العيد والتكافل الاجتماعي
عبدالفتاح علي البنوس
ها هو شهر رمضان يحزم حقائبه استعدادا للرحيل والمغادرة بعد ضيافة مستعجلة ، مضت أيامه ولياليه مسرعة على غير العادة ، وها هو العيد على الأبواب ، وها هي الأسر تعلن حالة الطوارئ ، ليس من أجل مواجهة فيروس كورونا والحرص على السلامة منه ، ولكن من أجل شراء وتوفير حاجيات ومتطلبات العيد ، غير مكترثة لتداعيات أزمة كورونا ومخاوف انتشار هذا الفيروس الفتاك ، ولا يعني ذلك أن نلغي أو نؤجل احتفالاتنا بالعيد السعيد والذي يبدو من خلال المعطيات الراهنة بأنه سيكون مغايرا لما سبقه من الأعياد ، وخصوصا بعد تسلل فيروس كورونا إلى بلادنا ، وتحوله إلى كابوس مرعب للأهالي الذين باتوا مطالبين بعدم تعكير أجواء العيد والعمل على الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي من شأن الالتزام بها تقليل فرص الإصابة بهذا الفيروس ، من خلال الحرص على الابتعاد عن التزاحم والمصافحة والتواجد في الأسواق ، علاوة على ذلك فالعيد يأتي في ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها السواد الأعظم من اليمنيين في ظل استمرار العدوان والحصار وانقطاع المرتبات ، وإصرار قوى العدوان للتضييق على ملايين اليمنيين في معيشتهم ومضاعفة الأعباء الملقاة على عاتقهم.
بالإضافة إلى ما تشهده الأسواق المحلية من حالة غلاء الأسعار المفرطة والجنونية ، وعلى وجه الخصوص في أسواق الملابس ومتطلبات العيد التي ارتفعت أسعارها بصورة جنونية في استغلال قذر لحاجة المواطنين إليها وتزايد الطلب عليها قبيل حلول العيد ، حيث تجد الكثير من الأسر صعوبة بالغة في تلبية متطلبات أطفالها من كسوة العيد ، فأسعار الملابس وصلت إلى مستويات قياسية بما في ذلك أسواق الحراج والملابس المستخدمة والتي كانت الملاذ الذي تأوي إليه الأسر الفقيرة التي لا تمتلك القدرة على شراء ملابس جديدة وتحاول بما تمتلكه من إمكانيات محدودة جدا أن ترسم الابتسامة على محيا أطفالها في هذه المناسبات السعيدة ، والأمر ذاته ينطبق على أسعار المكسرات والحلويات وجعالة العيد ، أسعار خيالية تعجز الكثير من الأسر عن مواجهتها ، وهو ما جعل الحصول عليها وشراءها هذا العام أشبه بالحج ، لمن استطاع إليه سبيلا.
يأتي ذلك في ظل غياب مبدأ التكافل والتراحم في أوساطنا، وتغليب الذات والأنا على مواقفنا وتصرفاتنا، وتعاملنا مع أقاربنا وجيراننا، كل شخص يبحث عن مصلحة نفسه وأولاده، غير مكترث لوصية جبريل الأمين للرسول الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي خصها للجار حتى ظن صلوات ربي عليه وعلى آله بأنه سيورثه، وسيجعل له نصيبا من ميراثه.
غياب التكافل وانقطاع المرتبات، وغلاء الأسعار، وتداعيات العدوان والحصار، وفيروس كورونا، كلها عوامل ستجعل من هذا العيد بلا نكهة، وستكون الفرحة فيه مسلوبة، وسيكون التواصل محدودا، ستلزم الكثير من الأسر منازلها احترازا من كورونا من جهة، ولعدم قدرتها على مواجهة متطلبات العيد، وسيكون كورونا المبرر لعزلتهم واحتجابهم عن الناس، ويظل الموظف الغلبان في حيرة من أمره وهو ينتظر صرف النصف الراتب الذي إن تمكن من استلامه قبل العيد كيف سيصنع به؟! وما الذي يمكن أن يفيده ؟! فقائمة الطلبات تفوق عشرات أضعافه، ولكنه ملزم بأن يتكيَّف مع الوضع ويرسم الفرحة على وجوه أطفاله مهما كانت الظروف، هكذا اعتاد في كل عام، ولكنه هذا العام يحتاج إلى جرعة إضافية من الصبر والتحمل والمواجهة، فهذا قدره، إلى أن يفرجها الله على البلاد والعباد.
بالمختصر المفيد، هي دعوة نوجهها لرجال المال والأعمال ولكل الميسورين، لتلمس حاجات الأسر المتعففة القابعة في المنازل ، والنظر إليها بعين العطف والرحمة ، والجود عليها مما أنعم الله عليهم من الخيرات ، الله الله في اغتنام الساعات المتبقية من هذا الشهر الفضيل لتعزيز التكافل الاجتماعي ، وهي دعوة لمن تمتلئ دواليبهم بالملابس التي يمر العام وهم لم يقربوا نحوها ، تصدقوا ، أنفقوا ، امنحوا أطفال جيرانكم والمحتاجين هذه الملابس، فهم في أمس الحاجة لها وسيبارك الله لكم في حالكم وأموالكم وأولادكم وسيجنبكم الله كل وباء وبلاء ، الله الله في التراحم ، وهي فرصة لتقديم الشكر والعرفان للهيئة العامة للزكاة على الجهود التي تبذلها في جانب التكافل الاجتماعي وفي الجوانب والمجالات الخيرة والإنسانية والاجتماعية والتنموية.
صوماً مقبولاً، وذنباً مغفوراً، وعملاً متقبلاً، وإفطاراً شهياً، وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بألف ألف خير وعاشق النبي يصلي عليه وآله.