المتبادل لباراك أوباما، ففي السنوات الأولى من الربيع العربي، أغضب أوباما السعوديين والإمارات كما أنّه أزعج إسرائيل، كما أنّه تخلّى عن الرئيس المصري حسني مبارك، وتوترت العلاقات بشكلٍ كبير في عام 2015، عندما تم التوقيع على الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وهو الاتفاق الذي عارضته السعودية بشدة بالإضافة للكيان الإسرائيلي.
أكثر من ذلك؛ فإنّ السعودية ترى أن لها فوائد من خلال علاقتها بالكيان الإسرائيلي فوجود روابط أمنية وتكنولوجية واقتصادية مع الكيان الإسرائيلي؛ من شأنّه أن يُعزز من قوّة آل سعود في المنطقة وهي التي تشهد منافسة كبيرة من إيران وتركيا على زعامة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، حيث وجد آل سعود أنّ علاقات من الكيان الإسرائيلي من شأنّها أن تزيد من حظوظه في تسلم هذه الزعامة، خصوصا لما يعرفه السعوديون جيداً من النفوذ الذي يتمتع به اليهود في الداخل الأمريكي من خلال منظمة أيباك.
وفي الختام؛ فإنّ خطة نتنياهو وآل سعود تتمثل في تعزيز العلاقات مع الدول الخليجیة وبقية الدول العربية والإسلامية بدفعٍ من آل سعود، وبالتالي تهميش الفلسطينيين والضغط عليهم للقبول بصفقة القرن، أما التعاون بين الكيان الإسرائيلي وآل سعود فيتم بطرق مختلفة وعلى مستويات مختلفة وليس بالضرورة أن يكون مرئياً فوق السطح، ولكن ما هو تحت السطح أكبر بكثير من أي فترة أخرى.